ظهر الاهتمام بالهند كقوة اقتصادية صاعدة منذ العام 1991م حين غيرت حكومتها سياساتها الاقتصادية وانفتاحها على الخارج واستقطابها للاستثمارات الخارجية وتغيير الأنظمة والقوانين المنظمة لذلك وقد استفادت كذلك مما حققه أول رئيس للوزراء بعد الاستقلال “نهرو” من نهضة علمية في البلاد حين أنشأ المجالس العلمية العليا والمراكز العلمية والبحثية كما أسس لمعاهد التكنولوجيا في كل ولايات الهند والتي خرجت الكثير من العلماء أصبحوا في الوقت الحالي يديرون الكثير من مراكز الأبحاث في مجالات عديدة.
الفيل والتنين
ففي يناير 2009م صدر كتاب “الفيل والتنين” عن عالم المعرفة للمؤلفة الأمريكية روبين مريديث حيث قدمت فيه صورة لاستجابة الصين والهند للعولمة ليظهرا عملاقين على الساحة الاقتصادية العالمية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وليمثل تطورهما إعصاراٍ آخراٍ في بنية المنظومة العالمية.
فالهنود معروفون بهوسهم للتكنولوجيا وبأنهم طلاب علم مجتهدون ومبدعون يوجد الآن في الهند ستة عشر معهداٍ للتكنولوجيا أسسها في خمسينيات وستينيات القرن العشرين رئيس الوزراء الهندي “نهرو” وقد قال عنها “بيل غتس” مؤسس شركة مايكروسوفت التي توظف العشرات من خريجي هذه المعاهد: “من الصعب التفكير في أي شيء يضاهي معهد التكنولوجيا الهندي في أي مكان في العالم إنها مؤسسة فريدة جداٍ من نوعها.
أمة من العباقرة
وفي إصدار جديد عن عالم المعرفة في مارس 2015م ظهر كتاب “أمة من العباقرة” للمؤلفة البريطانية من أصول هندية ” انجيلا سايني” وهي كاتبة صحافية متخصصة في مجال العلوم والتقنية حاصلة على درجة الماجستير في العلوم الهندسية من جامعة اوكسفورد البريطانية تقوم بنشر تحقيقاتها في عدد من المجلات والصحف البريطانية.
والكتاب هو عبارة عن عدد من التحقيقات قام المؤلفة بكتابتها بطريقة رائعة ومشوقة حول العباقرة الهنود الذين رفعوا من اقتصاد الهند وعملوا على تطورها وساعدهم في ذلك الانفتاح الذي تحقق في العام 1991م بعد أن كان اقتصاد الدولة على وشك الانهيار وعملت الحكومة الهندية الجديدة آنذاك على اتخاذ العديد من الإجراءات الاقتصادية الهامة ساعدت على جذب الاستثمارات الأجنبية وصعود قوة اقتصادية جديدة.
قصص مثيرة
وفي هذا الكتاب الذي ترجمه طارق راشد عليان كشفت المؤلفة عن الكثير من القصص المثيرة لهؤلاء العباقرة وما كان يواجههم من تحديات على مستوى المعيشي فما كان منهم إلا المثابرة والاجتهاد حتى الوصول إلى ما يصبوا إليه والتحقوا بمعاهد التكنولوجيا الهندية التي تعرف اختصاراٍ بـ”IITs” والمنتشرة في جميع أنحاء الهند.
واستعرضت خلال مادة الكتاب الذي يحتوي على تسعة فصول أن ما وصل إليه الهنود من تقدم في الاقتصاد والتكنولوجيا يعتمد على ما قام به أول رئيس وزراء للبلاد بعد الاستقلال عن بريطانيا “جواهر لالا نهرو” الذي اهتم بالعلم والمعرفة وأنشاء هيئة عليا للعلم والمعرفة برئاسته وعمل على استقطاب العلماء الهنود المتواجدين بالخارج وكان يحلم ببناء أمة ذات توجه علمي تعشق المنطق وكل ما ينمي العقل وأراد أن يكون الهنود قوة عاملة مدربة بشكل معقول تعمل بالتدريج على تحسين أوضاع الدولة ورفع شأنها.
الألعاب الذهنية
تحت عنوان “الألعاب الذهنية” حيث قدمت المؤلفة نموذجاٍ من العباقرة الذين حققوا للهند ما كانت تحلم به حتى أصبحت صناعة تكنولوجيا المعلومات بعد العام 2000م ثقباٍ أسوداٍ يبتلع المبرمجين الذين يشبهون الطائرات بدون طيار مستوعبين الآلاف من الخريجين وتم الاستعانة بهم من المشكلة التي ظهرت في نهاية الألفية والمسماة “بخطأ الألفية” وهي الانتقال من العام 99م إلى العام 2000م فكانت الكثير من المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة بحاجة إلى خبراء في هذا المجال لحل هذه الإشكالية من أجل المحافظة على المعلومات والبيانات التي تحتفظ بها أجهزة الحاسوب.
