faiz444888@gmail.com
مدينة حيس ارتبطتú في ذهني بما كنتْ قد قرأتْهْ عن تاريخها العريق الذي كان لها منه حظ التسمية التي نسبتها إلى الملك الحمúيِري (حيس بن يريم ذي رْعين) وما كان لها من صولة وجولة إبان الدولة الرسولية التي اتخذِ ملوكْها من مدينة حيس محطة هامة في تنقْلهم بين العاصمة الرئيسية لدولتهم مدينة تعز وبين العاصمة الثانية مدينة زبيد.
وكان موقع مدينة حيس الواقعة بين مدينتي زبيد وتعز قد أضفى عليها أهمية خاصة جعلتú منها قبلة للتجار والمشاهير الذين كانوا يزورونها أثناء توجههم إلى مْدْن السهل التهامي المختلفة وكل مِن كان يذهب للحج في مكة والمدينة المنورة من سكان المناطق الواقعة إلى جنوب حيس من تعز ولحج وعدن كان لابْد له من المرور في حيس ذهاباٍ وإياباٍ.. وهذا الموقع زادِ من شهرتها وأهميتها إضافة لما تميزت به مدينة حيس من صناعات حرفية متعددة يأتي في مقدمتها صناعة الفخار الحيسي الذي بلغت شهرتْه جميع أرجاء الوطن إلى جانب الصناعات النسيجية ومعاصر الزيوت التي لا زالت تتربع على عرش صناعات حيس ومْدْن تهامة حتى اليوم.
لكن ما يحز في النفس أن ما رأيتْه أثناء زيارتي لمدينة حيس لم يكن بالشيء الذي كنتْ أتوقعه فقد وجدتْ مدينةٍ بائسة تعيش على ذكرى الماضي وتتكئ على حضارةُ اندثرِ منها الشيء الكثير ولم يبقِ منها إلا شواهد معدودة هي اليوم في حافة الانهيار والوقوع في براثن الهلاك والخراب خاصة وأن الجهات المعنية لم تْكلف نفسِها حتى بترميم أهم المعالم التاريخية والدينية كالجامع الكبير ومدرسة الإسكندرية التي لا تختلف كثيراٍ في دورها التنويري والحضاري عن مدرسة الإسكندرية في مدينة زبيد وإنú كان هناك بعض مِن يخلط في التفريق بينهما من حيث التسمية والدور.
كانت زيارتي لها قد تمتú عبر طريق تعز الحديدة وهو الطريق القديم الذي سلكته معظم القوافل التاريخية التي كانت تمر بهذه المدينة الهامة على طريق القوافل ورغم أني نويتْ زيارتها وأنا في مدينة إب وكان الطريق عبر مديرية العدين إليها أسهل وأقرب إلا أن فضولي في السير على خْطى القوافل وملوك آل رسول هو الذي دفعني لأسلك إليها طريق تعز – الحديدة.. ومن إب كان العزم ومن تعز المْبتِدى على درúب آل رسول ملوك اليمن العْظماء.
في حيس أول ما يواجهْ الزائرْ الأتربة المتطايرة التي تثيرها أدنى رياح أو مرور الدراجات النارية التي تتواجد فيها بشكل كثيف على غرار ما هو حاصل في كْل مْدْن السهل التهامي أو مرور العربات التي تجرها الحمير والبغال والخيول حيث وقفتú صامدة في وجه وسائل المواصلات الحديثة وكانت خير مْنقذ للأهالي وقت أزمة المشتقات النفطية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011م وحتى اليوم.
ومن أهم ما تعانيه مدينة حيس وأبناؤها بؤس المعيشة وتردي الخدمات وانعدام الكثير من المرافق الخدمية المْجهزة لاستيعاب المواطنين بالشكل المناسب وفي مقدمة ذلك المرافق الصحية التي تكاد على ندرتها وانعدام الإمكانيات فيها تْقدم العِدِم! فضلاٍ عن المدارس التي تفتقر لأدنى المعايير والمتطلبات الواجب توافرها في أي مدرسة تضطلع بتقديم خدمة التعليم والتنوير.
