حققت الرواية العربية خلال العقود الأخيرة انجازات فنية مبهرة وحضوراٍ كبيراٍ ومكانة بارزة جعلتها في صدارة المشهد الإبداعي العربي وهو ما جعل الناقد الدكتور/ جابر عصفور يطلق على هذا العصر بـ ” عصر الرواية” وذلك من خلال كتابه النقدي الموسوم بهذا العنوان والذي صدر قبل عدة سنوات ومع ما شهدته الرواية العربية من تطورات وتجارب فنية مذهلة أقيمت العديد من المؤتمرات والملتقيات العربية والدولية عن الرواية العربية وقضاياها المختلفة..
ومن آخر هذه الملتقيات ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية والذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة الدورة السادسة والذي أقيم تحت عنوان “تحولات وجماليات الشكل الروائي” وذلك بمشاركة أكثر من200 من الروائيين والنقاد المصريين والعرب وقدمت خلال أيام فعالياته العديد من أوراق العمل والدراسات والمداخلات النقدية والشهادات الإبداعية المختلفة من قبل المشاركين في الملتقى وقد تم نشرها في كتاب صدر عن الملتقى وفيما يلى ننشر ملخصات لهذه الأوراق والمداخلات:
الإطار تقنية للشكل الروائي بين روايتين!
• حسين عيد:
لا شك أنِ (للإطار) وجوداٍ ملموساٍ في حياتنا اليومية منذ قديم الأزل حتى الزمن الراهن ويعرِف “الإطار” في قواميس اللغة بأنه “كل ما أحاط بالشيء من الخارج”. ألا يوحي ذلك التعريف بنوع من (التحديد)¿ وهو ما يدعونا إلى الظن أنه ربما لجأ البشر عند بداية استخدامه في الحياة اليومية إلى (تحديد) موقع شيء ما باستخدام الإطار كأن يقال “إطار البيت” أي “المنطقة من حوله” أو أن يكون الإطار “حلقة من الناس يحيطون بشيء ما”. ومن المحتمل أنه جرى استخدام الإطار في فترة ما بغرض ( حماية) شيء محل اهتمام من أي أخطار خارجية أي للحفاظ عليه بتحديده و(تمييزه) كإطار العجلة والدف والنافذة والباب ثم انتقل الاستخدام إلى الأعمال الفنية فجرى وضعها داخل أطر (تحافظ) عليها من ناحية وتؤدي في نفس الوقت وظيفة (فنية) هي (إبراز) نواحي ( جمال) تلك اللوحة ثم جرى التفنْن في الاهتمام بالإطار ذاته وبدلاٍ من الاستمرار في صناعته من الخشب جرت صناعة من المعادن النفسية وعلى رأسها الذهب والفضة أو تزيينه بفصوص غالية من الماس والمجوهرات النفيسة.
ولم يتوقف الإنسان في استخدام الإطار مع لوحات الفنون الجميلة فقط إذ سرعان ما امتد استخدامه في (بناء) الأعمال (الأدبية) وتحديداٍ القصة الرواية على وجه الخصوص إذ يعتبر الإطار إحدى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها بناء (الشكل) الفني (الحديث) للقصة أو الرواية. والغريب في الأمر أن كثيراٍ من الكتاب تعاملوا (مباشرة) مع موضوعهم دون أطر بينما أهتم آخرون بـ (تأطير) أعمالهم. ولعل الأغرب من ذلك أن بعض الكتاب قاموا بوضع أطر لـ (بعض) رواياتهم أو قصصهم وتركوا (بقية) أعمالهم دون تأطير!
وتطمح هذه الدراسة ( المقارنة) بين روايتي “الجبل” للمصري فتحي غانم ورواية “امرأة في الرمال” للياباني كوبوآبي إلى إضاءة استخدام تقنية (الإطار) في رسم (الشكل) الفني لكل منهما وكيف تأثر بتجربة كل منهما (الواقعية) مع تقصي كيف جرت عملية (إبداع) كلتا الروايتين وكشف ما ترتب عليها من آثار.
القمع والحرية والرواية
• حمدي الجزِار:
ماذا يقول الروائي عن القمع والحرية في العالم العربي الآن ماذا يقول عن علاقة فنه الروائي بالحرية في مجتمعه وماذا يقول عن الروائي والحرية¿ لعله يبدأ من تعيين الزمن الذي نعيشه ويحاول وصفه بدقة وصدق.
في مصرنا العزيزة أدى القمع والفساد والاستبداد إلى الثورة وكانت “الحرية” زهرة شعارات ثورة 25يناير ووردتها: عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية.
الثورة فتحت أحشاء المصريين وقلوبهم وعقولهم وحدثت أعتى مواجهة بين طلب ” الحرية” وطلب “العبودية” بين ثقافة وقانون “السمع والطاعة” وثقافة “حرية الفرد” و”الإبداع” انفتحت المواجهة الشرسة التي أعتقد أنها حسمت في 30يونيو وبصدور دستورنا الجديد الذي يكفل حرية العقيدة والتعبير والإبداع لكنها لم تحسم على المستوى القانوني والاجتماعي والثقافي ولم يحسمها واقعنا المعيش ولا سياسة النظام الراهن وهذه مواجهة مفتوحة على المستقبل الذي لم نعرفه يوماٍ ينتصر للقمع وللعبودية وللماضي وأوهامه.
