تدرك الأسر اليمنية في العاصمة صنعاء أن إمدادات المياه الخاصة بالشرب والاستعمال المنزلي باتت اليوم تحدياٍ جديداٍ يضاف لتحدياتها الاقتصادية المتفاقمة لكنه تحد من نوع خاص إذ لا يكتفي باقتطاع اكثر من 20% من موازنتها الشهرية على أقل تقدير بل يتطلب جهداٍ عائلياٍ يشترك فيه الصغير والكبير ووقت بالساعات حين تجلب تلك المياه من الخزانات الأرضية للمنازل بالدبات فئة 20 و10 لترات عقب شرائها بأسعار مرتفعة من أصحاب الوايتات وهناك أسر تنفق معظم وقتها في البحث عن مياه مجانية من خزانات السبيل المنتشرة في الشوارع أو منافذ مؤسسة المياه المجانية أيضا وهؤلاء لهم معاناة من نوع خاص لها مجال آخر للحكاية عنه.
أصل الحكاية
منذ انقطاع الكهرباء عن أمانة العاصمة والمحافظات الأخرى جراء العدوان والقصف والاقتتال الداخلي في مارب كانت أولى آثار ذلك توقف إمدادات المياه من فروع مؤسسة المياه نظراٍ لأن المحركات تعمل بالكهرباء ونقص الوقود اللازم لتشغيلها وهكذا وجدت اكثر من 600 الف أسرة بالعاصمة نفسها تحتاج لتجاوز إمدادات المياه عبر شرائها وايتات الماء بأسعار مرتفعة يوما بعد أخر.
معاناة
في أحياء كثيرة من العاصمة صنعاء لم يعد مياه المؤسسة العامة تصلها منذ شهور وبالتالي يشترون وايتات بأسعار عند 4000 و5000 وحتى 6000 ريال الأن في هذا الشهر فيما كانت قبل رمضان ضعف تلك المبالغ يقول محمد النقيب رب أسرة لخمسة أولاد انه يشتري أسبوعيا وايت ماء حالياٍ ب3000 ريال أي إنه يدفع شهريا نحو 12000 ريال وأكثر قليلاٍ .
أما عبد الله الصنعاني فهو يشتري وايت من فئة 5000 ريال أسبوعيا لأن أسرته أكبر وهكذا تصل نفقات شراء المياه إلى 20 الف ريال وهذه خاصة بالاستعمال المنزلي فيما ينفق 5000 ريال في شراء المياه المصفاة والمسمى كوثر للشرب .
الميزانية الشهرية
كل الأسر بالعاصمة صنعاء تشتري المياه بأسعار السوق هكذا يقول الخبير الاقتصادي مجاهد سلام من مركز دراسات السوق ويقدر أن الأسر تنفق شهريا على شراء نوعين من المياه بحوالي 20-25% من موازنتها أي انها تنفق على شراء المياه العادية للاستعمال المنزلي وشراء المياه المعدنية او الكوثر للشرب .
القدح
لم تعد المياه تجري في صنابير أو حنفيات المنازل في العاصمة صنعاء الا ما ندر فمعظم المنازل تعتمد الآن على جلب المياه من الخزانات الأرضية أو الخزانات خارج المنزل وهو ما يسمى قدح المياه في عرف أهل صنعاء وبالتالي يقوم رب الأسرة والأطفال او النساء صباح كل يوم لرياضة دلو وقدح المياه من الخزانات وتوصيلها للمنزل أو الشقة وهذا بحد ذاته تعب وجهد مضاعف على الأسر.
معاناة
كمثال عملي أقوم أنا والأولاد بجلب حوالي 120 لتراٍ من الماء من الخزان صباحا كل يوم للشقة في الدور الثاني للعمارة التي اسكنها ويقوم جاري بنفس العملية مع زيادة 60 لتر وهكذا كل الشقق في العمارة تعمل نفس الإجراء والسبب أن الكهرباء منقطعة وبالتالي لا تعمل دينمو سحب المياه للسطح الا على حين غرة ولمة ساعة لا تكفي لملء دبة 20 لتراٍ.
الدباب
انتشرت ظاهرة جلب المياه بالدبات أي الأواني البلاستيكية فئة 20 لتراٍ و10 لترات بكثرة الآن وأصبحت تلك الأواني رفيقاٍ دائم للأسر وترى الشاب يحمل دبة 20 لتراٍ فيما الأطفال عند العاشرة 10 لترات ومنهم أقل 5لتراٍ للمساعدة في توفير احتياجات المنزل من الماء ويعتبرها البعض مدعاة لتكاتف الأسر وتعاونها فيما يقول آخرون إنها تعب وابتلاء نتيجة العدوان والحصار الاقتصادي على بلادنا.
