النظام البرلماني:
المثل أو النموذج الرئيسي لهذا النوع من الحكم هو نظام الحكم البرلماني البريطاني, وهو خلاصة لتطور أوضاع بريطانيا التاريخية والسياسية والاجتماعية على مدى عدة قرون, ومنها أي من بريطانيا انتشر وامتد إلى دول عديدة أخرى في أوروبا وآ سيا وأفريقيا والأساس فيه كما ذكرنا أنه يقوم على استقلال كل سلطة أو مؤسسة في الحكم بصنع قراراتها مع التعاون والرقابة المتوازنة ومع وجود قواعد ووسائل وأدوات للضبط والربط والتأثير المتبادل بينها.
أما موجز وملخص الخصائص النظرية الدستورية العامة لهذا النوع ولهذا النظام من الحكم فهي كالتالي:
– يقوم على فكرة المساواة والفصل المرن بين السلطات مع التداخل والتعاون بينهما في ممارسة وظائف الدولة.
– تقوم السلطة التنفيذية في هذا النمط من الحكم على فكرة الثنائية إذ ينقسم هذا الجهاز إلى رئيس وزراء وهو يرأس الحكومة ورئيس جمهورية أو ملك وهو يرأس الدولة وقد جاء هذا الانقسام بعد نقل سلطات الملك الفعلية إلى الحكومة لتكون مسئولة عن تصرفاتها ومن أجل إبعاد الملك بصفته رمزا للشعب والدولة عن المسئولية السياسية انطلاقا من المبدأ القائل: لا سلطات بلا مسئولية ولا مسئولية بلا سلطات.
– رئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الحكومة وهو أي رئيس الحكومة في العادة زعيم حزب الأغلبية في البرلمان.
– الحكومة في النظام البرلماني هيئة جماعية مما يعني أنها مسئولة جماعيا عن السياسية العامة التي تسير عليها أمام البرلمان.
– وسائل البرلمان في مراقبة الحكومة والضغط والتأثير عليها متعددة الصور والأشكال تتدرج من إثارة الأسئلة وحق الاستجواب والمناقشة إلى إقرار الميزانية والتشريعات والقوانين المالية وإنشاء لجان التحقيق, وتنتهي في الحالات القصوى بالمسئولية الوزارية أي بطرح أو سحب الثقة من الحكومة مما قد يؤدي في حالة نجاح المعارضة من الحصول على أغلبية أصوات النواب في البرلمان إلى استقالة الحكومة.
– وسائل الحكومة في الضغط على البرلمان والتأثير عليه كثيرة تبدأ بحق دعوته للانعقاد وحق فض الدورة والاستفادة بحق الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة في عملية التصويت وتنتهي بحق رئيس الوزراء في نصح رئيس الدولة وهي عامة نصيحة ملزمة بحل البرلمان وخاصة في حالات تعذر استمرار التعاون بينهما.
– مركز الثقل في هذا النوع أو النمط من الحكم يتمثل نظريا ودستوريا في الحكومة والهيئة النيابية معا.
– نجاح هذا النوع من الحكم البرلماني يتوقف على تعاون الحكومة والهيئة النيابية أو البرلمان بالمعنى الضيق, وإدراك كل منهما لشرعية الآخر وحدود قدراته.
– يتميز هذا النوع من النظام بنقل السلطة الفعلية من يد رئيس الدولة إلى الوزارة ورئيسها مع كفالة حقوق المعارضة.
نظام الحكم الرئاسي أو الحكومة الرئاسية:
عرف النظام الرئاسي أو الحكومة الرئاسية في بعض دساتير الثورة الفرنسية ولكن أهم وأشهر مجال طبق فيه بنجاح هو الولايات المتحدة الأمريكية وعن طريقها عرفت له بعض التطبيقات في دول أخرى من العالم وخاصة في دول أمريكا الجنوبية التي تأثرت بالسياسة الأمريكية ونموذج الحكم الأمريكي.
وهذا النمط من الحكم يقول على أساس الفصل النظري التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولكن هذا لا يعني بطبيعة الحال انعدام الاتصال بينهما, بل المراد به هو أن الفصل هو الأصل والأساس, وأن الاتصال والتداخل هو الاستثناء.
خصائص ومقومات الحكم الرئاسي أو الحكومة الرئاسية:
أمام أبرز الخصائص والمقومات العامة للحكومة الرئاسية أو نظام الحكم الرئاسي من حيث مظاهر الانفصال والاتصال بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فيمكن استخلاصها واستنتاجها من النظام الرئاسي الأمريكي بصفته النموذج الرئيسي الشهير والناجح لهذا النوع من الحكم وهي تدور حول:
– يتكون البرلمان أو الهيئة التشريعية عن طريق الانتخاب المباشر من الشعب حسب القانون والقواعد الدستورية.
