شهر رمضان فرصة لغرس روح التسامح والإخاء

تمر الأيام من عام إلى عام تحمل لنا البشرى بقدوم شهر رمضان المبارك وتنثر بين يديه أنواع البر والرحمة والمغفرة والعتق من النار فرمضان منحة ربانية ونفحة إيمانية ونسمة قرآنية رمضان.. ترانيم السحر وتراتيل المساء وتسابيح النهار وما أشبه استقبال رمضان باستقبال المزارع لموسم زراعته فيهيئ مزرعته بكل ما تحتاجه من الوسائل ليضمن محصولاٍ باهراٍ وإنتاجاٍ متميزاٍ فرمضان موسم للزراعة يْرجى من ورائه إنتاج لا يْضاهى ومحصول لا يكون إلا فيه فتغفر فيه الذنوب وتكفر فيه السيئات وترفع فيه الدرجات وتعتق فيه الرقاب من النار..  للصائم فيه دعوة لا ترد..  ومن صامه وقامه إيماناٍ واحتساباٍ غفر له ما تقدم من ذنبه.

خطة رمضانية
البداية مع الشيخ أبو بكر الحسني إمام جامع الحسن بن علي حيث يقول: أقبل علينا الزائر المنتظر شهر الخير والبر هاهو يقبل كرة أخرى بلياليه المضيئة وأيامه الجميلة فكيف لي ولكم أن نستقبله¿ أخي الحبيب .. خذ الآن قلماٍ واكتب .. أكتب معي (برنامجي في شهر رمضان) قسمه بين صلاة و تلاوة قرآن ودعاء وذكر لله وصدقة وسماع للوعظ والدروس الإيمانية.. وبين الوظيفة والعمل ومساعدة الناس…. في أي ساعة أستيقظ¿ وفي أي ساعة أنام¿ كم جزءا أقرأ من القرآن في كل يوم¿ وكم وردا من الأذكار أتلو¿ في أي صف سأصلي التراويح في أي زاوية سأعتكف.. كيف أتقن عملي¿ كيف أزرع البسمة وأغرس الأمل وأبني المستقبل اكتب معي .. ما هي الذنوب التي سأهجرها و العادات التي سأتركها ما هي قيود لساني وعيني ويدي ورجلي كيف أحجبها عن الحرام مِن من الأصدقاء أقوى فيعينني ¿ مِن من الناس أقرب فيساعدني¿ ثم علقها على جدار غرفتك واكتب عليها ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ).
تهيئة القلوب
الدكتور أسامة الأسطى خطيب جامع الرشد يقول: يجب علينا استقبال هذا الشهر الكريم بتهيئة الأرضية المناسبة لزراعته حتى تكون أهلا لإنتاج كل المحاصيل والفوائد والثمار المرجوة من شهر رمضان.. والأرضية التي يجب تهيئتها لاستقبال رمضان هي القلب فبصلاحه تصلح الأعمال وبتجهيزه وتهيئته تظفر بخيرات وبركات رمضان.. وأن أعظم ما يجب تهيئته به ليكون صالحاٍ للزرع وأهلاٍ للإنتاج الطيب النية الصادقة والعزم القوي لصيام رمضان إيماناٍ واحتساباٍ والاستعداد للقيام بكل طاعة أمر الله بها في رمضان حتى إذا ما جاء رمضان صدق العمل نية القلب فتكون بذلك قد ظفرت بأجر العمل وأجر نيته..  فإذا قدر الله عليك موتا قبل صيامه فلن تحرم أجر ما نويت وكتب الله لك أجر كل عمل عزمت على فعله في رمضان وذلك من باب (أن بالمدينة لرجالاٍ ما قطعتم وادياٍ ولا سرتم مسيرا إلا كانوا معكم حبسهم العذر).
سهام التوبة
ويضيف الأسطى: والأمر الآخر .. المحاسبة الجادة والصادقة للنفس انطلاقاٍ من قول الله تعالى: (يا أيها الذين امنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد). فبمحاسبة النفس ستقف على ذنوبك واحدة واحدة وتحددها بعينها بل ويجب عليك كتابتها والتركيز عليها ثم بعد ذلك يأتي الأمر الثالث وهو التوبة من هذه الذنوب والعزم على عدم العودة إليها والندم على فعلها..  فما أجمل أن تحدد ذنوبك ثم تركز سهام التوبة عليها فتطهر قلبك من آثام الذنوب وتغسله من أدران الخطايا فيكون أهلا لتنزل الرحمات والبركات الرمضانية.  أما الأمر الرابع مما يجب أن نهيئ به أرضية زراعة رمضان..  تطهير القلب من الشحناء والبغضاء والحسد والحقد..  فإن الأعمال تعرض على الله تعالى فإذا كان هناك شخصان متشاحنان يقول الله لملائكته انظروا هذين حتى يصطلحا..  فلا بد من تهيئة القلب بالحب والود والتسامح والصفح حتى يكون أهلا لنيل ثمار رمضان وأرضية صالحة لنزول جوائز رمضان عليه…
