قد لا يبدو الحديث عن الصيام جديداٍ على الناس لمعرفتهم المسبقة بفوائده وأبعاده المختلفة : الصحية والاجتماعية فضلاٍ عن كونه التزاماٍ دينياٍ بالركن الرابع من أركان الإسلام وهو صيام رمضان, على أن فريضة الصيام بأبعادها الشاملة هي مدرسة العبادات كما تعلمنا .
ولعل من الأهمية بمكان التركيز على البعد الاقتصادي وتذكير الناس بهذا البعد لما له من أهمية اقتصادية وروحية واجتماعية وكونه فرصة مناسبة سنوية للتقشف والاقتصاد للفرد وللأسرة بصفة خاصة والمجتمع عامة فضلاٍ عن كون الصيام مناسبة سنوية لاستعادة التوازن لاقتصاد الأسرة المنهك والتوازن النفسي المفقود للإنسان المسلم ( الفرد والأسرة) ..
أما الأبعاد المختلفة للصيام كالبعد الديني والروحي والصحي والاجتماعي تبدو مدركة عند معظم الناس وهو ما تحشد له معظم وسائل الإعلام خلال رمضان مغفلة البعد الاقتصادي لصيام شهر رمضان كمكمل لتلك الأبعاد وكأحد مقاصد الصيام العامة .
البعد الاقتصادي
يبدو البعد الاقتصادي للصيام هو البعد الغائب والمسكوت عنه في وسائل الإعلام حيث لا يقف عنده معظم المتحدثين والمرشدين من علماء الدين وغيرهم من الأطباء والمتخصصين الذين تحشدهم وسائل الإعلام لتغطية برامج رمضان دون التركيز على البعد الاقتصادي فضلا عن تذكير الناس بالبعد الروحي والديني والصحي للصيام خلال شهر رمضان المبارك .
ويبدو البعد الاقتصادي للصيام مفقوداٍ ومستبعداٍ عند كثير من الناس ناهيكم عن الإسراف والتبذير التي أصبحت ظاهرة مرتبطة برمضان وتتناقض والمقاصد العامة للصوم, فضلا عن الحالة المعيشية عند معظم الناس لاسيما بعد تنامي ظاهرة الاستهلاك وتعدد أنماطه بسبب عوامل ومتغيرات العصر التي أفضت إلى تعدد وتنوع واختلاف وأنواع وأشكال السلع والخدمات لتلبية احتياجات الإنسان المتعددة والمتزايدة عبر الزمن ما أدى إلى ظهور أنماط استهلاكية فائضة عن حاجات الإنسان الأول وظهور اقتصاد السوق وتقلباته والذي نتج بدوره عن الزيادات السكانية واختلال التوازن بين الموارد الطبيعية والزيادة السكانية وقوانين العرض والطلب كأحد مظاهر المشكلة الاقتصادية وغيرها من الأسباب والعوامل الأخرى.
لذلك يعيش البعض في غفلة عن هذه المقاصد ويلجأ الناس ونتيجة لعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية ــ ألمحنا لبعضها آنفاٍ ــ يلجأون قبل رمضان للتكالب على شراء ما لذ وطاب من مختلف الأنواع الاستهلاكية سواء ما يحتاجه الصائم أو مما لا يحتاجه بزعم تلبية احتياجات رمضان ــ وهو منها بريء ــ مما قد يسبب أزمة في الأسواق وارتفاع الأسعار واختفاء بعض السلع ويؤدي للاستهلاك الباذخ وإنهاك لاقتصاد الأسرة وميزانيتها المحدودة, فضلاٍ عن تعارض هذا السلوك مع الأبعاد الدينية والروحية والاجتماعية للصيام ..
من هنا تكمن أهمية تكثيف الحديث عن البعد الاقتصادي للصيام قبيل رمضان واعتباره فرصة سنوية نادرة لتذكير الناس بأهمية الاقتصاد وربط البعد الاقتصادي بالأبعاد الأخرى للترشيد في رمضان عبر وسائل الإعلام كمحاولة لاستعادة التوازن للاقتصاد المنزلي ولميزانية الأسرة المنهكة وبالتالي التوازن النفسي وكذا استعادة التوازن بين قانوني العرض والطلب الحقيقي والفعلي للناس والتي تبني عليها وبموجبها كثير من التصرفات وسلوكيات المنتج والمستهلك علاوة على قياس حجم الاستهلاك الفعلي لليمنيين بعيداٍ عن السلوكيات المفتعلة المؤدية لاضطراب الأسواق وتنامي ظواهر الاحتكار وارتفاع الأسعار ما قد يعتبر (ضبط الاستهلاك وفق الحاجة الضرورية) للمستهلك إن جاز القياس مقياساٍ لضبط الاستقرار للأسعار وضبط الطلب الحقيقي للناس من السلع والخدمات في الأسواق وفضلاٍ عن أن ضبط السلوك الاستهلاكي مقدمة لترشيد الاقتصاد وعدم التبذير عامة في رمضان خاصة وعلى مدار العام, كما أن الترشيد هو إعادة الاعتبار لفريضة الصيام ببعدها الاقتصادي وتكاملها مع الأبعاد الأخرى الدينية والاجتماعية والصحية ..
