يقاس تقدم وتطور المجتمعات والشعوب بمستوى تمسكها بالسلوكيات والقيم ويقال إن المجتمع المتحضر هو نتاج نظام متحضر ومدني ومتقدم أيضا وبالتأكيد فإن السلوك الحضاري أحد مظاهر تقدم المجتمعات ووعيها كما انه مجموعة من السلوكيات التي تتطابق وتتفق مع العقل والمنطق وأيضا تكون متفقة ومتوازنة مع القواعد المتعارف عليها في المجتمع سواء كانت قواعد قانونية أو أعراف تسير عليها المجتمعات.
أردت من هذه المقدمة أن أصل إلى ما يجري في مجتمعنا اليمني الذي وللأسف يفتقد الكثير من أفراده لتلك السلوكيات والقيم الحضارية في معظم تصرفاتهم وأعمالهم اليومية مثل النظافة التي تعد من أهم مفردات السلوك الحضاري للشعوب المتحضرة على أساس أن النظافة سلوك حضاري تحرص عليه كل تلك المجتمعات وتعكس الصورة الحقيقية لمدى التطور والرقي فيها إضافة إلى أهميتها من الناحية الصحية والبيئية وغيرها ولأننا في اليمن نفتقد لهذا السلوك في حياتنا فما نشاهده في شوارع المدن والقرى من انعدام للنظافة وقيام المواطنين برمي القمامة في الشوارع والتخلص منها بذلك الشكل يؤكد أننا مازلنا بعيدين عن تلك المجتمعات المتقدمة.
كما أننا نفتقد إلى واحدة من أهم السلوكيات الحضارية في تصرفاتنا اليومية والتي تدل على أننا مازلنا بعيدين جدا عن الآخرين وهذه المفردة الهامة تتمثل في عدم احترام النظام في كل معاملاتنا اليومية فمن يحتاج منا إلى إجراء أي معاملة في مرفق من المرافق العامة والخاصة يكره اليوم الذي اضطرته الحاجة إلى الذهاب إلى هذا المكان ويلعن المعاملة التي جعلته يتعرض لمواقف ويدخل في معارك من أجل إنجاز تلك المعاملة كما أن من يريد أن يحصل على اسطوانة غاز يتعذب ويتمنى لو أن المجتمع يعود إلى الأسلوب القديم في الطبخ المنزلي باستخدام الحطب كما أن من يريد الحصول على دبة بترول من المحطة فعليه ان يستعد بسلاحه وقومه ليساعدوه في مقاومة من يأتون للمحطات ويدخلون وسط الطوابير وفي بدايتها متجاوزين كل الواقفين في الطوابير الطويلة دون مراعاة لمشاعر الناس الذين يقفون في الطابور لمدة طويلة في انتهاك صارخ لحقوقهم.
وهناك تصرفات كثيرة مثل التعامل غير السوي مع قواعد وأنظمة المرور والسير وعدم احترامها وإعطاء الطريق حقه حيث نرى الفوضى والتعدي على الطريق وتحول الكثير من الشوارع والطرق إلى أسواق تجارية يتم فيها الاعتداء على أبسط حقوق الناس فقد تحولت شوارعنا إلى أسواق ومحلات وهذا ما نراه ونلمسه يوميا في كل مفردات حياتنا وتؤكد أيضا أننا بالتأكيد لم نصل إلى مستوى الوعي الثقافي والحضاري للشعوب المتطورة بل إن الأمور عندنا تصل أحيانا إلى القتل على اسطوانة غاز أو عشرة لتر بترول أو بسبب مخالفة في جولة من جولات المرور أو بسبب الازدحام في سوق القات وهكذا فالفرق بيننا وبينهم مازال شاسعا.
وسأورد هنا مثلا بسيطا لمسته خلال زيارتي لبعض الدول الأوروبية فقد وجدت أن تلك الشعوب المتطورة لم تصل إلى ما وصلت إليه من فراغ بل انه ناتج عن الالتزام الأخلاقي بالسلوكيات الاجتماعية التي بدورها جاءت كنتيجة تراكم حضاري ومعرفي فالناس هناك مثلا تتعامل مع قواعد وأنظمة المرور برقي كبير وكل منهم يحترم الآخر ولا يتعدى على من سواه فالمناطق التي توجد فيها إشارات ضوئية تجد المواطن ينتظر حتى تسمح له إشارة المرور فتجده يمر فيما السيارات تنتظر له وهكذا وفي المناطق التي لا توجد فيها إشارات ضوئية هناك التزام بالخطوط التي على الطريق فالأولوية للمواطن حتى لو كان فردا واحدا في مقابل مئات السيارات التي تجدها تقف احتراما لحق ذلك المواطن في المرور وحين تنتقل إلى أي معاملة تجد الهدوء يسود الجميع وكل واقف في الطابور ينتظر دوره حتى يأتي فيتقدم دون أن يزعج الآخرين ولم أجد أحدا منهم تقدم على غيره لأنه يعرف أن ذلك الشخص جاء قبله وبالتالي فله الحق في الحصول على الخدمة أولا وهكذا كل ينتظر دوره فلم أجد أحدا حاول كما يحصل عندنا من تزاحم وهرجلة وفوضى وكل يتعدى على حق غيره.
اعتقد ان غرس هذه السلوكيات الاجتماعية تتطلب جهدا كبيرا يبدأ من تقنين هذه السلوكيات ضمن منظومة القوانين وإلزام الناس بتطبيقها وتنفيذها ومعاقبة كل من يحالفها حتى تتحول إلى سلوكيات يعتاد عليها الناس ثم يكون هناك دور للمدرسة والجامعة والمسجد ووسائل الإعلام في التوعية بهذه السلوكيات وأهمية الالتزام بها والتقيد بها وانتهاجها في كل مفردات حياتنا لنصل إلى مصاف تلك الدول المتقدمة والتي سبقتنا كثيرا وصدقوني أننا لن نتقدم خطوة واحدة ما لم نرتقي بسلوكياتنا وتكون ثقافة عامة لدى جميع أفراد المجتمع ننتهجها في كل أعمالنا.
قد يعجبك ايضا