أعياد القرية في الماضي.. طقوس خاصة ونكهة عابقة بالمحبة

للعيد طقوسه  الجميلة وأيامه السعيدة التي لا تنْسى وأفراحه المبهجة والدائمة في الذاكرة والوجدان.
ومع تقدم الإنسان في العمر يظل يتذكر أيام العيد ومباهجه وخاصة تلك الأعياد التي عاشها في الطفولة والماضي البعيد الذي كانت الأعياد فيه مناسبات مميزة لا يمكن للنسيان أن يمحوها من الذاكرة.
وقد كان للأعياد طقوسها ومواسمها الخاصة وبالذات في القرى والريف حيث يتميز بطقوس تختلف عن الاحتفاء بها في المدن.
ففي القرى والريف يكون للعيد مذاقه الخاص ونكهته العابقة وطقوسه الجميلة ودلالاته الرائعة بما تحمله وتعكسه من صور للألفة والتراحم والمحبة بين أبناء الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد.. صور تعكس روعة الألفة والإخاء والتعاضد والحب بين أبناء المجتمع الذين تغمر أعماقهم النقية الطيبة والقيم النبيلة.
وفي كتابه الرائع”القرية…شيء من الماضي” يرصد الأديب والأستاذ عبدالله النويرة مؤلف الكتاب العديد من صور وطقوس العيد في القرية – قرية المؤلف بمحافظة المحويت – وذلك في الزمن الماضي حيث اختزنت ذاكرته ما عاشه وشاهده من طقوس واحتفالات العيد أيام الطفولة في زمن كانت الأعياد هي الأفراح الوحيدة والمناسبات التي لا يعرف الإنسان في ذلك الوقت غيرها.
وبهذا الرصد الجميل للعيد وطقوسه في ماضي الريف اليمني يدون ويقدم المؤلف الأديب عبدالله النويرة إسهامات رائعة ومشكورة في حفظ وتدوين صورة من صور الحياة في الريف اليمني وخاصة ونحن في زمن سريع لا يترك خلفه إلا النسيان كما أن هذه الجهود المشكورة للمؤلف هي فرصة لتعريف القارئ بالقرية اليمنية وحياتها وملامحها في الزمن الماضي.
العيد في القرية
وفي السطور التالية وبلغة مفعمة ببراءة العيد وفرحته , يورد الأستاذ عبدالله النويرة ما اختزنته ذاكرته لمن أيام العيد بقريته في الماضي البعيد ..حيث يقول :
للعيد في القرية نكهة خاصة حيث تجد الناس فرحين ببراءة وعفوية كبيرة كونه مناسبة .
في صباح يوم العيد يقوم الجميع لصلاة الفجر ثم التوجه إلى مصلى العيد وهو مكان خارج القرية يتجمعون فيه لأداء صلاة العيد والخطبة وبعد انتهاء الصلاة والخطبة (التي ينصت إليها الجميع ولا يمكن لأحد مغادرة المصلى قبل انتهائها ) يهرع الجميع للسلام على بعضهم بدون استثناء , وحتى المتخاصمين يتبادلون  السلام بغض النظر عن الخصومة التي بينهم ,ويتم السلام من خلال المصافحة بالأيادي وتبادل تقبيلها وقد يتم السلام من خلال تقبيل الأكتاف , والشباب يجب أن يقبلوا (ركب ) آبائهم وكبار العائلة وكل طفل وشاب ينحني على ركبة والده أو جده أو عمه ويقوم بتقبيلها حتى الرجال الذين أصبحوا آباء عليهم أن ينحنوا ويقبلوا ركب آبائهم أو أعمامهم الأكبر سناٍ منهم وهذه عادة حميدة , أما ما يعتبر عادة سيئة هو قيام جميع الناس بالانحناء لتقبيل (ركبة ) العامل أوأي (مسؤول )يصل إلى القرية في ذلك الزمان الماضي .. وكم كان منظرا مقززا ومنفرا مشاهده كبار القوم يقبلون ركبة أحد عمال القضاء أو الناحية عند زيارته للقرية فنلاحظ الإذلال بأبشع صوره ( العامل لقب كان يطلق على المسؤول الأول في القضاء أو الناحية التي تعرف الآن بالمديرية).
