> الخراب والدمار يطال المعالم الأثرية والتاريخية والأضرحة بطريقة ممنهجة
> جرائم قتل وسحل في الشوارع تستهدف السلم الاجتماعي
عدن حاضرة مدن اليمن التي كانت تستقبل وترحب بالجميع بصدر رحب ..
عدن الكنف الرؤوم والمدينة الاستثنائية في أطلس الجغرافية اليمنية التي شد الجميع الرحال إليها في حقب تاريخية مضت.. أصبحت اليوم تفر من نفسها.
عدن اليوم ألف علامة استفهام¿
* لماذا تغيرت¿ ما الذي غيرها¿ ما الذي ألبسها هوية غير هويتها¿
– عدن حضن اليمن الدافئ أصبحت أشبه ما تكون بالكابوس لكل طارق لبابها!!
إذن دعوني أقودكم إلى عدن ..
لن أمثل دليل سفر عليكم إذ لا مرافقين أنا مسؤول عنهم وأنا أيضاٍ لست في نزهة سياحية بل أنا في زيارة تفقدية حتى أقف من خلالها على كل ما تعرضت له عدن خلال الأشهر القليلة الماضية وأنقلها كما شاهدتها إلى الرأي العام.
هذه هي وظيفتي فأنا صحفي في المقام الأول ووظيفتي أن أنقل الحقائق كما هي .
* ولكن أين هي عدن التي أعرفها فأنا لا أشاهد الآن سوى أطلال وبقايا آثار لمدينة¿
– لن أعبأ بصور الدمار التي أشاهدها الآن وإن كانت صوراٍ تشق طريقها إلى الذاكرة وتقيد طريقها لتستقر في المخيلة الدمار مرعب للغايةِ.
المعلا
الآن أنا في المعلا ولكن لم تعد المعلا التي أعرفها المعلم البارز الوحيد الآن هو الدمار الذي يحيط بك من كل اتجاه دمار شامل ولم يستثن الإنسان فيها.
شوارعها تكاد تكون خالية من سكانها الذين نزحوا بعيداٍ بفعل الحرب ومن بقي فيها فقد سلم قيادته للمجهول حيث فيها – المعلا – لا كهرباء بالمطلق ولا ماء إلا مرة كل أسبوعين ولا محلات “بقالة” يمكن أن يتزود فيها الإنسان هنا بمؤنته من الغذاء إلا فيما ندر مما لم يطله الدمار وكل بضاعة بثمنها والثمن يحدده التاجر هذه هي القاعدة عندما تغيب سلطة الدولة.
المنصورة
* أين أنا الآن لا أدري تجاوزت العديد من مدن عدن حتى وطأت قدمي مديرية المنصورة والغريب أن هذه المديرية دون سواها من المدن التي التقيتها في الطريق مضاءة الشوارع!! ما هي الحكاية¿
– سألت بعض المارة وأخبروني أنها تضيء بالتناوب كل ثلاث ساعات ولم أسأل عن السبب.
الشيخ عثمان
دلفت الآن على الشيخ عثمان وقد تجاوزت في طريقي العديد من المشاهد التي تخلق في النفس مرارة الشعور بالحزن نتيجة الدمار الذي شاهدته عيني في المنصورة قلت إن الوضع مختلفاٍ وبالفعل مختلف للغاية لأن الدمار الذي هنا أشد وأنكى وأعجز عن وصفه ومع هذا تظل الكهرباء موجودة وبالتناوب حالها من حال المنصورة وأما الماء فموجود حتى أني أستطيع أن أغتسل في اليوم ثلاث مرات.
كريتر
على بعد كيلو مترات من الشيخ عثمان أشاهد مدينة أخرى .. إنها عدن كريتر وهي غارقة في ظلام دامس يفترض بهذه المدينة أن تكون واحدة من المدن المضيئة كونها تشهد تجمعاٍ سكانياٍ كبيراٍ ونشاطاٍ تجارياٍ.
عرفت أن الوضع مختلف تماماٍ والاختلاف هنا عكس الاختلاف الذي شهدته في الشيخ عثمان والمنصورة.. فلا كهرباء ولا ماء وكأنني أدلف على بلد آخر خارج سياق مدينة عدن التي استهدفتها بزيارتي هذه.
القاسم المشترك بينها وبين المدن السابقة هو الدمار وإن كان الدمار هنا يتجاوز سابقه بكثير.