المستلزمات
لجلب المياه في الوقت الراهن هناك مستلزمات ظهرت للسطح على الأسر توفيرها ومنها الدبات البلاستيكية والقمع لتعبئتها من المدلى أو المقدح الذي تملؤه بالماء من الخزانات وهكذا وجدت الأسر نفسها أنها أمام توفير 10 آلاف ريال على الأقل لشراء تلك المستلزمات .
الفقراء
من لا يستطيعون شراء المياه عبر الوايتات هؤلاء لهم معاناة من نوع آخر فهم يبحثون عن مياه مجانية ليل مساء ويتستغرق جلب المياه للشرب وللاستعمال المنزلي جل وقتهم ووقت أبنائهم في حارة الدقيق بمذبح يقوم الفقراء بالتجول منذ الفجر للوصول لمحلات الآبار الارتوازية وهناك ينتظرون دورهم لتعبئة الأوعية التي تمتلكونها من الدبات والجرادل وهنا تجدر الإشارة أن الحظ قد لا يحالف البعض سواءٍ في وقت الظهر وآخر في العصر وأحياناٍ في المغرب وهكذا يستغرقون وقتهم في جلب المياه إن وجدوها وفي حالات كثيرة يعودون بخفي حنين .
مياه السبيل
انتشرت في الآونة الأخيرة خصوصاٍ في رمضان مياه سبيلُ توفر عبر خزانات في الحارات بالعاصمة صنعاء ويتم توفير الامدادات الهيا عبر نفقات فاعلي الخير وهذه كان لها دور في توفير المياه للأسر في رمضان سواء الغنية أو الفقيرة لكنها بدأت في هذه الأيام في الانحسار على ما لحظت في منطقة الحصبة مما جعل الأسر تشعر بالمعاناة في الوصول لمياه تسد رمق عطشها وأكرر عطشها فهذه الاسر لم يعد المياه ترفا لها بل ضرورة تسد الرمق.
وهناك جهد تقوم به مؤسسة المياه مثل توفيره في سورها بالحصبة حنفيات توفر للناس المياه مجانا لكنها قليلة وضعيفة التدفق حيث يحتاج الفرد لعدة ساعات لتعبئة 100 لتر فيما الطلب عليها يزداد كثافة يوميا بعد اخر ويصل الطابور عليها بالمئات وتستغرق ساعات حتى تصل اليها.
ظلم
عدم حصول الناس على مياه لسد عطشهم ولنظافتهم فيه ظلم كبير جدا لهم وهذه شاهدة لله وللتاريخ نقولها صراحة إن الناس يعانون من العطش فهناك منازل لا يوجد بداخلها سوى دبة كوثر 10 لترات تشترى بـ100 ريال وأحيانا تقوم أسر بشراء مياه من المحطات بـ100 ريال فئة 20 لتراٍ وهذا ظلم لانه يؤدي لاستنزاف ميزانية الأسر في توفير المياه فما بالك بالمستلزمات الأخرى كالغذاء والدواء .
اليمن والمياه
ليست أزمة المياه جديدة على اليمنيين لكن العدوان والحرب والصراع السياسي فاقمها خلال الشهور الخمسة الماضية وهكذا تعود جذور الأزمة لسنوات ماضية إذ تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة السكان الذين يحصلون على مياه الشرب النقية في اليمن بسهولة ويسر يصلون لحوالي 26% فقط. ويتوقع المتخصصون أن تكون اليمن هي الدولة العربية الأولى التي تستنفذ مياهها الجوفية وأن كان البعض لا يعرف بدقة متى سيجف حوض المياه اليمني أو يصل إلى مستوى يصعب معه على الإنسان استخراجه بينما البعض الآخر يتوقع نفاذ مياه الشرب على مستوى البلاد إذا استمرت معدلات الاستهلاك الحالية في فترة تتراوح بين 50-100 سنة. ويتوقع أن يكون حوض صنعاء أول حوض تنفذ منه المياه الجوفية وذلك خلال فترة قد لا تتجاوز الـ20 عاما. لكن هناك من يذهب إلى أن غياب التكنولوجيا اللازمة لتقدير حجم الاحتياطي المائي بدقة مثل الرادارات والأقمار الصناعية وغيرها يجعل تحديد فترة النفاذ صعبة وان كان لا يقلل من حجم المشكلة.