ويختم الدكتور الأسطى حديثه: ولا بد من تعلم الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية المتعلقة بالصيام فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين..  ورْب عمل تقوم به تجهل حكمه يكون سبباٍ في فساد صومك وحرمانك من الأجر..  ووسائل تعلم الأحكام اليوم سهلة وميسرة..  فالعلماء موجودون فيمكن سؤالهم وإن تعذر فمسموعاتهم وإن لم فالكتب والمنشورات سهلة وميسرة..  وإن لم فمواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي تجيب على كل ما تحتاجه من استفسارات في أي باب شئت..  ومادامت كل هذه الوسائل موجودة ومتاحة فلا عذر لك من عدم التعلم والتفقه في أحكام الصيام..
إصلاح ذات البين
أما القاضي العلامة محمد الوزير يقول: رمضان يستقبل بالطاعات وقيام الليل والصدقات والصبر والتحمل ونزع فتيل العداوات ومحاربة الدعاة إلى العصبيات من كل الجهات وإصلاح ذات البين وإشاعة الألفة والمحبة بين اليمنيين والتواصي بالحق برفق ولين وترك إثارة الخلافات الفقهية في الفروع والجزئيات كالخلاف على رؤية الهلال فالصوم يوم يصوم الناس كما أن الواجب التوحد في زمن الصوم والإفطار بتوحيد وقت الأذان في المساجد وصلاة التراويح يقول باستحبابها الإمام زيد بن علي والأئمة الأربعة وعليها جماهير علماء الأمة وخالف الهادوية فكرة كونها جماعة في المسجد ولا يجوز منع صلاتها لقوله تعالى: (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى)¿ ولا يمنع الناس عن الصلاة إلا شقي.
ويؤكد القاضي الوزير على حرمة إيذاء المسلم فضلاٍ عن قتله وخاصة في الشهر الكريم فقد صح في الحديث: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) هذا لأن شهادة الزور فيها إيذاء للمسلم فكيف بقتله فالجرم أعظم والإصلاح بين المتقاتلين من أعظم الواجبات النازلة اليوم وفي هذا الشهر الكريم ويجب على العقلاء من جميع الأطراف تدارك الوضع في اليمن فما حك جلدك غير ظفرك فلا يركنوا إلى غيرهم.
ويضيف العلامة محمد الوزير: يجب على المواطنين إشاعة الأخوة والمحبة في كل وقت خاصة في هذا الشهر الكريم إنما يرحم الله من عباده الرحماء فتراحموا يرحمكم الله فتحارب المسلمين في مصلحة أعداء الدين من اليهود والنصارى والمشركين ومن يتوهم أنه في قتاله لأخيه المسلم ينصر الإسلام فليعلم أنه على ضلال مبين.
قلوب صافية
وفي نفس السياق يتحدث لنا الشيخ عبدالرحمن البعداني خطيب جامع عمر بن عبدالعزيز: أهم ما نستقبل به شهر رمضان المبارك هو إلقاء الأحقاد و تصفية القلوب و التسامح و الصفح و التغاضي عن المعايب وطي صفحة الماضي وترك التشفي قال تعالى: (و إن تعفوا و تصفحوا و تغفروا فإن الله غفور رحيم) فرمضان شهر تتوجه فيه القلوب إلى الله فما أجمل أن تكون هذه القلوب صافية من الغل سليمة من الحقدº حتى تكون مؤهلة لنظر الله إليهاº لأن القلوب المتشاحنة غير صالحة وعبادة الصيام في رمضان تربي الصائم على التعالي فوق الخصومات و تزيل من نفسه شجرة الانتقام فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الصيام جنة فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم).

تصوير / فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا