بقلم / مطهر احمد زبارة –
خلال العقدين الماضيين أظهرت نتائج الأبحاث والدراسات والمؤتمرات السكانية وبرامج التقييم المتعاقبة للوضع السكاني في بلادنا أن برامج العمل السكاني التي تبنتها الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان ونفذت عبر الجهات المعنية إلى جانب التطورات المجتمعية الأخرى قد ساهمت في تحقيق بعض الأهداف التي سعت إليها السياسة الوطنية للسكان وفي مقدمة تلك الأهداف التي تحققت على الصعيد السكاني تخفيض معدل النمو السكاني السنوي وتحقيق معدل الإنجاب الكلي من 8.4طفل إلى 7.1طفل لكل امرأة في سن الإنجاب خلال الفترة 1994-2004مكما تشير البيانات إلى وجود تحسن ملحوظ في الأوضاع الصحية للسكان حيث انخفض معدل الوفيات الخام إلى 9حالات وفاة لكل ألف من السكان في عام 2004م مقابل 11.4حالة وفاة في العام 1994م وقد شملت هذه التغيرات الإيجابية ظهور تحسن واضح في مستوى معدلات وفيات الأطفال الرضع والأطفال اقل من خمس سنوات وكذا انخفاض معدل وفيات الأمهات إلى 365حالة وفاة لكل مائة ألف امرأة مع العلم أن هذا المعدل ما يزال مرتفعاٍ مقارنة ببعض البلدان .
وبالعودة إلى نتائج التقييم للوضع السكاني لوحظ أنه ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي وحتى الآن أظهرت الدولة والحكومات المتعاقبة والجمعيات الأهلية والمنظمات وغيرها من الجهات المعنية والمهتمة بالشأن السكاني اهتماما متناميا بالقضية السكانية حيث برزت العديد من البرامج والخدمات القطاعية التي تطرقت إلى جوانب متعددة من القضية السكانية ومنها خدمات الأمومة والطفولة وخدمات تنظيم الأسرة في وزارة الصحة العامة والسكان وجمعية رعاية الأسرة اليمنية وبرنامج المرأة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبرنامج التربية السكانية في وزارة التربية والتعليم وغيرها من البرامج السكانية الأخرى.
وبقراءة فاحصة وواقعية للتقدم الحاصل في تحسن عدد من المؤشرات الصحية وخاصة مؤشرات الصحة الإنجابية التي طرأت في بلادنا يمكن القول أنها لا ترقى لمستوى الطموح والأهداف التي حددتها السياسة السكانية في اليمن ليست كافية للوصول إلى تحقيق أهداف الألفية الثالثة للتنمية التي تتبناها والتزمت بتحقيقها الحكومة اليمنية كما أنها لا تعكس التفاوت الكبير بين الريف والحضر في معدلات الوفيات والإنجاب.
كما يمكن القول أنه وبالرغم مما تحقق من إنجازات عكستها المؤشرات السكانية والصحية إلا أنه من الملاحظ أن التركيز خلال المراحل السابقة للعمل السكاني قد انصب على العمل من خلال عناصر البيئة الداعمة أو المساندة كقضايا التعليم والصحة ورفع معدلات النمو الاقتصادي حيث كان يفترض أنها سوف تؤدي في المحصلة النهائية إلى تحسن المؤشرات السكانية الأمر الذي يشير بحسب نتائج الدراسات والتقارير السكانية إلى عدم كفاية هذا المدخل لمعالجة المشكلات السكانية وخاصة في المجتمع اليمني الذي يتسم بخصوصية ثقافية واجتماعية تتطلب الولوج في نفس الوقت إلى الأساليب المباشرة لتغير الاتجاهات السكانية وهذا يتطلب بالضرورة إعادة النظر في ترتيب الأولويات وتحديث أهداف السياسة الوطنية للسكان بما يتيح الفرصة للتركيز المباشر على كافة الجوانب التي تؤدي إلى تخفيض مستويات الإنجاب ودعم برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية الأمر الذي سيؤدي إلى إمكانية تحقيق أهداف وبرامج التنمية المستدامة .
وفي هذا الإطار فان المرحلة الحالية تتطلب إعطاء الاهتمام الكافي لرفع مستويات استخدام وسائل تنظيم الأسرة وخاصة الوسائل الحديثة بحيث تصل إلى حوالي 35٪ من النساء المتزوجات في سن الإنجاب خلال السنوات القلية القادمة وبالتالي خفض مستوى الإنجاب إلى حوالي 5.3طفل لكل امرأة في نفس الفترة والى حوالي 4.6طفل لكل امرأة خلال العام 2015م وصولا إلى تحقيق الهدف المحدد لعام 2025م وهو 3.3طفل لكل امرأة يمنية .
كما يمكننا القول أنه ومن خلال تجربتنا في الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان فإنه بالإمكان إجراء تقدم أفضل وتحقيق نجاحات إيجابية ملموسة في مجال العمل السكاني عموما والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة على وجه الخصوص على المستوى الوطني إذا ما تم التركيز خلال المرحلة القادمة على البرامج التي تؤثر بصورة مباشرة على خفض معدلات الخصوبة وذلك من خلال توفير خدمات الصحة الإنجابية عالية الجودة في جميع أنحاء البلاد مع رفع الوعي المجتمعي من أجل زيادة الطلب على هذه الخدمات وهو الأمر الذي يستوجب معه المضي قدما نحو إعادة النظر وبشكل عاجل في ترتيب أولويات العمل السكاني من خلال تحديث وتنقيح محاور ومضامين وأهداف السياسة السكانية وبرامج عملها بناءٍ على نتائج التقييم للأوضاع والإشكالات والتحديات السكانية للفترة الماضية وفق آخر التطورات والمستجدات في مجال العمل السكاني والتوعية السكانية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي كما ينبغي أيضا أن تضع الحكومة ضمن أولوياتها اعتبار تقديم خدمات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة من أجل النهوض بأوضاع الصحة الإنجابية وأن تكون تلك الاعتبارات استجابة إستراتيجية مناسبة لقضية النمو السكاني السريع كما ينبغي على المدى القصير أن تسد برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية الحاجة لوسائل تنظيم الأسرة (منع الحمل المرغوب فيه) وأن يكرس الجهد لتوفير خدمات الحمل المناسبة للنساء اللواتي يرغبن بها ومعالجة مشاكل الولادة الأكثر أهمية كرعاية ما قبل الولادة والولادة المأمونة أيضا ولابد من تعزيز النظام الصحي لكي يستطيع العاملون الصحين في أدني المراكز الصحية تقديم الخدمات البسيطة للنساء وتأمين وسائل منع أكثر تطورا لتنظيم الأسرة لهن بالإضافة إلى تقديم خدمات الولادة المأمونة.
وفي الأخير لا يفوتني التنويه إلى الدور الهام لجميع شركائنا في تنفيذ البرامج والخطط الهادفة إلى تحقيق أهداف السياسة السكانية وخفض معدل النمو السكاني المرتفع الذي يلقي بظلاله على عملية التنمية في بلادناونؤكد أن الأمانة العامة للمجلس الوطني للسكان وبالرغم من إمكانياتها الشحيحة إلا أنها ماضية في تنفيذ مهامها المتعلقة بتنسيق الجهود والمهام وتوزيع الأدوار المناطة بالجهات التنفيذية المعنية بتحقيق أهداف السياسة الوطنية للسكانكما أننا نناشد القيادة السياسية ممثلة بفخامة المشير عبدربه منصور هادي ودولة رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الوطني للسكان إلى تقديم الدعم اللازم لإعادة ترميم وتأهيل مبنى الأمانة وتزويده بالمعدات والأجهزة اللازمة .
الأمين العام المساعد للمجلس الوطني للسكان