أزمة المهاجرين تكشف عن تحولات جذرية في المجتمع الألماني

في عام 2010م أعلنت المستشارة انجيلا ميركل أن المساعي الرامية لتعدد الثقافات في ألمانيا منيت بفشل ذريع.
واليوم تفتح ألمانيا ذراعيها لاحتضان مئات الآلاف من اللاجئين كثيرون منهم من المسلمين في سوريا والعراق وأفغانستان.
وفي السنة نفسها نشر السياسي تيلو سارازين كتابه (ألمانيا تستغني عن نفسها) الذي حذر فيه من أن المهاجرين المسلمين الوافدين للبلاد يدمرون المجتمع الألماني.
ومع ذلك خرجت أعداد كبيرة من الألمان في الأسبوع الأخير لاستقبال المهاجرين القادمين للبلاد بهتافات الترحيب وتقدم الصفوف متطوعون زرافات ووحدانا لتقديم العون للوافدين.
وأعلن/ هارولد جيمس/ المؤرخ الاقتصادي بجامعة برينستون “هذه هي اللحظة التي أدركت فيها ألمانيا أن لها دورا عالميا.. هذا البلد يتغير بسرعة كبيرة جدا”.
وتتوقع الحكومة أن يطلب 800 ألف شخص اللجوء في ألمانيا هذا العام أي مثلي عدد من طلبوه في أي عام من الاعوام منذ إعادة توحيد الألمانيتين قبل 25 عاما.
وقد خطت ميركل المعروف عنها الحذر خطوة محفوفة بمخاطر شديدة تمثلت في فتح أبواب ألمانيا على مصراعيها وناشدت شركاءها في الاتحاد الاوروبي أن يحذوا حذوها.
واعترف مستشارو ميركل إنها قامت بالدور القيادي لتفادي كارثة انسانية وشيكة ويبدو أن المجتمع الألماني على استعداد لمؤازرتها في الوقت الحالي.
وأظهر استطلاع أجري في وقت سابق من سبتمبر أن 33 % من المشاركين يريدون عددا أقل من المهاجرين. لكن 37 % من المشاركين أيدوا استمرار ألمانيا في استقبال عدد مماثل في المستقبل كما أن 22 % أيدوا استقبال عدد أكبر من الوافدين.
وبالنسبة للبعض من الصعب التوفيق بين الموقف السخي الذي أخذته ميركل من اللاجئين وتشددها بشأن انقاذ اليونان من الأزمة الاقتصادية التي بدت في بعض الأحيان خلالها وكأنها تنحني للرأي العام وتضع المصالح الالمانية قبل أي شيء آخر.
وترى ريتا تشين المؤرخة والخبيرة في موضوع الهجرة في ألمانيا بجامعة ميشيغان “قبل سنوات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة أعلنت احتضار التعددية الثقافية وهذا يبدو في نظري تناقضا.. وتحولا تاما في الموقف.”
لو لم تكن ألمانيا في وضعها الاقتصادي القوي الحالي لفكرت ميركل على الأرجح مرتين قبل الترحيب باستقبال اللاجئين على الملأ. وربما كان الرأي العام في تلك الحالة أقل تأييدا لها لو كانت ألمانيا تعاني من مشاكل كالتي تعاني منها الدول الجنوبية في منطقة اليورو.
ويبلغ معدل البطالة في ألمانيا 6.4 % وهو أدنى مستوى له منذ إعادة توحيد الألمانيتين في عام 1990م كما أن النمو الاقتصادي قوي ما سمح للحكومة بأن تحقق فائضا قياسيا في الميزانية بلغ 21 مليار يورو (24 مليار دولار) في النصف الأول من العام 2015م.
وإذا أمكن دمج اللاجئين بنجاح في المجتمع فإن المجتمع الألماني ربما يحل أيضا مشكلة ارتفاع أعداد كبار السن وانخفاض المواليد. ومن الممكن أن يسهم المواطنون الجدد بمن فيهم من الشباب أصحاب الطاقات في الحفاظ على المسار الاقتصادي.
وقد عزز موقف ألمانيا من استقبال الوافدين من مكانتها الدولية.
ورغم ما تكبدته ألمانيا من مشقة في تكوين هذه المكانة منذ الحرب العالمية الثانية فقد تعرضت هذه الصورة للتشويه في الآونة الأخيرة بفعل المواقف التي صاحبت الأزمة اليونانية والمظاهرات الضخمة المعادية للإسلام في شرق البلاد الشيوعي سابقا في مطلع العام بل واحتجاجات مناهضة للاجئين شابها العنف.
