اليمن يشهد اليوم أحد أخطر المنعطفات في تاريخه الحديث حيث تتصاعد أصوات وتحركات تدفع نحو التقطيع والتقسيم في لحظة حرجة يحتاج فيها الوطن إلى التماسك أكثر من أي وقت مضى.
قد يرى البعض في تقسيم اليمن مخرجاً سهلاً من أزماته المزمنة لكن التجربة والواقع يؤكدان أن هذا المسار لن يكون سوى بوابة لفوضى أوسع واستمرار غير منضبط للنزاعات التي أنهكت البلاد وشعبها.
فالتشظي لا يحل الأزمات الجذرية، بل يعمقها ويخلق حولها مشكلات جديدة. إن تمزيق النسيج الوطني اليمني سيحول الخارطة إلى كيانات هشة متداخلة المصالح ومتنافسة النفوذ مما يفتح الباب لصراعات داخلية لا نهاية لها. وفي بلد غني بتنوعه وتشابك هوياته المحلية سيتحول هذا التنوع الجميل – بفعل التقسيم – من مصدر قوة إلى خطوط تماس ساخنة للاشتباك. كما أن الموارد الطبيعية والحدود الجغرافية لن تصبح إلا نقاطا للتوتر القابل للاشتعال في أي لحظة. والأخطر أن هذا التفكك سيوفر ساحة مفتوحة للأطراف الإقليمية والدولية للتدخل بشكل أعمق مما يهدد استقرار المنطقة بأسرها ويجعل من اليمن ساحة دائمة لصراعات بالوكالة.
إن الخيار الوحيد الواقعي والمستدام أمام اليمن هو الحفاظ على وحدته كدولة. فالدولة الموحدة هي الإطار الوحيد القادر على احتواء الجميع وصياغة عقد اجتماعي جديد ينهي العنف ويعيد بناء المؤسسات. هي وحدها التي يمكنها تحقيق تنمية عادلة تشمل كل المحافظات وضمان سيادة الوطن في وجه التدخلات الخارجية. لن تنجح أي اتفاقية سلام أو مبادرة سياسية ما لم تكن مبنية على يقين راسخ بأن اليمن الموحد هو الضامن الحقيقي للعدالة والاستقرار.
هنا تبرز المسؤولية التاريخية للنخب السياسية والفكرية والاجتماعية. فالكلمة في هذا الظرف الحساس ليست محايدة، فهي إما أن تكون جسرا للإنقاذ وإما وقودا يزيد الأزمة اشتعالاً. المطلوب اليوم خطاب وطني يعلو فوق الصغائر ويضع مفهوم المواطنة والدولة فوق كل الاعتبارات الجهوية أو الحزبية الضيقة. المطلوب قيادات تتحلى بشجاعة تقديم المصلحة العليا للوطن وتدرك أن التاريخ سيكون قاسيا مع كل من يساهم في تفتيت بلاده.
إن اليمن بصموده الحضاري الطويل وبتنوعه الغني قادر على تجاوز محنته. المخرج يبدأ من الإرادة الصادقة والرؤية المشتركة التي ترفض التقسيم وتعمل على استعادة الدولة.
الوحدة ليست مجرد خط على الخريطة، بل هي مشروع حياة لبناء وطن يسع الجميع بكرامة ومساواة. مسؤولية الدفاع عن هذا المشروع تقع على عاتق الجميع: قيادات ونخباً ومواطنين، فالوطن لا يبنى بالتشرذم ولا ينهض بالتمزق. واليمن، بأصالته وتنوعه يستحق أن يبقى وحدة واحدة قوية قادرة على النهوض من رماد أزماتها لا أن يحكم عليه بالتشتت والضعف على هامش التاريخ.