طبيعة المشكلة
يقدر حجم المياه التي يتم الحصول عليها سنويا من المصادر المتجددة للمياه بحوالي 2.5 مليار متر مكعب. وقدر نصيب الشخص الواحد في اليمن من المياه المتجددة في عام 2001 بحوالي 125 مترا مكعبا في السنة في حين أن معدل نصيب الفرد من المياه المتجددة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يبلغ 1225 مترا مكعبا. ويبلغ المعدل على المستوى الدولي 7500 متر مكعب. وهذا يعني أن نصيب اليمني من المياه المتجددة 10% فقط من نصيب الفرد الذي يعيش في الشرق الأوسط أو شمال أفريقيا أو حوالي 2% من المعدل العالمي. وتضع هذه المؤشرات اليمن بين الدول العشر الأفقر بالماء في العالم. ولأن سكان اليمن قد زادوا منذ عام 2001م فإن حصة الفرد اليمني من المياه المتجددة لا بد أنها قد انخفضت عما كانت عليه.
ولا تغطي مصادر المياه المتجددة حاجة اليمنيين السنوية من الماء والتي زادت من 2.9 مليار متر مكعب في عام 1990م. إلى 3.4 مليار متر مكعب في الوقت الحالي. وقد أدت الزيادة في الاستهلاك للماء إلى زيادة الفجوة بين المياه المتاحة سنويا من المصادر المتجددة والمياه التي يتم استهلاكها من 400 مليون متر مكعب في عام 1990م. إلى 900 مليون متر مكعب في عام 2000. وهذا يعني أن اليمنيين يستنفذون وبمعدلات متزايدة المخزون الجوفي من المياه والذي تكون خلال المئات وربما خلال آلاف السنين. وإذا ما أراد اليمنيون إعادة التوازن بين التغذية المستمرة للمخزون الجوفي وبين ما يتم استهلاكه من ذلك المخزون فإنه سيكون عليهم كما قال وزير المياه والبيئة التوقف عن استخدام المياه الجوفية لفترة طويلة وهو ما يعد من قبيل المستحيل.
المعالجات الحكومية
حسب خبراء يمكن إرجاع أزمة المياه في اليمن بشكل أساسي إلى السياسات الحكومية التي تم أو لم يتم اتباعها. فقد تبنت الحكومة سياسة للتوسع الزراعي في منطق تعتمد على قدر محدود من مخزون المياه الجوفية. كما أن الحكومة ركزت ولسنوات عديدة على تقديم المياه الصالحة للشرب بأقل تكلفة دون الاهتمام بعدالة التوزيع والاستدامة. ولجأت الحكومة وما زالت تلجأ إلى بناء السدود في الكثير من المناطق بالرغم من أن سياسة بناء السدود بحسب رأي وزير المياه والبيئة ليست مجدية في بلد حار وجاف مثل اليمن وحيث ينتهي الحال بالمياه إلى التبخر. وحيث أن حوض صنعاء هو المهدد الأول بالجفاف فإن هناك من يرى أن أفضل طريقة للتعامل مع أزمة المياه في حوض صنعاء هي تخفيض استهلاك المياه والحد من التوسع الزراعي. ويتم استبعاد خيار تحلية مياه البحر ونقلها إلى صنعاء كحل للمشكلة لأن تكلفة مثل ذلك المشروع عالية جداٍ ولا يمكن لليمن في ظل أوضاعها الاقتصادية القائمة تحملها. وهناك من يقترح العمل على تخفيض سكان العاصمة صنعاء من مستواه الحالي الذي قدره ب2 مليون نسمة (في حين أنه ربما قد وصل إلى 4 ملايين) إلى حوالي 800 ألف نسمة. وتشكل اللامركزية عند البعض الآلية المناسبة لتفكيك التركز السكاني في العاصمة صنعاء. لكن اللامركزية قد تحل مشكلة حوض صنعاء وليس مشكلة البلاد. وقد تعيد توزيع السكان بين العاصمة والمحافظات لكنها لن تعيد توزيع السكان بين الجبال والسواحل. كما أن اللامركزية قد تخلق مشاكل أكبر بالنظر إلى تكلفتها العالية قياسا بالعائد الذي يمكن أن تحققه.