ويعتقد بعض الخبراء أن التجربة التي مرت بها ألمانيا مع اللاجئين بعد الحرب عندما طرد أكثر من 12 مليون ألمانيا من أوروبا الشرقية قد يكون لها تأثير على الرأي العام.
ويضمن دستور ألمانيا لضحايا الاضطهاد السياسي الحق في اللجوء. إلا أن دمج الوافدين في المجتمع لم يكن على الدوام عملية سلسة في الواقع العملي.
وواجهت قوانين اللجوء السخية أول تحد حقيقي في التسعينات عندما فر مئات الآلاف شمالا هربا من الحرب التي صاحبت تفكك يوغوسلافيا.
وفي ذلك الوقت كان الاقتصاد الوطني يعاني من آثار توحيد شطري ألمانيا. وفي الشرق أصبح اللاجئون أهدافا لليمين المتطرف.
وردا على ذلك سعى الساسة الألمان لتشديد اللوائح التي تحكم اللجوء. وأدى ذلك إلى صياغة قواعد “دبلن” بالاتحاد الاوروبي والتي تلزم المهاجرين بطلب اللجوء في أول دولة عضو يطأون أرضها. وكان الافتراض أن ذلك سيحمي ألمانيا التي ظل حق المواطنة فيها لفترة طويلة يكتسب من خلال الآباء والأجداد أو الثقافة.
وتحطمت تلك الأسطورة على مدى الأسابيع الماضية. فقد رفض اللاجئون البقاء في ظروف غالبا ما تكون مزرية وفوضوية في دول أعضاء بالاتحاد الاوروبي مثل اليونان أو المجر وأصروا على الوصول إلى ألمانيا أو السويد حيث الترحاب أفضل.
وأرغم ذلك ميركل باعتبارها أقوى زعماء أوروبا نفوذا على التصرف قبل أن تتفجر أزمة انسانية على أطراف الاتحاد الاوروبي.
وقال أحد معاوني ميركل: “هذا تحد رئيسي لكن ماذا كان البديل¿”
وأضاف: “هل تنتظر حتى يموت الناس¿ وحتى يصبح لديك مشاهد مروعة على الطرق السريعة في المجر قبل أن تتصرف¿ وهل تغلق الحدود بين النمسا وألمانيا¿.
والآن يتعين على ميركل إدارة عملية التكامل داخليا واقناع الدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الاوروبي لاقتسام العبء رغم ما واجهته من مقاومة ومن استياء كاد يصل إلى حد السخط الشديد تجاه موقفها.
وقال المؤرخ بريندان سيمز عن ألمانيا: إنها مثل “مغناطيس كبير وتؤثر على كل الآخرين”.
وقد حثت ميركل الألمان على إبداء المرونة والصبر والانفتاح. وهناك من الأسباب ما يدعم الآمال في أنهم سيفعلون ذك بفضل التغيرات التي تشهدها البلاد.
ويخشى البعض أن يكون هذا الانفتاح الذي بني على جيل كبر بعد سقوط سور برلين انفتاحا هشا.
وإذا تراجع الاقتصاد وواجه البلد صعوبات في دمج الوافدين الجدد أو استخلص الألمان أن حكومة ميركل لا تستطيع إدارة هذا الطوفان فمن الممكن أن يتبخر ما تحقق من تقدم.
من جانب آخر قال هانز بيتر فريدريش وزير الداخلية السابق عضو حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي الأسبوع الماضي: إن ألمانيا فقدت السيطرة بالفعل على طوفان اللاجئين. ودعا أحد زملائه وهو ماركوس زويدر إلى تعديلات في الدستور حتى يمكن تشديد قواعد اللجوء.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته الاسبوع الماضي مجموعة إمنيد لحساب شبكة إن 24 الخاصة أن اثنين من كل ثلاثة ألمان يعتقدان أن أداء برلين “سيئ إلى حد ما” أو “سيئ جدا” في الأزمة.
ويقول المقربون من ميركل إن قدرة الحكومة على إسكان اللاجئين مع اقتراب فصل الشتاء وتدبير تعليمهم اللغة الألمانية والمساهمة في الاقتصاد سيكون عنصرا حاسما.

قد يعجبك ايضا