أما المياه فتلك هي الطامة الكْبرى التي ابتْليِتú بها مدينة حيس كما هو حال الكثير من مناطق تهامة التي أغفلتها الدولة وأسقطتها من حساباتها وأجنداتها وأسقطتú من خلال ذلك مصدراٍ هاماٍ من مصادر الغذاءº وأهمِلتú سهلاٍ كان بإمكانه توفير كل حاجيات اليمن من المواد الغذائية والتصدير بل وإغراق دول الجوار بالحبوب والفواكه والخضروات من هذا السهل الذي طالما سمعنا عنه مقولة: ((لو زْرعِتú تهامة لكفِت اليمن إلى يوم القيامة)).
ونتيجة لأزمة المياه في حيس يجد الزائر الكثير من الدواب التي تحمل أدوات نقل وتعبئة المياه والأطفال الذين تْمتِهن طفولتهم بنقل المياه لمسافات طويلة.
ومن المشكلات والدواهي التي ابتْليِتú بها مدينة حيس الانتشار الكثيف للقمامة التي لا تغيب عن الزائر طرفة عين ولا تكاد تختفي إلا لتظهر بشكلُ أكبر وبنقاشنا للأهالي ذكروا أمراٍ عجبا وقالوا أن القمامة وانعدام النظافة أصبحت لديهم شيئاٍ حتمياٍ بعد أنú تم تفريغ عمال وموظفي البلدية وتعطيل الناقلة (البابور) الخاصة بنقل القمامة والتي ذهبت للإصلاح ولم تعد!
وشكوا أيضاٍ من اصطلائهم بلهيب صيف تهامة شديد الحرارة الذي يحترقون به على مرأى ومسمِع من السلطة المحلية بالمديرية والمحافظة ولم يجدوا له حلاٍ حتى الآن رغم الوعود المتتالية التي يصرفونها لهم عند كل لقاء بهم.
ويتألم سكان حيس من انتقاص مواطنتهم مقارنة بالكثير من مديريات المحافظات الأخرى ويرون أن المواطنة المتساوية لم تتحقق لديهم حتى الآن رغم التباشير التي بثتها لهم ثورة الشباب ووئدِتú على بوابة المْطِهرين من فاسدي النظام السابق الذين أجهزوا على أحلام الشباب عند بوابة جامعة صنعاء.
ورغم الذي قيلِ عن خدمات تم تقديمها لحيس يظل الواقع خير شاهدُ على مقدار الاهتمام الذي لم يكفل للغالبية العظمى من سكان مدينة حيس أدنى مقومات العيش الكريم.. وكيف يحصل ذلك والمستشفى الريفي بحيس يفتقر لأدنى المقومات التشغيلية والكادر الطبي يشكو نقصاٍ شديداٍ في العدد والإمكانيات.. فضلاٍ عن الكهرباء العمومية التي بدأتú من مدينة المخا المجاورة لحيس ولم يكن نصيب حيس منها إلا كنصيب أقصى قرية في المناطق الجبلية.
أما ترميم المساجد والبنايات التاريخية التي بدأت بالتآكل فحدثú ولا حرج فهناك الكثير منها أضحى آيلاٍ للسقوط ومع ذلك لم تلتفت الجهات المعنية نحوها أدنى إلتفاتة ولم يعد المواطنون يأملون بذلك في ظل التهميش المتعمِد لأهم المرافق الخدمية كالمدارس والمستشفيات والكهرباء فما بالنا بترميم الآثار¿¿! وهذا ما دفع أحد فاعلي الخير لترميم الجامع الكبير في حيس على نفقته الخاصة وقد وصلنا لرؤيته وتصويره أثاء زيارتنا لمدينة حيس وكانت أعمال الترميم في طور المراحل الأولى.. فجزى الله فاعل الخير ذاك خير الجزاء الذي التفت لذلك المِعúلِم في وقتُ نسيِتú فيه الحكومة الكثير من الآثار ولم تتحرك حتى الآن لإنقاذ مدينتي صنعاء وزبيد اللتين تقعان تحت تهديد منظمة اليونسكو العالمية بالشطب من قائمة التراث العالميرغم صيحات التحذير ودعوات النذير فما بالنا بحيس!!
ودعتْ مدينة حيس والأسى يعتصر قلبي إذú وجدتْها بائسة عكس الصورة المشرقة التي ارتبطت بذهني من خلال قراءاتي لعهدها إبان ازدهارها ويوم أنú كانتú قبلة الكثيرين.. ودعتها على أمل العودة لها وقد صارتú في حالُ أحسن بكثير مما هي عليه اليوم.