لم يخطر ببالهم يوماٍ بأنهم سيظلون وسط مخيمات متواضعة, مكتوفي الأيادي, عاجزين عن القيام بأي عمل يقتاتون منه العيش بكرامة, ينتظرون ما يأتيهم من داخل الوطن وخارجه, من المساعدات الغذائية كي يبقوا على قيد الحياة.. لا سيما وهم أهل الكرام وأصل العروبة, فلا يغادر دارهم ضيفا جائعاٍ, أو محتاجاٍ خالي اليدين, أو مستغيثاٍ دون أن يغيثوه ويلبوا نداه.
العديد من المواطنين نزحوا من المدن التي طالها القصف ولحقت بها أضرار عديدة وجسيمة باتجاه القرى والأرياف تاركين خلفهم المنازل والممتلكات عرضة للسطو والسرقة, وبحسب إعلان الأمم المتحدة مطلع يونيو الماضي فقد ارتفع عدد النازحين باليمن إلى أكثر من مليون نازح ونازحة جراء العدوان الذي يتعرض له والحروب الداخلية التي يشهدها .
مئات من الأفراد كانوا في منازلهم وبين ممتلكاتهم ومزارعهم.. وفي ظل أيام وساعات فقدوا وخسروا كل شيء.. أصبحوا بلا ديار تؤويهم.. وممتلكات يقتاتون منها قوتهم.. في مقابل ذلك صمت دولي وتخاذل محلي وإهمال مجتمعي وتجاهل حكومي. مع هؤلاء الضحايا الذين يمرون بأصعب أيام حياتهم.
“معا لنحيا” مبادرة إغاثة منبثقة من منتدى أكاديميات جامعة صنعاء لإغاثة النازحين من الحرب.. وهي مبادرة تعد نموذجاٍ لغيرها ويجب الاحتذاء بها في العمل الإنساني..
رئيس فريق مبادرة “معا لنحيا” الدكتورة أنجيلاء أبو أصبع تؤكد عدم وجود دور واضح للمنظمات الإنسانية في اليمن.. في وقت تشير فيه إلى أن دور الجهات الحكومية يعد حد الآن محدوداٍ في إغاثة النازحين في اليمن.
تصف الدكتورة انجيلا دور المنظمات الإنسانية في إغاثة المتضررين بـ “الطفيف” الذي لا يكاد يذكر..مستدلة بدور الإغاثة لمنظمة الأمم المتحدة واليونيسف والاوتشا في اليمن خلال 120 يوما الفائتة والتي أكدت بأنه ” قليل جدا” أمام الوضع المبكي الذي يعيشه النازحون في المدارس ومناطق النزوح.. محذرة – أبو أصبع – من اقتراب وقوع كارثة إنسانيه عقب ارتفاع عدد النازحين من مناطق الصراع متدفقين إلى المحافظات الأكثر أمنا وملاذاٍ.
يقول إسماعيل علي – مدير مركز 22 مايو للنازحين بالعاصمة صنعاء بأن عدد النازحين القادمين من صعدة والذين فقدوا منازلهم بلغوا 4000 أسرة تم توزيعهم في بعض مدارس العاصمة في مدرسة البتول و22 مايو ومدرسة آمنة ومدرسة كتيبة وبعض المدارس بالعاصمة.
وأضاف مدير مركز 22 مايو للنازحين: المعاناة أصبحت إلى حد اللحظة مريرة .. ولم تتبن أي منظمة قضية النازحين بشكل إنساني .. وما يحدث إنما هو تكافل اجتماعي وكل ما لدى النازحين من دعم وتبرع فهو من المجتمع وكذا عبر مبادرات شخصية والتي تنفذ بسرعة.. منوهاٍ أيضا بأن هناك دوراٍ إنسانياٍ من بعض التجار الذي يقومون بإيواء ودعم وتبرع النازحين بشكل فردي .
ودعا جميع المنظمات الدولية والمنظمات المحلية إلى تفعيل دورها وذلك بالاهتمام الإنساني وتوصيل الدعم الحقوقي والإنساني إلى نازحي اليمن .. والعمل بمعيار واحد وليس بعدة معايير.
منظمة الصحة العالمية قالت إن النازحين داخليا في اليمن معرضون لمخاطر صحية تهدد بقاءهم على قيد الحياة بسبب حركة التنقل الجماعية للسكان والنظام الصحي المتردي.