بالمناسبة اتضح أنها أيضاٍ ليست المدينة الوحيدة التي تعاني من غياب الكهرباء والماء فهناك التواهي أيضاٍ وخور مكسر والأخيرة كنت أتوقع أنني سأجدها مضيئة كونها رئيسية وتمثل رمزية من حيث وجود المطار فيها ولكني لم أجد غير الخراب والكثير من الدمار.
أما عن باقي المدن في عدن فتتفاوت درجات توفر وسائل البقاء فيها ومدن تنعم بالماء والكهرباء ومدن محرومة من هذه النعمة.
غياب وسائل الحياة
المواطن في عدن يشكو غياب وسائل الحياة الطبيعية مازال الناس هناك يخشون التنقل بين منطقة وأخرى المدارس جرى تحويلها إلى مقرات سكن مؤقت للنازحين والمستشفيات يتوزع حالها بين مدمر ومنهوب وآخر يعاني من تدافع المواطنين المرضى عليه بشكل يفوق الوصف والخدمات في هذه المستشفيات تكون بحكم المعدوم نظراٍ للظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة ككل.
معاناة أخرى
مما يزيد الطين بلة هي الطريقة التي اعتمدت في توزيع الإغاثة على المواطنين وكان من نتائجها حرمان السواد الأعظم من المحتاجين في الحصول على هذه الإغاثة وهناك من عانقه الحظ فحصل على الأرز والدقيق وهناك من حالفه الحظ في الحصول على زيت الطبخ وهناك من خلص إلى الحصول على التمر وهناك من حرم بالمرة من الحصول على أي شيء.
أما عن غيرها من المواد التي يحتاجها المواطن في عدن من بترول وغاز فأسعار هذه السلع الأساسية لم تتغير فضلاٍ عن صعوبة الحصول عليها مما يضطر المواطن هناك للجوء إلى السوق السوداء للحصول على هذه المادة الحيوية وقد تصل سعر أسطوانة الغاز هناك إلى 6500 ريال.
بؤس وشقاء
تزداد الحياة صعوبة في عدن كلما أتذكر أن هذا المواطن مضطر لاستلام رواتبه من صنعاء فقد تتعقد الحياة بشكل يصعب احتماله وهو ما تستطيع أن تلمسه في التغيرات التي طرأت على السلوك العام للإنسان ومعه حق في ذلك وأعتقد أن هناك من سيوافقني خصوصاٍ إذا كان يشاهد ما أشاهده الآن.
عدن المدينة التي كانت تهوى الفن والطرب ولها في ذلك طابع غنائي مميز تطرب له النفوس أصبحت مدينة لا تعرف غير البؤس والشقاء وأصبحت مدينة يسكنها الأشباح بعد أن نزح عنها غالبية أهلها بفعل الحياة والأخيرة مشكلة قائمة بذاتها لأن الحال الذي أفضى إلى تشرد الكثيرين وتقطع أسباب التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وكثيرهم لا يعلم شيئاٍ عن مصير ذويه.
تهديد مستمر
مأساة تقودنا بدورها إلى مأساة أخرى تتعلق بأوضاع المحلات التجارية من أبناء الشمال في عدن الذين يتعرضون للتهديد المستمر بضرورة الإخلاء ومغادرة عدن باتجاه الشمال من قبل بعض شذاذ الآفاق الذين استغلوا التراخي الحاصل بالحالة الأمنية في المحافظة فأخذوا ينصبون أنفسهم أوصياء على المدينة ويحددون ضوابط وشروط العيش فيها مع المفترض أن الحديث هنا عن أبناء وطن واحد ويمن واحد.
تتعدد فصول المأساة لتقودنا إلى فصل جديد وهذه المرة المأساة تطال القبور والأضرحة التي تم تدميرها والعبث بها نتيجة غياب سلطة الدولة هناك بالإضافة إلى العديد من الشواهد السياحية والثقافية التي كانت تتميز بها عدن عن غيرها من المدن حيث جرى العبث بها وبمحتوياتها تماماٍ كما حدث في المتحف الحربي مكتبة الفقيد باذيب الوطنية مسجد الخوجة كنيسة “سانت جوزيف” وغيرها من الكنائس ورصيف السياح وغيرها ..
خراب لم يكن استثناء في معادلة الخراب الشامل والكامل التي تعرضت له عدن خصوصاٍ في جانبها السياحي الذي شهد تدميراٍ أشبه ما يكون بالتدمير الممنهج ببنيتها بالكامل من فنادق ومتنزهات وسواحل ومعالم أثرية.
التدمير الذي طال عدن غير ملامحها إلى الحد الذي يصعب عليك التكهن فيه بمدى إمكانية إعادتها إلى سابق عهدها.