نحن لا نعلم كم غيم تخبئه السماء .. كم ليل ينتظرنا ..¿ كم وهم يقف على عتبات الدار وبأي شكل يأتيني..¿ بزي الحب ربما ..!
تتسلل الشمس كقبلة خاطفة تضيء مآذن تعز العتيقة فترتد أشعتها من على قباب المآذن إلى السماء كظلال نور طويل القامة كسراب من نور.
البيوت محمومة ندية من أثر عناق المطر لها في الليلة الماضية الغيوم ترقص في السماء والمطر يرمقنا من بعيد , والنوافذ تمتد إلى الفراغ , إلى الطريق معلنة عن بدء يوم جديد.
تحمل حقيبتها المدرسية وتمشي بتمايل وبطء ..إنها تهوى تملق الطرقات .. محادثة الأزقة , وقراءة أوجه المارة .
في ركن الحي أطفال كقطاف الجنة يتدلون من على سور قديم و يغنون مهجل المطر : ” يا مطر أمطر , والشعير والبر , والذره تكبر , والمعين الله ”
تمر بدرج قديم يفضي إلى دار قديمها يتسلقها الشجر, وترتع الحشرات الصغيرة في شقوق جدرانها. يقف أمامه شيخ قصير يتكئ على عصاه , يهز رأسه بطريقة صوفية يمنة ويسرة.. يرفع عينيه للسماء ويغوص في نوبة تهليل تصل أطراف الحي .
وتحت سدرة الحي شاب نحيل يرتدي ملابس عصرية بألوان زاهية ويظهر من جيبه جهاز صغير متصل بسماعتين معلقات على أذنيه .. يردد كلمات أغنية غزلية ويغازل النساء المارات بجلابيبهن السود وأعينهن الملتصقة بأحجار الرصيف ..
تمر سيدة في منتصف العمر فيمد يده إلى خصرها ليمسك بها فتسقط أرضا تعاود الوقوف وهي تصب عليه وابلا من اللعنات .
في الطريق ايضا بائع مناديل ورقية _ طفل صغير _ لطخ الفقر والعوز وجهه الجميل فبدى أكبر من عمره .. اعتادت أن تبتاع بين فينة وأخرى منه فتشكرها ابتسامته الكسيرة ويودعها قائلا: “الله يحفظك يا خالة ” .
على الرصيف المحاذي للمدرسة جيش من القطط تموء وتلاحق الروائح ثم تعود إلى الرصيف تنتظر رزقها .
أعتادت تفحص الوجوه تأمل المارة ومراقبة الأحداث الجديدة في طريقها كل صباح ..
وكل يوم تدلف فناء المدرسة باسمة الثغر كزهرة نيسان , وجهها كالصباح تكسوه الوداعة .
يتأملها ” محمد ” من نافذة بيته المطلة على المدرسة ترمقه بخجل .. يتبادلان إبتسامات خجولة ويغرقان في النسيان .. حتى يجيء موعد جديد في صباح جديد .