لو أن إيران وحلفاءها الإقليميين – من ” المقاومة ” اللبنانية ممثلة بحزب اللَّه ، وأنصار اللَّه في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، ولا ننسى دعم سوريا الأسد أيضاً – انساقوا وراء منطق العداء والقطيعة المذهبية الضيق، على النحو الذي تتبناه بعض الأطراف الإقليمية ( كالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين وفروعه في بعض البلدان العربية ) في تعاملها مع إيران والجماعات الشيعية، وامتنعوا عن تقديم الدعم العسكري والسياسي والمادي لأهل غزة – الذين أغلبهم من السنة – لكان مصير القضية الفلسطينية قد تُوِّجَ بالاندثار والنسيان منذ فترة طويلة.
هذا الموقف ليس اعترافًا بمذهب، بل إثبات عملي لفلسفة تحالفية تقوم على أولوية مواجهة العدو المشترك. لقد تجلى هذا المنطق التضامني عبر التاريخ، ففي معركة حطين، اجتمعت قوى إسلامية متنوعة تحت قيادة صلاح الدين الأيوبي لهزيمة الغزو الصليبي، وكان التحالف يرتكز على الهدف الاستراتيجي لا على الخلفيات المذهبية أو الإقليمية الضيقة.
والأمثلة المعاصرة تُبرِز هذا المنطق بوضوح وذلك من خلال :
ـ الدعم الإيراني المستمر ( عبر قنوات مختلفة ) للمقاومة في غزة، على الرغم من الاختلاف المذهبي.
ـ عمليات وأنشطة حزب الله اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة، والتي تشكل ضغطًا عسكريًا موازيًا يدعم صمود غزة.
ـ ضربات أنصار الله في اليمن تجاه أهداف إسرائيلية أو مرتبطة بها، في محاولة لفتح جبهة ضغط وإسناد إضافية.
ـ مواقف فصائل الحشد الشعبي العراقي السياسية والدعم الإعلامي المعلن.
هذه المواقف، بغض النظر عن تقييم دوافعها النهائية أو خلفياتها السياسية، تشكل في مجموعها شبكة دعم استراتيجية ساهمت في إبقاء القضية الفلسطينية حية في الوعي والصراع الإقليمي، وحالت دون حصارها كـ” قضية سنية ” ضيقة.
في المقابل، يُظهر منطق العداء المذهبي – الذي تتبناه بعض القوى – انكفاءً استراتيجيًا وخسارةً لجبهات محتملة. فلو ساد هذا المنطق القائم على ” الفرز الطائفي ” في تحديد التحالفات، لانحسرت دائرة الدعم عن القضية الفلسطينية، ولأصبحت أكثر عرضة للتصفية تحت وطأة العزلة والضعف.
ولذا فإن بقاء القضية الفلسطينية وحيويتها مرتبط بقدرتها على تجاوز الاختبارات المذهبية والاستفادة من كل أشكال الدعم الاستراتيجي المتاح، على قاعدة أولوية مواجهة الاحتلال. إن الدرس المستفاد هنا هو أن التحالفات تُبنى على المصالح والأهداف الاستراتيجية العليا، لا على الهويات الفرعية الضيقة، وأن التمسك بالعداء المذهبي كمنطلق للعمل السياسي قد يُفقد القضية حلفاء أقوياء، ويُسهِّل على العدو تحقيق أهدافه.