– ليس للرئيس سلطة حل البرلمان باستثناء حقه في طلب عقد دورة غير عادية له أي للبرلمان.
– لا يجوز تعيين الوزراء والسكرتيرين في الهيئة التشريعية كما لا يجوز تعيين أعضاء الهيئة التشريعية في الإدارة الحكومية.
– يقوم هذا النظام على عدم تجزؤ أو انقسام السلطة التنفيذية فرئيس الدولة هو الرئيس المنتخب من قبل الشعب والحكومة تتمثل فيه وهو مسئول أمام الدستور.
– رئيس الدولة يعين مساعديه أو سكرتيريه ويعفيهم من مناصبهم وهم مسئولون أمامه وليس أمام الهيئة التشريعية.
– البرلمان هو الذي يسن القوانين والتشريعات وليس للرئيس حق إقتراحها –دستوريا- وله فقط حق توجيه رسائل سنوية إليه “أي للبرلمان أو الكونجرس” للاستنارة بها في دوراته السنوية.
– الرئيس مسئول أمام الدستور وليس أمام الهيئة التشريعية ولكن للمجلس التشريعي “البرلمان أو الكونجرس” الحق في توجيه الاتهام إليه ولكبار الموظفين في الدولة عند ارتكابهم لبعض المخالفات المخلة بأحكام الدستور, ويخضع هذا الحق لإجراءات صعبة ومعقدة تحد من إمكانية استخدامه.
– ليس لرئيس الدولة مباشرة بعض الاختصاصات المحددة دستوريا كعقد المعاهدات وإعلان الحرب دون موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ, ويستثني من هذا ما يعرف بالاتفاقات التنفيذية التي لا تخضع لهذه القيود.
– للرئيس حق الاعتراض على القوانين والتشريعات التي يصدرها البرلمان “الكونجرس” في مدة معينة فيعيدها إليه مرفقة بأسباب هذا الاعتراض فإذا أراد البرلمان أو الكونجرس رفع أثر الاعتراض “الفيتو” وإصدار القانون رغم اعتراض الرئيس فيجب أن يحوز القانون على موافقة أغلبية الثلثين ونادرا ما يستطيع البرلمان أو الكونجرس فعل ذلك بسبب وجود مؤيدي الرئيس من عناصر حزبه ضمن أعضاء الجهاز التشريعي.
– يحق لبعض الوزراء والموظفين الكبار في الجهاز التنفيذي حضور اجتماع بعض اللجان في المجلس التشريعي لشرح سياسة الحكومة أو لإقناع الأعضاء بالمشروعات وليس لهم حق الاشتراك في التصويت.
. نظام الحكم المجلسي أو نظام حكومة الجمعية النيابية:
الأساس النظري لنظام الحكم المجلسي أو نظام حكومة الجمعية النيابية يقوم على أولوية السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية أو بمعنى آخر اندماج السلطة التنفيذية في السلطة التشريعية وانبثاقها عنها انطلاقا من فكرة السيادة الشعبية أو سيادة الأمة التي لا تقبل التجزئة, وإن الحكومة يجب أن تكون أداة طيعة في يد الشعب ممثلا في الهيئة التشريعية أو المجلس المنتخب.
وقد طبق هذا النوع من الحكم في بعض دول العالم وفي مراحل تاريخية قصيرة ومحدودة كما حدث في إنجلترا في عهد كرومويل, وفي فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية وكذلك في تركيا في عهد مصطفى كمال أتاتورك, وتأخذ به في الوقت الحاضر إلى حد ما سويسرا “الإتحاد السوفيتي” كما تأثرت نظام الحكم في الإتحاد السوفيتي سابقا وبعض دول المنظومة الاشتراكية السابقة في شرق أوروبا والتي كانت تدور في فلكه.
ومن الناحية النظرية والدستورية فإن هذا النوع من الحكم يعد من أقرب نظم الحكم لمفهوم الحرية والديمقراطية الحقيقية, ولا توجد صعوبة في تصور قيام المجلس النيابي أو الهيئة التشريعية بالجمع بين وظيفة التشريع ووظيفة الحكم والمراقبة معا.
