الحروب استثناء في حياة الشعوب والسلام هو الأصل لدى المجتمعات المتحضرة التي عاشت وتجاوزت مآسي وآلام الحروب.. ذلك الأمر كان حافزا لتلك الأمم التي تطورت سريعاٍ في جانب الاهتمام أكثر بالإنسان وإيجاد كل المنشآت الخدمية أبرزها الملاجئ العامة يهرب إليها السكان في حال وجود مواجهات أو حروب.
“الثورة” ومن واقع تزايد أعداد من يسقطون من المدنيين ناقشت أهمية وجود ملاجئ عامة تحمي السكان من الاعتداء في أوقات الحروب وضعف ثقافة الدفاع المدني ودور مصلحة الدفاع المدني في هذا الجانب من خلال الحصيلة التالية:
عندما تعمدت الحكومات اللالتفات إلى أهمية إيجاد ملاجئ عامة حكومية نتيجة الكلفة الكبيرة والفخمة لإنشاء هذه الملاجئ .. بالإضافة إلى أن الموطن اليمني ومنذ زمن بعيد اعتاد على الحروب والثأر والمواجهات المسلحة التي تنشب بين القبائل والأسر وأحيانا تكون هذه المواجهات بينها وبين الدولة ولأن الهاجس الأمني والحربي حاضر لدى الإنسان اليمني عموماٍ واعتياده للحروب أجبرتهم تلك الظروف إلى استحداث ملاجئ تحت منازلهم كما يسمى البدروم وغيرها من الدهاليز والملاجئ لغرض الاختباء وقت الحروب والظروف الصعبة.
وهنا الدول تركت خيارات العنف باكرا وانتصرت لخيارات البناء والسلام والتعايش الدائم للديانات والأفكار مستفيدة من هبات الخالق من أجل الإنسان وحريته وأمنه واستقراره.. هكذا تفكر الدول المتحضرة فكيف تفكر وتعيش دول العالم الثالث وتحديدا دول الشرق الأوسط التي تغوص في الحروب ومنها اليمن التي يسقط الكثير من الضحايا نتيجة لغياب الوعي بثقافة الدفاع المدني وكذا الملاجئ العامة والدور السلبي للمواطن في أوقات الحروب والكوارث.
يقول أحسن علي – محافظة عمران: في ظل الحرب التي تشهدها اليمن لا بديل عن وجود ملاجئ عامة وتحديدا في المدن وحقيقة استغرب أن كل الحكومات المتعاقبة لم تفكر بمثل هذا الأمر مع أهميته رغم وجود الكثير من الأحداث التي حدثت في كثير من الأوقات.
يضيف أحسن علي: يبدو أن أمن وسلامة الناس لم يكن في أولويات اهتمامات الأنظمة المتعاقبة التي كانت تركز على كيف تسبب الأحداث الصعبة لا كيف تعالجها وتعالج نتائجها المأساوية فغير مقبول أن يدفن الناس جراء العدوان تحت ركام منازلهم ولا توجد ملاجئ عامة يهربون إليها مع إمكانية قيامها في السابق لكن الآن لا الوضع المعاش ولا الإمكانيات تسمح بوجودها مع الحاجة الماسة إليها, ونحن لا نفكر إلا بعد أن يكون الفأس في الرأس.
الملاجئ العامة وجودها قبل أن يكون من ضمن أولويات البنية التحتية, فهو مسؤولية أخلاقية تتعلق بحماية حياة الناس التي تعد من ضمن واجبات أي دولة مهما كانت ضعيفة من الناحية الاقتصادية, بحسب أحسن علي.
من جانبه يقول سليم أديب: إن الواقع المعاش في أكثر المدن اليمنية وما تتعرض له من قصف مركز سقط الكثير من المدنيين فيه يجعل من وجود ملاجئ عامة للسكان مهمة عاجلة ولا أعتقد ينفع الآن التهكم على الحكومات المتعاقبة لماذا لم تقم بتنفيذ مثل هذه المشاريع في الماضي مع أهميتها المهم كيف نعوض غياب تلك الأماكن من خلال وضع تصور لبناء ملاجئ عامة وأن تكون من أولويات أي حكومة قادمة.
وأضاف سليم: يمكن إشراك القطاع الخاص في تنفيذ مشاريع ملاجئ عامة في كافة المدن اليمنية وكذلك فتح باب المساعدة والتبرع من قبل المواطنين وشعبنا شعب عظيم وكريم وسيبذل كل ما في وسعه من أجل الحفاظ على حياة الناس فقط نحتاج من يستفيد من التفاف المواطنين حول الفكرة والقيام بمثل هذه الأعمال العظيمة ولو عبر فتح باب التبرعات وفتح حسابات في بعض البنوك من أجل هذا الهدف.