مدينة الالكترونيات
وتتحدث المؤلفة عن مدينة الالكترونيات وهي مدينة “بنغالورو” التي يكتظ اثنان من أحيائها الكبيرة بشركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات فالحي الأول يحتوي على المجمع الدولي للكتنولوجيا الذي يقع شرق المدينة ويضم مجموعة من الأبراج الزجاجية اللامعة أما الحي الثاني فهو خاص بالالكترونيات ويقع جنوب المدينة وكان الأشخاص الذين صمموا هذه المدينة في العام 1978م يحلمون بأن تصبح “وادي السلكون” الهندية في يوم من الأيام.
وعند زيارتها لعدد من الشركات والتقائها بمديريها ومؤسسوها ومهندسوها تؤكد أن الأفكار فيها مثل تراب الذهب والمهندسون مثل السحرة.
اسهامات علمية
واستعرضت المؤلفة اسهامات العلماء الهنود في المجالات البيولوجية خاصة أن أكثر من نصف مليار مواطن هندي يعيشون على الزراعة بشكل مباشر أو غير مباشر وبالكاد يسدون احتياجاتهم من الغذاء.
وأشارت إلى أن هناك الكثير من التجار حول إطالة عمر الموز فهو يعتبر من الفواكه الجيدة كثيرة الغاز ويمكن إطالة عمر هذا المحصول إذا تم التحكم في الغاز الذي يخرج منه.
وقد جالت المؤلفة في عدد من المدن الهندية منها مدينة ملكوتي ومدينة ميسور حيث قامت بزيارة المكتبات الهندية القديمة وكذلك معهد الأبحاث الشرقية الذي يحتوي على مكتبة ضخمة للنصوص القديمة التي يرجع تاريخ بعضها إلى القرن الخامس الميلادي وتحتوي المؤلفات فيها عن الفلك والتنجيم.
وعلى الرغم من التقدم الاقتصادي الذي تشهده العديد من الولايات الهندية إلا أن هناك زيادة في الفجوة الاجتماعية بين المواطنين فتؤكد أن قصة الهند الحديثة تقول أنه بارتفاع الرواتب تتراجع الطبقات الوسطى عن جنون المدن وتعزل نفسها في سيارات مكيفة وبيوت ضخمة وتحاول أن تنسى أن الفقراء لهم وجود أصلاٍ.
سيادة العباقرة
وتتطرق المؤلفة إلى سيادة العباقرة في الكثير من المجالات فهناك جهود كبيرة من قبل الهنود في مجال الأرشفة الالكترونية واطلاق الحكومة الالكترونية لتسهيل معاملات المواطنين والشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة واستعرضت بأسلوبها الشيق عدد من القصص الواقعية والقضايا الجنائية التي ظلت في المحاكم لعقود فيما تسهل أجهزة الحاسوب حالياٍ أعمال القضاة والمحامين.
وبحسب أحد العاملين في سلك العدل أن الفضل في ذلك يعود إلى أن التكنولوجيا في الهند أرخص من غيرها من الدول المتقدمة.
كما تطرقت خلال تحقيقاتها واستطلاعاتها إلى ما يشهد الهند من تطورات علمية وبحثية في مجالات أخرى مثل الطب والفضاء والعلوم النووية والبحث عن عقاقير وأدوية جديدة للأمراض المستوطنة في الهند.
حلول جديدة
وفي الفصل الأخير من الكتاب تتحدث المؤلفة عن حضورها لافتتاح أحد المؤتمرات العلمية السنوية التي تنظمها الهند ويحضرها الآلاف من العلماء والباحثين حيث يقوم رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بافتتاح هذا المؤتمر واقتطفت من الكلمة التي ألقاها: “لقد أعلنت حكومتنا أن الفترة من العام 2010م وحتى العام 2020م هي عقد الابتكارات فنحن بحاجة إلى حلول جديدة في العديد من المجالات لتحقيق أهدافنا المتمثلة في التنمية الشاملة والمستدامة نحتاج إلى حلول في مجالات الرعاية الطبية والطاقة والبنية التحتية الحضرية والمياه والنقل على سبيل المثال لا الحصر فلا يمكننا الاستمرار في العمل بالطرق المعتادة كما أن الحلول المستوحاة من الدول المتقدمة لا يمكن تطبيقها دائماٍ حيث تكون مكلفة في كثير من الأحيان كما أنها ليست مستدامة في أحيان أخرى.
واستعرضت إنجازات هذا البلد في المجالات المختلفة في مجال الطب تمثل الهند المرتقبة الثالثة عشر على مستوى العالم وفي الرياضيات تمثل المرتبة الخامسة وفي العام 2008م نشر العلماء والمهندسون مزيداٍ من الأوراق البحثية العلمية بمتوسط زيادة يبلغ %53 عن كل عام من الأعوام الخمسة المنصرمة.