كارثة الحجاج لا يجب أن تمر دون حساب أو عقاب

قال الكاتب والصحفي الفلسطيني عبدالباري عطوان في مقال له: أن كارثة الحجاج في منى لا يجب أن تمر دون حساب أو عقاب مطالبا بتحقيق جاد وشفاف مبينا انه الإهمال واللامبالاة على أعلى المستويات والمبررات الاعتذارية غير مقبولة.
وجاء في المقال الذي نشرته صحيفة “الرأي اليوم”:
بعد أسبوعين من كارثة سقوط رافعة على الحجاج في منطقة الحرم المكي الشريف راح ضحيتها 110 من زوار بيت الله الحرام أفقنا صباح هذا اليوم على كارثة اكبر راح ضحيتها أكثر من 800 حاج (حتى كتابة هذه السطور) ومئات الجرحى بالقرب من مكان رمي الجمرات في المشاعر المقدسة.
نؤمن بالقضاء والقدر مثلما نؤمن بمشيئة الله عز وجل ولكننا نؤمن أيضا بأن تكرار مثل هذه الكوارث هو برهان أكيد على انعدام كفاءة المشرفين على تنظيم موسم الحج من أعلى قمة الهرم السعودي وحتى اصغر جندي مرور.
تحميل الحجاج مسؤولية هذه الكارثة من خلال اتهامهم بالجهل أو عدم الانضباط من قبل بعض الاعتذاريين للحكومة السعودية وأجهزتها الأمنية والإدارية والمدافعين عن تصورها وعجزها وانعدام كفاءة المسؤولين فيها “اهانة” لا تقل خطورة عن الكارثة نفسها فمثل هذه الأعذار والتبريرات هي التي جعلت مثيلاتها تتكرر كل بضعة أعوام وسط حالة من اللامبالاة وانعدام الضمير ووفاة آلاف الحجاج الأبرياء.
مواسم الحج تحولت إلى هاجس ومصدر قلق وخوف للحجاج وذويهم بسبب تكرار هذه الكوارث وغياب أي ضمان حقيقي بعودة هؤلاء أو بعضهم سالمين إلى بلدانهم بعد أداء فريضتهم.
قبل تسع سنوات (عام 2006) وقعت المأساة نفسها عندما لقي 346 حاجا حتفهم نتيجة التدافع أثناء رمي الجمرات وقيل بعدها انه تم حل هذه المشكلة من خلال إقامة جسور متعددة الطوابق مما يعني أن المشكلة ليست في وجود الجسور من عدمها وإنما في سوء الإدارة وغياب التخطيط والتنفيذ ونحن لا نتحدث هنا عن حرائق وتفشي الأمراض وسوء الخدمات.
الحكومة السعودية قالت أنها حشدت أكثر من ثلاثين ألف جندي وعشرات الآلاف من رجال الدفاع المدني لتأمين موسم الحج من أي أعمال إرهابية لنفاجأ بان ضحايا اليوم سقطوا من جراء عمل إرهابي أكثر خطورة وهو سوء الإدارة والتنظيم والإهمال.
بعض التبريرات التي سادت على لسان مسؤولين أو اعتذاريين في وسائل التواصل الاجتماعي أو على شاشات التلفزة تمحورت حول نقطة جوهرية تقول بعدم امتلاك السلطات السعودية الخبرة اللازمة في “إدارة الحشود” في ظل تدفق أكثر من مليوني حاج على المشاعر ورمي الجمرات دفعة واحدة.
أنها “حالة إنكار” غير مسبوقة وتبريرات غير مقبولة وغير مقنعة في الوقت نفسه فاذا كانت السلطات السعودية وبعد أكثر من ثمانين عاما من الإشراف على مواسم الحج لا تملك خبرة كافية في إدارة الحشود فمن يمتلكها اذا¿ وإذا كان الحال كذلك فلماذا لم تستقدم الخبراء المسلمين والأجانب للقيام بهذه المهمة وهي التي تملك جيشا منهم في مختلف المجالات الأخرى علاوة على أن هؤلاء الحجاج وزوار الأماكن المقدسة يدرون دخلا سنويا على الخزينة السعودية يقدر 8.5 مليار دولا حسب البيانات الرسمية.
في العالم بأسره هناك مباريات رياضية ومهرجانات فنية واحتفالات دينية يؤمها مئات الآلاف من المريدين يدخلون إلى الملاعب والساحات في وقت واحد ويغادرونها في وقت محدد ولا تحدث مثل هذه الكوارث إلا في النادر فلماذا لا تتم الاستعانة بهؤلاء الذين يشرفون على تنظيم هذه المباريات والمهرجانات¿ ولماذا لا يتم إرسال مهندسين وإداريين لدراسة هذا العلم في الخارج من أبناء البلد وهناك الآلاف من الشباب السعودي الذكي والمؤهل لهذه المهمة أو ما هو اكبر منها¿ من الأمراء والعامة في الوقت نفسه.
الجواب هو الإهمال واللامبالاة وغياب الإدارة الرشيدة والغطرسة وانعدام المحاسبة والتحقيقات الشفافة وكنس هذه المآسي تحت سجادة العجز والإنكار في كل مرة تحدث لان المسؤولين عنها في غالب الأحيان هم من أمراء الأسرة الحاكمة بشكل مباشر أو غير مباشر.
نترحم على كل الضحايا ونحسبهم شهداء عند الخالق جل وعلا ولكننا لا يمكن ولا يجب كعرب ومسلمين أن نغفر أو نتسامح مع الذين يتحملون مسؤولية هذه الكوارث مهما علا موقعهم ونطالب بتحقيق جدي وعلمي وشفاف لمعرفة كل الحقائق ومحاسبة جميع المسؤولين فقد طفح كيلنا والغالبية الساحقة من المسلمين ان لم يكن كلهم وحان الوقت أن تتوقف هذه الكوارث كليا وان يتحول موسم الحج ومشاعره إلى مكان آمن.
عن صحيفة ” رأي اليوم ” الإلكترونية .

قد يعجبك ايضا