وأكدت على فرار أكثر من مليون شخص من العنف إلى الأماكن العامة في المحافظات المجاورة ويعيش كثير منهم في ظروف معيشية غير صحية ففي المدارس التي يستضيف بعضها مئات اليمنيين النازحين يتوفر حمام واحد فقط للنساء وآخر للرجال حسبما جاء في بيان منظمة الصحة العالمية.
وقال الدكتور أحمد شادول ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن إن الوضع الصحي في الملاجئ التي تستضيف النازحين داخليا مثير للقلق.
ويأتي ذلك وسط تحذيرات المنظمات الدولية من تفاقم الأزمة الإنسانية ونقص الغذاء بعدما أصبح حوالي 12.5 مليون يمني يعانون من نقص الأمن الغذائي وبزيادة مليوني شخص مما كان عليه قبل الأزمة.
هذا وقد دعت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية جميع الأطراف إلى وقف الاقتتال الداخلي والعدوان الخارجي والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية الضرورية والعاجلة وانتشال الوضع الإنساني الصعب.. إلا أن دعوات ومناشدات الأمم المتحدة لم تلق آذاناٍ صاغية وقلوباٍ يسكنها الشعور الإنساني.
العديد منهم, نزحوا نحو القرى والأرياف ومخيمات النازحين التي نصبوها خارج العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات المستهدفة من قبل طائرات التحالف ومنذ شنها أول غارة عدوانية على البنية التحتية للدولة اليمنية والأحياء السكنية منذ الـ 25 من مارس الماضي 2015م.
ورغم غياب المشتقات النفطية بسبب الحصار الجوي والبحري الذي فرضته دول التحالف على اليمن, إلا أن سكان المدينة يحصلون بعد جهود جبارة في البحث, على بعض لترات من البنزين من السوق السوداء وبأربعة أضعاف ثمنها الرسمي, وذلك للنقل والسفر إلى خارج المدن هروباٍ من قصف طائرات التحالف التي سقط ضحاياها حد اليوم أكثر من ألفي مدني ما بين جريح ومصاب.
الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين الشهر الماضي دعت المواطنين إلى سرعة التبرع بالمال لتغطية الاحتياجات والمتطلبات الأساسية للنازحين وذلك على حساب (93000) البنك الأهلي وحساب (8081) بنك التسليف الزراعي.
وتأتي دعوت الوحدة التنفيذية لإدارة النازحين, من وسط معاناة ومأساة حقيقية تواجهها الوحدة في استقبال وتوفير متطلبات السكن والغداء للنازحين, وذلك لارتفاع عدد النازحين من يوم إلى آخر مع استمرار القصف على الأحياء السكنية والبناء التحتية للوطن.
وتواجه منظمات المجتمع المدني الإنسانية صعوبة في الوقت الراهن من توفير وإيجاد مخيمات ومتطلبات النازحين وكذا أماكن آمنة للمخيمات قد لا تصل إليها أو تستهدفها طائرات التحالف.. بالإضافة إلى أن عدداٍ كبيراٍ من النازحين قطنوا في المدارس وبعض المراكز الحكومية وكذا المساجد التي لا يدخلها الناس إلا لأداء فرائض الصلاة.
ويمر حالياٍ النازحون سواءٍ من كانوا بالمخيمات أو من نزلوا بالقرى والأرياف, بحالة مادية وصحية ونفسية سيئة نتيجة لتركهم منازلهم وأعمالهم ومصادر أرزاقهم.. دون أن تقف أو تنظر الدول المتحالفة أو الأمم المتحدة بعين الرحمة والشفقة لما يمر به هؤلاء بسبب العدوان.
هؤلاء النازحون من سيعيد لهم كرامتهم وأمنهم واستقرارهم, ومن سيداوي جراح وآلام فراقهم لأحيائهم وفراشهم.. لا شيء سيلم شتاتهم وتفرقهم سوى عودتهم إلى منازلهم آمنين..
الأمم المتحدة طالبت الشهر الفائت عبر منسق الشؤون الإنسانية في اليمن “يوهانس فان دير كلاو” في مؤتمر صحفي عقده في “جنيف”, العدوان العسكري بهدنة إنسانية حتى لبضع ساعات يومياٍ وذلك لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة.. مؤكداٍ على أن الوضع الإنساني يتدهور في اليمن من ساعة إلى أخرى.
وتظل آلاف الأسر تعاني دون أن تجد من يلتفت إليها ويتعاون معها وما يزال العدوان قائماٍ والحروب الداخلية مستمرة.. مئات الأسر تنتظر المنظمات الدولية والمؤسسات الخيرية ورجال الأعمال والخير مساعدتهم ومساندتهم والتعاون معهم والوقوف معهم.