الرهبان البوذيون وأهل الأدب والعلم وجدوا حول «كؤوس الشاي» أرضا للتفاهم وبذا كان ذلك المنقوع النباتي المنعش مصدرا باهرا لـ «الإلهام والطاقة»
من المعروف أن الصين هي بلاد الشاي بامتياز وبلاد تقاليدها العريقة منذ القديم حتى اليوم. هذا المنقوع الشعبي يتناوله الشعب الصيني في مختلف الأوقات بما في ذلك أثناء وجبات الطعام بدلا من الماء. ويعتبره الصينيون مفيدا جدا للصحة كما أشارت كتب الطب الصينية القديمة جدا أو أنهم يتناولونه على اعتبار أنه مصدر متعة كبيرة بالنسبة لهم.
و«تاريخ الشاي في الصين» من حيث بعدها الثقافي وكذلك بعدها العقائدي هو بالتحديد موضوع كتاب «جيمس آ. بن» المتخصص بالصين ومعتقداتها وثقافتها منذ العصور الوسطى الصينية حتى الوقت الراهن.
ويدرس المؤلف في هذا الكتاب الدلالات العميقة التي اكتسبها الشاي في الثقافة الصينية التقليدية وصولا إلى أنه أخذ بالتدريج وعبر الدور الذي لعبه «الرهبان البوذيون» لدى العديد من الطبقات الشعبية الصينية بعدا عقائديا.
ويعود «جيمس بن» في تقصيه عن مسار انتشار استهلاك منقوع الشاي في الصين إلى حقبة قديمة انطلاقا من القرن التاسع عمليا ليتعرض بعد ذلك لبحث مختلف التحولات التي رافقت استهلاك الشاي على المستويات «الجمالية والطقوسية والصحية والعلمية وعلى مختلف مجالات المعرفة عموما».
يحدد المؤلف القول إن التبدل الكبير في استهلاك الشاي لدى الصينيين حصل عند نهاية العصر الوسيط الصيني الذي استمر حتى بدايات القرن التاسع عشر. والإشارة أنه لا يمكن فهم التبدل الذي طرأ على استهلاك الصينيين للشاي بدون أخذ مواقف «الرهبان البوذيين» بالحسبان. ذلك أنهم لم يكونوا مسؤولين عن تبديل مواقف البشر العاديين حيال المواد التي تحتوي على مواد مخدرة فحسب بل كانوا أيضا مسؤولين عن «الانتشار الكبير لاستهلاك الشاي». بهذا المعنى اكتسب الشاي في الصين بعدا عقائديا منذ زمن بعيد.
يؤكد المؤلف أن «طقوس تناول الشاي» انتشرت هي الأخرى في «الأديرة البوذية» التي يطلقون عليها في شمال الصين تسمية «شان». والإشارة أن ذلك الانتشار كان كتغيير كبير في «المشهد الطقوسي» السائد سابقا وبت «ممارساته». ذلك بالنسبة للشرائح الشعبية وأيضا على مستوى النخب التي كانت تؤم دور العبادة.
ويشرح المؤلف أن انتشار تناول الشاي في الأديرة البوذية كان أحد الدوافع الأساسية التي كانت وراء بروز ظاهرة جديدة في الصين تمثلت في أن أعدادا كبيرة من الصينيين أصبحوا يرتادون بعض الأديرة المحددة بسبب شهرتها في أنها تنتج أصنافا من الشاي نالت هالة كبيرة. هكذا شاعت كثيرا بالنتيجة «زراعة نباتات الشاي» حيث إن بعض الأديرة غدت تمتلك مزارع ذات مساحات كبيرة منها في عموم المناطق الصينية.
في مثل هذا الإطار وبمحصلة التحليلات المقدمة يرى مؤلف الكتاب أن «الرهبان البوذيين» و«أهل الأدب بمختلف مشاربهم» ويضيف لهم «أهل العلم» وجدوا حول «كؤوس الشاي» أرضا للتفاهم بحيث كان ذلك المنقوع النباتي ذو الأضرار الجانبية الثانوية جدا والمنعش الشعبي الأكثر انتشارا والسهل الحصول عليه مصدرا باهرا لـ «الإلهام والطاقة» مما يساعد على «سبك الشعر» و «ممارسة التأمل» الروحاني.