ولكن التطبيق والممارسة العملية أثبتت غير ذلك فالمجلس أو الجهاز التشريعي غير معصوم من الخطأ, ومن الممكن إذا تركزت السلطات فيه أن يجنح للإستبداد ويسيء استخدام سلطته, كما أن توليه الحكم وممارسة الحكم قد يفقده وظيفته الأساسية كمراقب للحكومة وكممثل للرأي العام, وقد ظهرت إمكانية التلاعب بهذا النوع من الحكم وممارسة الاستبداد في إطاره ومن خلاله كما حدث هذا في بريطانيا في فتره حكم كرومويل الجمهوري, وفي عهد روبسبير في فرنسا, وعهد وحكم كمال أتاتورك في تركيا وذلك عندما سيطر أولئك الحكام والزعماء الأقوياء على المجلس الوطني “الجهاز التشريعي” وعلى الحكومة المنبثقة عنه متسترين بشعارات سيادة الأمة والشعب.
وعموما فأبرز خصائص وسمات نظام الحكم المجلسي أو نظام حكومة الجمعية النيابية النظرية والدستورية هي:
– المجلس أو الجمعية النيابية تشمل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
– السلطة التنفيذية أو الحكومة عبارة عن لجنة منبثقة عن المجلس ولا وجود لرئيس الحكومة.
– المجلس التشريعي أو الجمعية النيابية هو أو هي التي تتولى تعيين الحكومة كلها من بين أعضائها.
– أعضاء الحكومة أو الهيئة التنفيذية هم عادة أعضاء في المجلس النيابي.
– الحكومة هيئة جماعية ومسئولة جماعيا أمام المجلس.
– الجمعية النيابية “المجلس النيابي” هي مركز الثقل في النظام السياسي من الناحية الدستورية.
– المجلس أو الجمعية النيابية لها حق حل نفسها بنفسها, ولا تملك الحكومة حق حلها كما هو الحال بالنسبة لنظام الحكم البرلماني.
. نظام الحكم شبه الرئاسي:
رغم أن نظم الحكم الثلاثة السابقة هي نماذج أو الفروع الرئيسية المشتقة من قاعدة أو معيار العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية “معيار صنع القرارات” إلا أن هناك نظم أخرى عديدة في العالم اتجهت منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين الماضي نحو المزاوجة بين قواعد النظام الرئاسي والنظام البرلماني واعتمدت لنفسها نموذجا جديدا في الحكم وهو النوع المعروف حاليا بالنظام شبه الرئاسي وهناك عدة دول عربية تأثرت كثيرا نظمها الحاكمة بهذا النموذج أو النظام مثل مصر واليمن وسوريا والجزائر وأشهر مثال لنظام الحكم الرئاسي هو النظام السياسي الفرنسي في وقتنا الحاضر الذي برز للوجود في عام 1958م في عهد الجمهورية الفرنسية الخامسة التي أرسى دعائمها وأسسها الدستورية والسياسية الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول, وكان من أبرز شروط قبوله للحكم في ذلك الوقت هو إعطائه فرصة إصلاح الأوضاع السياسية للبلاد وتغيير الدستور بما يوفر لها الاستقرار ويبعدها عن الاضطرابات والأزمات الوزارية التي عانت منها كثيرا في عهدي الجهموريتين البرلمانيتين والرابعة على السواء.
وأبرز الملامح العامة لنظام الحكم شبه الرئاسي وشبه البرلماني طبقا للنظام السياسي الفرنسي الحالي هو كالتالي:
– للحكم شبه الرئاسي مظهر برلماني ولكن الجوهر هو حكم رئاسي.
– السلطة التنفيذية في النظام شبة الرئاسي أقوى منها في النظام البرلماني ولكنها لا تصل إلى مستوى السلطة التنفيذية في النظام الرئاسي.
– تتكون السلطة التنفيذية في النظام شبه الرئاسي من فرعين هما:
1. رئيس الدولة وهو هنا رئيس الجمهورية وسلطته في هذا النظام ليست شرفية ولا اسمية بل له سلطة فعلية تتعدى في أهميتها سلطة الوزارة المسئولة ويعتبر هو النائب المباشر عن السيادة الوطنية أو القومية.
2. رئيس الحكومة الذي يسمى بالوزير الأول وهو يعتبر المسئول الأساسي لوظيفة الحكومة على مستوى تنفيذ القوانين وإدارة أعمال الحكومة وتوجيهها.