زيارات وحلوى
ويقول عن طقوس العيد بعد الصلاة: وبعد صلاة العيد يعود الناس إلى القرية ويذهبون لزيارة أرحامهم من النساء المتزوجات ففي العيد لابد للأب أو للأخ أن يزور بناته أو بنات أخواته وبنات أعماله المتزوجات وفي العادة بأخذ معه ( أجب ) – وهو زنبيل من الخوص – به بعض المقاضي مثل (السكر النبات ) الزنجبيل , البخور والحلوى المحلية (الجونة ) وهي طبق من الخوص بداخله حلوى مصنوعة في تهامه من الدقيق والسكر والسمن وهي عادة حميدة …كما يقومون بزيارة المقابر للسلام على الأموات والدعاء لهم وتجد أن المقابر ملأى بالزائرين وهي مقتصرة على الرجال دون النساء فالنساء في العيد يلزمن منازلهن انتظارا للزوار الذين يأتون للمعايدة . 
اجتماع الأسرة
بعد ذلك ينام الكثير من الناس لأنهم كانوا ساهرين في الليلة السابقة كونها كانت امتداداٍ لرمضان , وفي وقت الغداء يجتمع أفرد الأسرة الواحدة حول صحن واحد للأكل وتأتي النساء المتزوجات من خارج الأسرة إلى منازل آبائهن أو إخوانهن للغداء في (جفنة واحدة )وهي في صحن كبير كان يصنع من الخشب أو من النحاس ويوضع في وسطه الأقراص وحوله بشكل دائري يْسكب العسل والسمن وبالكاد يتمكن الشخص من إدخال يده إلى تلك (الجفنة) من كثرة الموجودين حولها. وبعد صلاة العصر  تجتمع الأسرة الواحدة من الرجال في الديوان أو المفرج وهو اجتماع سنوي يضم أفراد الأسرة الواحدة , الذكور وتجتمع النساء لدى أكبرهن سناٍ في مكانُ آخر .
الليلة اليمنية
* عن أيام ما بعد اليوم الأول للعيد فيقول عنها: وفي ثاني أيام العيد يبدأ الكثير من المزارعين بالتسلل إلى حقولهم الزراعية لمتابعة الأعمال الزراعية التي لا ترحم وعملها لا يحتمل التأخير, وأما الموسرون وملاك الأراضي فيبقون في منازلهم ثاني أيام العيد وثالث أيام العيد وذلك للراحة والخروج في الضحى للتمشي (النزهة) بين الحقول على هيئة مجموعات للترويح عن أنفسهم .. وفي مساء يوم العيد يذهب الكثير من سكان القرية إلى النوم مبكرين ويسمون هذه الليلة بالليلة (اليتيمة)لأنها تأتي بعد ليالي رمضان ويتركها الناس وينامون فتبقى وحيدة ويحبذون السهر فيها وإحيائها بالصلاة , وفي ليلة العيد يقوم الأطفال والشباب بإشعال النيران على أسطح المنازل تعبيرا عن الفرحة بقدوم العيد ويقوم أطفال الأسرة الموسرة في يوم العيد بإخراج (المرفع) وهو الطبل الكبير الذي يضربون عليه بالعيدان ويتنافس الأطفال عليه منافسة شديدة ويتحلقون حوله فرحين به لأنهم لايمكن أن يتمكنوا من إخراجه في غير العيد  فهو مخصص لضربه إشعارا للناس بالتجمع عند الشيخ للضرورة القصوى وكل من يسمع ضرب ذلك المرفع (الطبل) يبادر للذهاب إلى بيت الشيخ لمعرفة ما هو السبب لطلبهم ويستخدم أيام الحروب وأيام المشاكل أو لجمع الناس لأخذ رأيهم في أمر مهم أو إبلاغهم بأشياء مهمة .
وفي يوم العيد يخرج الشباب بالبنادق للنصع وهذا للأسرة الكبيرة التي تملك بنادق وكانت البنادق الموجودة لدى الأسر الكبيرة هي (السك – البشلي – الموزر – النبوت) ثم في وقت لاحق توفرت بنادق (الجرمل – الشيكي – الشرفاء – الكندة – الميمون) قبل ظهور (الآلي والإفن ) وغيره.    

قد يعجبك ايضا