“إهداء إلى كل هذا الغبار من الدويö والوميض”
* قريبا.. سأضع لي مقعدا على ناصية المدينة.. وبينما أنا جالس.. سأعد كم تبقى من أعمدة الإنارة.. وأحسب معدل مرور السيارات في الدقيقة الواحدة… مقارنة بما مضى من التقلبات والعشيقات والرسائل الغرامية.. سأخطئ عنوة في عدö الأعمدة وأعيد المحاولة تلو الأخرى…
* قريبا.. سأتوهم أحيانا وأفترض أحيانا أخرى ظلالا كثيرة بين كل عمود إنارة وآخر.. ثم أضطر لأن أحسب نسبة القناديل إلى ظلالها.. ثم نسبة المطفأ من القناديل إلى المضيئ منها.. وأنتهي إلى النتائج التي كنا نشترك في صياغتها معا.. إرضاء لكائنين لا يحضران معنا في الغالب..
* قريبا.. سألقöن ساقي أكثر من الهرولة نحو المستقبل.. سأعلمهما على سبيل المثال إتيكيت مراقصة عوامد المقعد الذي أجلس عليه في ذلك السفح الذي لا يسمح للكثيرين بالكثير من التأمل.. وأشرح لهما أيضا كيف تتدليان من المرتفعات الشاهقة دون أن تصطدما برؤوس المباني الشاهقة الكفيفة..
* قريبا.. سأعد.. وأتصور.. وأجري كل ما أتقن من العمليات الحسابية.. لأرى كم من الشوارع ما تزال له رئتان وما يزال بإمكانه أن يتنفس ما أشعر به من وحدة وفراغ.. كم من الأرصفة ما تزال فيها مساحات كافية لاحتمال كل هذا الحزن.. وكم تبقى من اللوحات الإعلانية التي كتبت فيها اسم حبيبتي ذات ربيع..¿!
* قريبا.. سأجلس هنالك كأي كهل مغسول بالأسف وأزف للذاكرة رائحة الفل المعجونة بذكريات حبيبتين.. الأولى ما تزال عروقها تنبض في مكان ما بجسدي.. والأخرى شاخت شوارعها فلم تعد تحتمل هلوساتي ومغازلاتي لها بل وحتى تنويمات إمعاني في تفاصيلها..
* قريبا.. ربما أمد يدي أو مخيلتي لافرق لأتناول من أغصانها الواهنة فكرة لقصيدة قادمة.. فتكتفي بجرح إحدى أصابعي أوتخضيب مساحة من أطراف قميصي بهلعها المصطنع.. وربما.. أتذكر كما أفعل دائما أن ثمة مدينة لا تستطيع أن تشبهها الإناث كانت هنا.. وأرفع باتجاهها حواسي فلا أجد سوى سديم أو بقايا بخار على لوح من زجاج الذاكرة..
* قريبا.. ربما… سأتراجع في اللحظة الأخيرة وأتنازل عن فكرة المقعد.. وأظل حيث أنا ضائعا في قلبها شاغرا من أي حلم كأي شاعر عجوز لم تعد صنعاء تستطيع أن تلهمه مفتتحا لائقا بقصيدة تستحق العناء.