في ظل مرحلة إقليمية مضطربة تتشابك فيها المشاريع الدولية والإقليمية، وتتكشّف فيها حقيقة العداء الذي يواجهه اليمن والأمة العربية والإسلامية، بات من الواضح أن محور الصراع لم يعد مجرد مواجهة عابرة، بل هو صراع وجودي يتجاوز حدود الجغرافيا، ويستهدف الهوية والإرادة وحق الشعوب في العيش بكرامة وحرية. فالعدوان الصهيو–أمريكي لم يعد خافيًا على أحد، كما أن الأنظمة التابعة التي تدور في فلكه تقدّم نفسها جزءًا من مشروع يستهدف المنطقة برمتها، ويفتح الباب أمام مزيد من الهيمنة على مقدرات الشعوب.
لقد أثبت اليمن – يمن الإيمان والحكمة والأنصار – خلال السنوات الماضية أنه ليس مجرد بلد يدافع عن حدوده فقط، بل شعب يمتلك رؤية واضحة لموقعه في مواجهة المشروع المعادي، وشعب يمتلك من الوعي والإصرار ما يجعل حضوره أكثر تأثيرًا في معادلة الصراع. فاليمنيون اليوم جزء من معركة أكبر، معركة تحدد مستقبل المنطقة، وتكشف مَن يقف مع الأمة وقضاياها ومَن يقف في الصف المقابل.
ومع كل تصعيد يفرضه العدو في فلسطين أو في البحر الأحمر أو في المنطقة عمومًا، تبرز جاهزية الشعب اليمني وقواته المسلحة، التي انتقلت بسلاحها من مرحلة البناء والإنفاق إلى مرحلة التطوير والإطلاق، في رسالة واضحة بأن قدرة الردع باتت خيارًا ثابتًا وفاعلًا، وأن زمن الاستباحة قد انتهى. فالتحول العسكري الذي شهده اليمن في مجال الصواريخ والطيران المسيّر والقوات البحرية ليس حدثًا عابرًا، بل نتيجة مسار طويل من الصمود والتحدي والعمل الدؤوب، رغم الحصار والعدوان وشح الإمكانيات.
إنّ هذا التطور لم يأتِ من فراغ، بل جاء من إيمان الشعب اليمني بعدالة قضيته، ومن قناعته بأن الدفاع عن المستضعفين – وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني – ليس مجرد تضامن عابر، بل واجب ديني وأخلاقي وإنساني. فمع كل جريمة يرتكبها الاحتلال في غزة والضفة، ومع كل دعم يوفره له داعموه، تتعزز لدى اليمنيين قناعة بأن معركتهم جزء من معركة الأمة بأكملها، وأنهم جزء فاعل في منظومة مقاومة واسعة تتحد في الهدف والرسالة.
وتدرك القيادة اليمنية، ممثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، أن مواجهة التحديات القادمة تتطلب رفع مستوى الاستعداد وبناء جبهة وطنية متماسكة، تُدرك حجم التهديدات وتتحمل مسؤوليتها التاريخية. ولهذا جاء التأكيد المتكرر على أن الأيدي على الزناد، وأن أي عودة للعدوان ستقابل برد أقوى وأشد، وهو موقف تحليليًا يعكس رؤية استراتيجية تقوم على مبدأ الردع المتوازن، وامتلاك القدرة على مفاجأة العدو وتغيير معادلاته.
ومن الناحية السياسية، يشكّل الموقف اليمني اليوم حالة فريدة في المنطقة؛ فهو موقف يرفض التبعية، ويصر على استقلال القرار الوطني، ويرفض الانخراط في المشاريع الأجنبية التي تستهدف الأمة. وهذا ما أثار حفيظة الأنظمة التابعة، التي رأت في صمود اليمن تهديدًا مباشراً لواقعها السياسي القائم على الارتباط بالخارج. فبينما يقدّم اليمن نموذجًا لشعب يقاوم رغم الحصار، تقدّم تلك الأنظمة نموذجًا آخر تمامًا، قائمًا على دعم العدوان على غزة، وغضّ الطرف عن الجرائم التي تُرتكب بحق الأطفال والنساء، بل والانخراط في مسار سياسي وعسكري يخدم المشروع الصهيوني بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن التطور العسكري اليمني، وما يصاحبه من وعي شعبي واسع، يجعل المرحلة القادمة مرحلة حاسمة، تتطلب من الجميع – أفرادًا ومؤسسات – المشاركة الفاعلة في صناعة النصر وكتابة التاريخ. فالمعركة اليوم ليست معركة سلاح فقط، بل معركة وعي وإعلام واقتصاد وثبات في الموقف. وهي معركة تتطلب تعزيز الروح الوطنية، والتحضير المستمر، والوقوف إلى جانب الجبهات التي تدافع عن الوطن وعن قضاياه المركزية.
إنّ الشعوب الحرة هي التي تكتب تاريخ الأمة، وهي التي تقلب موازين القوى مهما كانت التحديات. واليمن اليوم، بصموده وإيمانه وعدالة قضيته، يقدم نموذجًا تاريخيًا لما يمكن أن تصنعه الإرادة الشعبية حين تتوحد مع القيادة الواعية والرؤية الاستراتيجية. ومع كل ما يواجهه اليمن من حصار وعدوان، سيظل ثابتًا على مواقفه، مدركًا أن النصر يصنعه الذين لا يساومون على كرامتهم ولا يتراجعون أمام الضغوط، وأن المعركة مع الاحتلال ومع من يقف إلى جانبه هي معركة وعي وصمود وإيمان بعدالة القضية.
وأمام هذه الحقائق، يصبح واجبًا على كل يمني شريف أن يكون جزءًا من هذه المسيرة، كلٌ بحسب موقعه، للمساهمة في تعزيز القوة الوطنية، ودعم خيارات الشعب، والوقوف إلى جانب المستضعفين في فلسطين وفي كل مكان، وإسناد الجهود التي تحمي اليمن وتصون قراره وتشارك في صناعة مستقبل يليق بتضحيات الشهداء وصبر الشعب.
إنّ المرحلة القادمة مفتوحة على احتمالات كبيرة، لكن اليمن أثبت أنه حاضر وجاهز، وأن إرادة شعبه قادرة على مواجهة كل التحديات، وأن هذا الشعب الذي وضع يده على الزناد لن يرفعها إلا حين يتحقق النصر وتستعيد الأمة عزتها وكرامتها.