ولعل تراجع هذا البعد الاقتصادي القيمي للصيام في سلوك الإنسان المسلم قد أدى إلى تنامي كثير من القيم المادية والاستهلاكية الطارئة والمستحدثة على حياتنا ومنذ امد ليس بقريب وأفضى إلى هذا التكالب على السلع قبيل حول الشهر الكريم.
على أن البعد عن مقاصد الصيام عامة ( الاقتصادي والاجتماعي والروحية والصحية والدينية) قد أدى لتخلي الإنسان المسلم عن السلوك الحقيقي والمفترض أن يسلكه الإنسان العاقل الراشد الذي خلقه الله في أحسن تقويم هذا الإنسان الذي تحمل أمانة المسؤولية عوضاٍ عن السماوات والأرض والجبال اللائي أبين أن يحملنها وحملها الإنسان لأنه ظلوماٍ جهولا).
من هنا يمكن اعتبار أن معظم الناس يعيشون في غفلة ليس عن مقاصد الصوم الاقتصادي فحسب بل عن كثير من مقاصد الشريعة الإسلامية السمحة التي جاءت للناس تدرجاٍ من السهل إلى الصعب ــ كنزول القرآن ــ بهدف إخراجهم من الظلمات إلى النور ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم والإدراك ومن الظلم إلى العدل لتنير لهم طريق حياتهم ليعيشوا متحابين في أمان واطمئنان وسلام.
وعندما مالوا عن مقاصد الإسلام تفرقت بهم السبل وزادت خلافاتهم (وانتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) فزاد الظلم وزادت الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية وباتت المجتمعات تعاني أزمات وصراعات تفت في عضد المجتمع المسلم (المفترض أن يسوده التكافل والتعاضد) والذي بات يعاني من الأزمات المختلفة ضمنها أزمة هوية وتفاقمت في ظل ذلك ظواهر الغلو والتطرف والإرهاب وغياب العدل وظلم الإنسان لأخيه الإنسان و… إلخ.
البعد الاجتماعي
لعل من نافلة الحديث التطرق للبعد الاجتماعي والأخلاقي للصيام كون البعد الاجتماعي للصوم دافعاٍ لإحساس الصائم بالآخرين لأن الشعور بالجوع يغدو دافعاٍ للإحساس بمعاناة الفقراء والمعسرين وبالتالي الإحسان لهم فضلاٍ عن كون ذلك التزاماٍ اجتماعياٍ من الأغنياء والميسورين تجاه الفقراء والمعسرين على الدوام :
على أن ارتباط الركن الرابع وهو الصيام بالركن الثالث وهي الزكاة كركن من أركان الإسلام الحنيف أضاف بعداٍ آخر لتأكيد البعد الاجتماعي للصيام ولعل إيتاء الزكاة بما تشمله من إخراج زكوات الأموال عامة وخاصة كأحد مبادئ التكافل الاجتماعي واقتران توزيعها مع فريضة الصوم على الفقراء والمحتاجين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وأبناء السبيل و… الخ
جاء توزيعها نهاية رمضان مكتملة ومكملة لفريضة الصيام التي يشعر فيها المسلمون بالمساومة كنظرية إسلامية اجتماعية شاملة على أساس من السعي نحو الهدف السام لإيجاد مجتمع متماسك ومتعاون تسوده المحبة والإخاء والتعاون والتراحم والتكافل والتضحية والإيثار قال تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) وبعيداٍ عن الأنانية والشح والاستحواذ والجشع والطمع الذي يفضي إلى الفساد والصراع بين الناس في الحصول على أكثر من حاجتهم الضرورية والأساسية.. ذلك هو البعد الاجتماعي المرتبط والمتكامل مع الأبعاد الأخرى الاقتصادية والدينية والروحية والأخلاقية كنظرية إسلامية شاملة حيث لا يستقيم تطبيق ركن من الأركان إلى مع بقية الأركان كنظريه متكاملة كل لا يتجزأ ..
ومن هنا يمكن الاعتقاد بأن الغفلة التي يعيشها البعض هي غفلة عن مقاصد الشريعة الإسلامية عامة والصيام ركن منها وهي الحقيقة التي لا تبدو مدركة إلى بإدراك مقاصد الصوم, ما يعني أن أبعاد الشريعة الإسلامية كل لا تتجزأ فالعمل بالبعد الاقتصادي لا يستقيم دون العمل على تطبيق الأبعاد الأخرى الاجتماعية والروحية …الخ كمبادئ ومثل وقيم أخلاقية واجتماعية واقتصادية متكاملة حث عليها الدين الحنيف وأكدها القرآن كنظرية شاملة متكاملة لا تقبل التجزئة حيث لا يجوز العمل ببعض منها وترك العمل ببقية الأجزاء ..
Prev Post
قد يعجبك ايضا