– لرئيس الدولة صلاحيات واختصاصات معينه بعضها يمارسها بصفته الفردية مثل تعيين رئيس الحكومة وحق قبول استقالته وتعيين كبار موظفي الدولة وتعيين السفراء والدبلوماسيين وقبول البعثات الأجنبية وإدارة الشئون الخارجية وتوجيه وزير الخارجية الذي لا يزيد دوره عن دور الإداري لا غير وهناك صلاحيات واختصاصات أخرى لرئيس الدولة يمارسها بالاشتراك مع الوزارة والبعض الآخر يفوضها إلى رئيس الوزراء.
– رئيس الدولة يدير عمل الحكم وهو غير مسئول سياسيا أمام الجهاز التشريعي ويسأل فقط في حالة الخيانة العظمى ويتهم بواسطة مجلسي البرلمان وهما الجمعية الوطنية “العمومية” ومجلس الشيوخ وبقرار موحد منهما على أساس الأغلبية البسيطة أو المطلقة =51% أو أكثر ويحاكم أمام المحكمة القضائية العليا.
– للرئيس “رئيس الدولة” حق شخصي في حل الجمعية الوطنية والاحتكام للناخبين إذا اختلف معه وعليه أن يشاور في موضوع الحل رئيس مجلسي البرلمان ولا يعد هذا عائقا له وتتم هذه المسألة في إطار القواعد النظامية المحددة في الدستور.
– يرتكز النظام شبة الرئاسي على قواعد الديمقراطية النيابية مع الأخذ ببعض مظاهر الديمقراطية المباشرة على سبيل الاستثناء مثل الاستفتاءات الشعبية في حالات معينة ينظمها القانون ودستور البلاد.
– لرئيس الدولة صلاحيات وسلطات ديكتاتورية مؤقتة يمارسها في أوقات الأزمات والحروب والأخطار الخارجية والداخلية بعد التشاوري مع رئيس الوزراء ومع المجلسين في البرلمان.
– لرئيس الدولة حق توجيه رسائل إلى البرلمان تسمع وتناقش.
– من يتم اختياره من أعضاء البرلمان في الوزارة يتخلى تلقائيا عن عمله النيابي ولا يحق له شغل أي وظائف أخرى.
– الحكومة مسئولة جماعيا وفرديا سياسيا وجنائيا أمام البرلمان وعليها واجب الدفاع عن سياسة الحكومة والرد على الأسئلة المثارة حولها ويملك البرلمان حق توجيه اللوم للوزارة وإمكانية استخدام طرح الثقة بها إرغامها على الاستقالة إذا توفرت النسبة المحددة نظاميا ودستوريا في عملية التصويت وهي ليست بالعملية السهلة في النظام الفرنسي.
– تملك الحكومة بالاشتراك مع الرئيس حق دعوة البرلمان لعقد دورة غير عادية.
– يملك رئيس الدولة حق إعادة التشريعات المقرة في البرلمان بقصد إعادة النظر فيها في مدة معينة فإذا أقرها البرلمان ثانية تصبح ملزمة للرئيس وفي العادة فإن الجمعية النيابية الوطنية تتحاشى الصدام معه لأنه يملك حق حلها.
– تحدد الحكومة السياسية العامة وتهيمن على القوات المسلحة والإدارة .
– يتدخل مجلس الوزراء في جدول أعمال البرلمان وترتيب الأولويات في المواضيع والمشاريع القانونية المعروضة للنقاش والتداول فيه .
– يحق لمجلس الوزراء الطلب من الجمعية العمومية تأجيل النظر في بعض مشروعات القوانين المختلف عليها نهائياٍ.
– للحكومة حق إعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة ولكن إعلان الحرب هو من اختصاص البرلمان بمجلسيه.
– الوزن السياسي الرئيسي في النظام شبه الرئاسي هو لرئيس الدولة ولقوة شخصيته دوراٍ مهماٍ في مجال تحريك الوزير الأول ولكن يظل مجال التفاهم أو الخلاف بينهما مفتوحاٍ وخاصة عندما يتم تعيين رئيس الوزراء من كتلة الأغلبية البرلمانية المعارضة كما حدث هذا في فترة الحكم الثانية للرئيس الفرنسي الراحل ميتران وكما هو الحال في الوقت الحاضر = أكتوبر عام 2000م = إذ لا ينتمي رئيس الوزراء إلى التكتل السياسي الموالي للرئيس شيراك في البرلمان وعلى كل حال ففي كلتا الحالتين المذكورتين فقد التزمت الرئاسة الفرنسية والحكومة الفرنسية بفكرة التعايش والعمل معا من أجل الصالح العام .
عضو مجلس إدارة “منارات”
أستاذ العلوم السياسية-جامعة صنعاء
قد يعجبك ايضا
