رغم الأزمات التي حلت باليمن جراء العدوان السعودي الغاشم إلا أن السيناريو الأخطر يتمثل في سعي الأعداء لخلق البيئة العنصرية والطائفية والمناطقية بين أبنائه لتأجيج الحروب الأهلية طويلة المدى على كافة أراضيه تمهيدا لتجزئته وتقسيمه وتغيير ملامحه الأساسية من الخارطة السياسية , ولكن شرورهم الشيطانية ستبوء بالفشل بثقافة الوعي السياسي والاجتماعي .. وهنا نتساءل عن مدى ثقافة الوعي السياسي لدى المواطن ودوره في حماية نفسه من الانجرار خلف تلك الدعوات¿
في البداية تحدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء الدكتور موسى علاية بأن ثقافة الوعي السياسي تعرف في إطار الإدراك الكامل أو النسبي لدى الفرد بحسب الظروف المجتمعة المختلفة (السياسية والاجتماعية والاقتصادية).. وأن الأهم من هذا معرفة خارطة وأهداف القوى الفاعلة وغيرها من القوى المتصارعة في المستوى الداخلي والمحيط الإقليمي..
مؤكدا أنه يجب على كل فرد فاعل في المجتمع أن يتحمل المسؤولية الكاملة في تحديد مكانه من النزاعات العنصرية والتجزئة المقيتة التي يسعى العدو السعودي لتأجيجها.. وأن يتجه صوب الجانب الايجابي في محاولة تغيير السلوكيات السلبية وتعزيز السلوكيات الإيجابية الأمر الذي يتطلب رؤية سياسية واعية وشاملة بالظروف والأزمات التي تحيط بالمجتمع.
وأردف قائلا: إن الثقافة السياسية السلبية التي تنتج عن طريق تأثير وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لها آثار سلبية على بناء المجتمع اجتماعياٍ وسياسياٍ.. لذا علينا أن ندرك تماماٍ بأن سلبية الوعي السياسي لدى الفرد في المجتمع ستخلق مجتمعاٍ منهاراٍ تماما ويفقد توازنه محدثا خللاٍ كاملاٍ في منظومة القيم, وبالتالي سيفقد مستقبله ولا يْمكنه فيما بعد من تحليل مكامن الضعف والقوة في المجتمع.
محذرا من أن إسقاط الحلول وفرض أسلوب العنصرية بالقوة سيهدم مستقبل البلد وسيؤدي إلى استحالة خروج اليمن من دوامة الصراع.. وبأن المشاركة المحلية والمجتمعية أو الملكية الوطنية مفهوم ضد التجزئة وهو في أغلب الأحيان شأن يطال جوهر الخيارات المستقبلية و يتضمن – في التطبيق العملي – وعياٍ سياسياٍ مجتمعياٍ فاعلاٍ يعيق كيد وخبث الأعداء..
فيما ذهبت الأستاذة الدكتورة سعاد السبع –جامعة صنعاء- إلى الجزم بأن الوعي السياسي ليس غائبا كليا عن الشعب فالأطفال في الشارع صار حديثهم حول السياسة, لكن الوعي السياسي الذي تشبع به الناس وعي مزيف, لأنه قام على التقليد والتعصب والانحياز للفئات والأحزاب.. فالشعب يتلقى الأخبار السياسية ويتأثر بها وينجر هنا وهناك لكن الكثير من العامة لا يفكرون فيما وراء الأخبار السياسية وإنما يؤمنون بالظاهر, ولا يفكرون فيما وراء الحدث, ونتيجة لذلك صار من السهل تجييرهم للطائفية والمذهبية والحزبية, ويساعد على ذلك انتشار الفقر المدقع في المجتمع اليمني وتدهور الأحوال بسبب العدوان الخارجي والحروب الداخلية ناهيك عن الجهل والأمية المنتشرة وضعف القيم في ظل الانفلات الأمني..
ولفتت إلى أن الوعي السياسي الحقيقي لا يمكن أن ينمو إلا في ظل منظومة متكاملة لبناء الإنسان أولا وتوفير احتياجاته الأساسية ليفكر بموضوعية أما أن نطالبه بوعي سياسي وهو يضحي بحياته من أجل توفير لقمة العيش لغيره من أسرته فهذا صعب جدا.. لكن بتوقف العدوان وقيام الدولة وتوفير الخدمات وتحقق الأمن والعدل ستنتهي وتختفي كل هذه المصطلحات التي نخاف منها..
وفي توصيف عام فند الدكتور خالد المطري –جامعة صنعاء- مدلول تلك المصطلحات.. بأن العنصرية في الأصل مقترنة باختلاف الأعراق أو الألوان والذي يظهر تحديدا على مستوى العالم, كتعرض السود للتفرقة العنصرية, كما هو حال المهمشين في بلادنا, بينما الطائفية تقترن في الأصل بالانتماء إلى مذهب ديني مختلف عن غيره في بعض الجزئيات, فيما المناطقية مقترنة كما هو واضح من مدلول مسماها بالانتماء إلى منطقة جغرافية بعينها..
موضحا أن بروز العنصرية والمناطقية والطائفية يشير إلى خلل في التربية الوطنية المقترنة بالتعليم الأساسي وغياب المثال الوطني المعبر عن هذا الجانب كقدوة ملموسة, ويتصل بهذا الأمر أيضا غياب الوازع الديني الذي ينهى عن هذه الجوانب, ويلي ذلك دور وسائل الإعلام السلبي حيث يظهر ذلك جليا هذه الأيام في تصوير ما يحدث مثلا في الوطن من قبل العدو السعودي ومرتزقته في الداخل على أنه صراع شافعي سني -زيدي إمامي, وكذلك تصوير ما يجري في المناطق الجنوبية على أنه غزو شمالي شيعي , مع نفي الجانب الوطني في مقابل قبول ما هو خارجي غير وطني على أنه أخوة دينية قومية وأن ما يحدث تحرير من قبل دول العدوان وليس احتلالاٍ مبطناٍ غايته مصالح مستقبلية خفية.. وبالتالي فإن دور المواطن الإيجابي في الحماية من شرور هذه الآفات المهلكة يعد قاصرا إن لم يكن محصنا في الأصل بالنوازع الدينية والوطنية ويمتلك قدرا من الوعي السياسي, الذي وإن كانت له أهميته في فهم مجريات الأمور..