قراءة في كتاب ثورة 21 سبتمبر وتأثيراتها على اليمن والمنطقة العربية

مراد راجح شلي

 

كتاب الرئيس مهدي المشاط، الذي جاء في إطار رسالته للماجستير، لا يُقرأ على أنه مجرد بحث جامعي، بل وثيقة فكرية تدمج الرؤية بالواقع والتاريخ بالهوية والسياسة بالرسالة الأخلاقية. فالرسالة تؤصل لماهية ثورة 21 سبتمبر، وتقدمها ليس كحدث سياسي عابر، بل كتحول تاريخي وفكري يربط الماضي بالحاضر ويصوغ تجربة وطنية استثنائية.

فالرسالة ترى الثورة امتدادا طبيعيا لروح الشعب اليمني الذي تعلّم على مر القرون أن يرفض الاستبداد ويقاوم الهيمنة، كما نقرأ في صفحات التاريخ الإسلامي حين واجه الأنبياء والأولياء قوى الطغيان. تستحضر الرسالة هذه الرمزية لتؤكد أن الثورة ليست نزوة سياسية، بل تكريس لفطرة العدالة والمقاومة التي توارثها اليمنيون منذ القدم، مستندة إلى قيم قرآنية متجذرة جعلت الصمود والتمسك بالحق من أسمى الفضائل.

ويوضح الكتاب كيف تشكلت الثورة كرد فعل طبيعي على فساد مؤسسات الدولة وتهميش الشعب وتبعية القرار الوطني، لكنها تجاوزت رد الفعل إلى صياغة رؤية شاملة لمواجهة الأخطار المحدقة بالوطن.

فعلى الرغم من الحرب والحصار الاقتصادي والضغوط الإقليمية، استطاعت الثورة أن تتحول إلى قوة حية تقاوم الاستكبار مستندة إلى إرادة الشعب وإيمان القيادة بأن السيادة الوطنية واجب وجودي.

يسافر بنا الكتاب عبر رحلة منهجية اعتمدت الأطر العلمية للحديث عن نشأة أنصار الله ومن ثم يسرد أوجاع الحروب الست الظالمة ثم يعرج بنا للأحداث التي سبقت ثورة 21 سبتمبر والأسباب المختلفة التي مهدت لقيام الثورة.

يشرح الكتاب ديناميكية ثورة 21 سبتمبر ومراحل تطور العمل الثوري ويقدم نتائجها وتأثيرها على المستويين الداخلي والخارجي

تتميز لغة الرسالة ببلاغتها التي تحمل صوت التاريخ وأبعاد الرسالة القرآنية، فتبدو الصفحات خطابا يجمع بين التحليل الأكاديمي والصوت الوطني الحر.

فالقراءة الواعية تكشف أن المشاط لا يكتب فقط لإرضاء معايير البحث العلمي، بل ليقدم رؤية شاملة تربط بين تجربة اليمن الحديثة وقيمه الأصيلة وتاريخ الأمة في مقاومة الطغيان.

فتصبح الرسالة بيانا فكريا يوازي فعل الثورة ويجعل من العلم امتدادا للمقاومة.

بهذا يضع الكتاب ثورة 21 سبتمبر في قلب التجربة اليمنية المعاصرة، ويؤسس لفهم جديد لدور اليمن في المنطقة ليس كدولة مقاومة فقط، بل كرمز قيمي يناصر المظلومين. ويؤكد أن الحرية والسيادة والهوية ليست شعارات عابرة، بل واجبات تاريخية يجب أن تصان مهما اشتدت التحديات.

فتغدو الرسالة وثيقة تجمع بين التاريخ والفكر والسياسة، تثبت أن الثورة لم تكن لحظة عابرة بل مشروعا حضاريا متكاملا قادرا على صون الحقوق ومواجهة الظلم.

 

***

يقدم الرئيس مهدي المشاط كتابه كحقيقة تعكس عقلية قيادية مشغولة بالتحليل العميق والبحث عن معايير النهضة في واقع يزخر بالتحديات.

يمزج النص بين صرامة البحث العلمي وحس المسؤولية التاريخية، فيتعامل مع القضايا ليس كموضوعات نظرية بل كأسئلة وجودية ملحة تتعلق بمصير الأمة اليمنية وهويتها.

ويلاحظ قارئ الرسالة حرص المشاط على أن يكون البحث صانعاً لرؤية تستحضر التاريخ والواقع ليضع لبنة في مشروع وعي متماسك يفضح الاختلالات الفكرية ويقترح طريقا عمليا يتسق مع القيم الإيمانية والخصوصية الحضارية لليمن.

تتضمن الدراسة روح نقدية دقيقة، تقف عند مواطن الضعف في المواقف المعادية للثورة وتفكك أوهام الرؤى المبتورة التي تبنتها نخب راديكالية مرتهنة لقوى الاستكبار العالمية .

الكتاب لا يكتفي بالنقد، بل يقدم رؤية الثورة لبناء الدولة والمجتمع على أسس العدالة والحرية والاستقلال والاعتماد على الذات، وهي رؤية تتجاوز الإطار الأكاديمي لتعكس تجربة ثورة 21 سبتمبر الواقعية في إدارة دولة تكالبت عليها القوى المهيمنة وترزح تحت الحصار .

اللغة المستخدمة في الرسالة مشبعة بروح الانتماء والإيمان، فكأن الصفحات قطع من خطاب تاريخي تحمل عبق التراث الإسلامي وتستنطق التجربة اليمنية بأصالتها.

إن حضور الهوية القرآنية في النص يضفي عليه طابعا رساليا، حيث تتحول المفاهيم الأكاديمية إلى جواهر فكرية تبنى عليها وعيا جمعيا صلبا.

لذا فلا تقرأ الرسالة كبحث علمي فقط، بل كوثيقة بلاغية تلامس وجدان القارئ وتدفعه لمراجعة قناعاته حول المشروع الوطني.

بهذا يصبح الكتاب أكثر من منجز علمي؛ إنه وثيقة فكرية تؤسس لمرحلة جديدة من الحضور اليمني في ميدان الفكر والسياسة.

فالباحث المشاط لم يكتب ليملأ رفوف المكتبات، بل ليقدم أطروحة متوهجة تستمد قوتها من معاناة شعبه، وتستند إلى يقين راسخ بأن المستقبل يُصنع بإرادة لا تلين وعقل لا يخضع لإملاءات الآخر وقيم لا تتخلى عن جذورها..

قد يعجبك ايضا