من جهته قال الأستاذ فيصل السنباني: إن فكرة وجود ملاجئ يهرب الناس إليها في أوقات الحروب ظهر إبان الحروب الأوروبية في القرون الوسطى لكنه تطور بشكل كبير في الحرب العالمية الأولى والثانية وأصبح من الأساسيات في البنية التحتية لتلك الشعوب.
وأضاف السنباني قائلا: أما بالنسبة لنا كعرب ويمنيين تحديدا لا توجد لدينا لا في ثقافتنا القديمة ولا الحديثة ولا في نظرية الحروب فكرة استخدام الملاجئ لأننا كشعوب ومجتمعات لا نلقي بالاٍ ولا نضع قيمة لسلامة حياة الأبرياء وهذا يعود لغياب الثقافة المدنية وغياب الدولة القانونية التي تدرك ما عليها من واجبات تجاه الأفراد سواء في أوقات السلم وفي الأوقات الصعبة مثل الحروب و الكوارث الطبيعية.
وأردف السنباني: فكرة وجود ملاجئ عامة بحد ذاتها فكرة تستحق الاحترام والتقدير لهول ما يصيب الأبرياء من المدنيين جراء الحروب لكن الأهم من سيحول هذه الأفكار الإنسانية الرائعة إلى واقع وأعتقد أننا بحاجة إلى إرادة وإلى مسئولين يقدرون حياة الناس ويعملون على حمايتها.
وأشار فيصل السنباني إلى أن الخطوة الأولى في الوصول إلى مرحلة إنجاز بناء ملاجئ عامة لحماية حياة المواطنين تبدأ بتوعية وتثقيف المواطن كيف يتصرف في أوقات الحروب والكوارث وكيف يلتزم بشروط السلامة قدر الإمكان وكيف يتفاعل مع محيطه القريب أثناء الحرب وإذا وعى المواطن دوره ومارسه بإيجاب فهنا يمكن القول أن هناك شعباٍ يعي كيف يحافظ على نفسه في أوقات الأخطار.
واختتم فيصل السنباني حديثه: للأسف دور المواطن سلبي ولا يصب في صالح وعي مجتمعي بثقافة الدفاع المدني وهذا خلل في دور الجهات المسؤولة عن الدفاع المدني في نشر هذه الثقافة وتقصير وسائل الإعلام المختلفة في حشد المجتمع للاهتمام بها وكان لابد من وضع ثقافة الدفاع المدني في المنهج المدرسي حتى يتدرب النشء والشباب على هذه القيم ويعملون على احترامها والمطالبة بها لكن في اليمن كثير من الأمور نعتقد أنها ثانوية ولا نهتم بها وهي من أولويات المجتمعات المتحضرة.
وكيل مصلحة الدفاع المدني العميد عبد الكريم معياد يؤكد على ضرورة وجود ملاجئ في أي دولة مهما كانت كبيرة أو صغيرة وذلك لما لها من أهمية كبيرة في الحفاظ على حياة وأرواح المواطنين في حال حصول أي حرب أو قصف.
وأكد العميد معياد على اهتمام مصلحة الدفاع المدني ووزارة الداخلية بوجود ملاجئ منذ عام 1994م وذلك عبر تحرير المذكرات وإعداد الدراسات والمخططات العلمية لإنشاء ملاجئ عامة.. مشيراٍ إلى أن المجتمع أدرك في الوقت الحالي الذي يشهد فيه الوطن عدوانا بربرياٍ, أهمية الدفاع المدني وما يقوم به من واجب وطني وأخلاقي من حيث عمليات الإنقاذ والإسعاف والإطفاء.
وكشف العميد معياد عن اقتصاد اليمن منذ فترة يقف وراء عدم وجود ملاجئ عامة باليمن وذلك لارتفاع تكاليف إنشائها وتجهيزها.. لافتاٍ إلى أن تضاريس اليمن خدمت المجتمع في ظل العدوان وغياب الملاجئ إذ استبدل اليمنيون الملاجئ بالجروف المتواجدة بأعماق وأجواف الجبال.
وبحسب العميد معياد, فإن مصلحة الدفاع المدني لديها دراسات وخطط متكاملة وستسعى جاهدة لتنفيذها وإيجاد ملاجئ في حال استقرت الأوضاع.. مشيراٍ إلى أن إيجاد ملاجئ لا يتعلق بالدفاع المدني وحده وإنما أيضاٍ بالأشغال وعدد من الجهات ذات العلاقة.
قد يعجبك ايضا