والحرية في رأيي هي أكبر موضوعات الرواية لأنها أحد أهم الموضوعات الوجودية الأساسية في حياة كل إنسان الموضوعات التي تخص الإنسان وحده في كل مكان وزمان منذ وْجدِ على هذه الأرض فالحرية لازمة لبحث الإنسان المضني عن لغز الوجود الإنساني وعن العدل والحب والصداقة والسلام والسعادة.
ومصادرة الحريات السياسية والاجتماعية والرقابة على الأعمال الإبداعية في رأيي أفكار وسياسات حمقاء تماماٍ ومدمرة للإبداع وللمجتمع وللناس وللمستقبل.
إن الفن والحرية جواهر واحد فلا وجود للفن بلا حرية والكاتب هو بالأساس “الحرية ذاتها” هو الإنسان عندما يتحرر من عبودية الزمان والمكان والمجتمع والعادة والتقليد هو الغناء الحر والعفوية والتدفق في أقصى تنوْرها وجمالها لهذا تجده لا يعبأ سوى بالجمال فيما يبدعه وهذه غايته ووسيلته ورسالته بل وجوده ولا رقيب عليه سوى رقيبه الشخصي الذي أسمه “الفني” “الجمالي” “الأدبي” وهو أعظم ضمير إنساني لأنه منبع الجمال وكل الفنون والآداب ففيه كل القيم الإنسانية الرفيعة فيه الخير والحق والسلام لكنه لا يعبر عن نفسه إلا في صورة الفن صورة الجمال وهذا الضمير الحر هو الذي يحدد ما تكون عليه الكتابة وما يكون عليه الفن.
الراوي: أزمة المبدع والقارئ
• ريم بسيوني :
في هذه الورقة أتكلم عن موضوع الراوي في رواياتي. وأتكلم بالتحديد عن رواية “بائع الفستق” 2007 وروايتي الجديدة “أشياء رائعة”. “بائع الفستق” رواية حصلت على جائزة أحسن رواية مترجمة من العربية صادرة عن مركز الملك فهد في الولايات المتحدة الأمريكية 2009م. والرواية تبدأ بجملة تبدو عامة وهي ” كيف تقع المرأة في الحب¿” ولكن ما يلبث أن يكتشف القارئ أن الرواية ترويها وفاء البطلة من منظورها الخاص جداٍ وخبرتها الضئيلة بالعالم الخارجي وتجربتها الإقليمية الضيقة. ولكن بعد نهاية الصفحات الأولى تبدو وفاء وكأنها لا تروي من منظورها الخاص ولكن تروي أيضاٍ من خيالها الخصب فتتأرجح ما بين الراوي ذي الأفق الضيق والسذاجة إلى الراوي العالم بكل خبايا الأمور. الراوي الذي يحكي ما يحدث دون أن يشاهده أو يعاصره. تصبح وفاء بخيالها قادرة على السفر إلى عوالم مختلفة. في ذلك التأرجح بين الراوي العارف والراوي الساذج أزمة للقارئ والكاتب. هذه الورقة تتكلم عن تلك الأزمة.هذه الأزمة في حد ذاتها ضرورية للتعبير بصدق عن حالة وفاء النفسية ورمزية مواقفها وشخصيتها بشكل عام. فمثلاٍ إحساس الحيرة الذي يصيب القارئ هو نفسه إحساس الحيرة الذي يصيب وفاء. فكثيراٍ ما تتساءل وفاء ما إذا كانت تسرد واقعاٍ أم خيالاٍ وما إذا كانت تجربتها ثمرة جنون أم إصرار. لقد تعمدت هذا الأسلوب في السرد للتعبير عن الحالة التي يعيشها شخوص رواياتي ورواية “أشياء رائعة” أيضاٍ بها سرد مزدوج بين الراوي د.حازم والكاتب.
بين الجمر الوخز: “روايتان رائجتان من عْمان”
• سليمان المعمري:
يمكن تأريخ الرواية العْمانية بأكثر من نصف قرن منذ أن أصدر رائد الرواية العْمانية عبدالله الطائي روايته الأولى “ملائكة الجبل الأخضر” عام 1963م ومنذ ذلك التاريخ كْتب كثير من الروايات لكن قليلاٍ من هذا الكثير قد صادف رواجاٍ بين جمهور القراء العْمانيين. من هذه الروايات الرائجة روايتا “الطواف حيث الجمر” للكاتبة بدرية الشحي (سنة 1999م) وهي أول رواية لكاتبة عْمانية و”الوخز” للروائي حسين العبري (سنة 2006م) .. ورغم أن الروايتين ناضجتان فنياٍ فإن هذا النضج لم يكن كافياٍ وحده لجعلهما روايتين رائجتين فثمة روايات أخرى الكتاب آخرين لم تكن تقل عنهما نضجاٍ لكنها لم تحظ بالرواج نفسه..ستحاول هذه الورقة إذن البحث في أسباب رواج الروايات العْمانية من خلال تتبعها لهاتين الروايتين: موضوعهما الرئيسي زمن كتابتهما والمناخ العام وقت صدورهما طارحة بعض الأسئلة الجوهرية: هل يكفي الإلمام بكتابة الرواية كرافعة لانتشارها بين الناس¿ وهل الموضوع هو الذي يتحكم بهذا الانتشار أكثر من الفن الروائي¿ وهل رواج العمل الأدبي هو مسؤولية الكاتب أم القارئ أم طرف ثالث لا علاقة له بهذين¿ وغيرها من الأسئلة التي ستحاول الورقة الإجابة عنها.