قلة الدخل تفاقم الديون على الأسر اليمنية


تحقيق/ أحمد الطيار –

للمرة الأولى يتحدث أرباب الأسر اليمنية علانية عن تفاقم الديون عليهم بمئات الآلاف من الريالات ليس لصالح البنوك التجارية والإسلامية كما في الدول الأخرى وإنما لأصحاب البقالات والسوبر ماركات وأصحاب البيوت المؤجرة وكل ذلك جراء تناقص دخلهم من شهر لآخر واستنفادهم لمدخرات سابقة دون تعويضهافيما تحتاج أسرهم لمصاريف معيشية يومية لمواجهة الغذاء والدواء في أحلك الظروف .

يحكي الواقع قصصا عن الديون المتراكمة على الأسر اليمنية وتتلخص معظمها في الطبقة محدودة الدخل كالموظفين وأصحاب المهن اليدوية فهؤلاء ونتيجة لاعتمادهم على رواتب وظائفهم أو دخل مهنهم الشهري يقعون فريسة سهلة للديون إذ تعجز مداخليهم عن الوفاء بمستحقات معيشتهم طوال الشهر مما يحتم عليهم الاقتراض من الآخرين أو تراكم الديون من يوم لآخر لمن يتسوقون منهم حاجياتهم ومصروفاتهم المعيشية ومن خلال الحديث مع الكثير من المعارف والزملاء اكتشفنا هما مشتركا يقع العديد من الموظفين فيه وهو قلة الدخل حيث يسهم في وقوع الأسر في الديون لأنها تصرف مبالغ مالية تفوق دخلها بنسبة 30-5-% وهذا كمتوسط للأسر المتصفة بتدبير معيشتها في أحلك الظروف يقول المدرس عبد الله حاتم انه يتسلم راتبه يوم 27 في الشهر لكنه يجد نفسه في مأزق كيف يصرفه حيث يحتاج 23 ألف ريال للبقالة و25 ألف ريال إيجار المنزل فيما راتبه 65 ألف ريال ويتطلب منه ميزانية مصروف المدارس للأولاد واحتياجاتهم في حدود 20 ألفاٍ وهكذا يحتاج لنفقات عامة نحو 68 ألف ريال بفارق 3 آلاف ريال عن راتبه أما ما يحتاجه من مصاريف يومية مثل كشراء فاكهة أو حلويات للأطفال وقات لحضور مناسبة فهو يعتبر من التجاوزات التي تسبب تفاقم الديون عليه.
المدرس عبد الله حاتم ليس الوحيد من بين زملائه بل هو نموذج لمعاناة الآلاف من الموظفين محدودي الدخل الذين ينتظرون رواتبهم آخر الشهر بفارغ الصبر عندها يتألمون من كيفية التصرف به فهم لا يدرون كيف ينفقونه وعلى أي المستلزمات يمكنهم توزيعه لقلته.

اللجوء للسلف
حين يكون الدخل محدودا كرواتب الموظفين مع الدولة أو القطاع الخاص والذين لايوجد لهم دخل آخر يحصلون منه على ريال واحد هؤلاء معاناتهم كبيرة فهم يدركون أن عليهم الاقتراض وأخد سلفة مالية من الغير لمواجهة نفقات أسرهم ومن ضمن الطرق المتبعة فتح حسابات للمصاريف الغذائية لدى أصحاب البقالات لتزويدهم بالمؤن الغذائية طيلة الشهر وهكذا يستلم الموظف راتبه ويجري آخر الشهر سريعا لتسديد صاحب البقالة وكذلك ايجار المنزل وحين يعجز تسجل عليه قروضا للشهر القادم وعندما تتفاقم الديون عليهم يكون مصيرهم الدخول في نزاع ومشاكل والوصول لأقسام الشرطة.

نماذج
يكشف أصحاب البقالات والبيوت المستأجرة عن أرقام كبيرة كديون لهم من قبل زبائنهم ويحكي لنا خالد الحيمي عن ديون بلغت حوالي 3 ملايين له على زبائنه بعضها منذ ستة أشهر ويقول الغالبية من هؤلاء المدينين هم من الموظفين محدودي الدخل كالمدرسين وموظفي الوزارات والعسكر وهذا ماسبب لهم تعاسة وإحراجا دائما جعلهم يتحاشون الاقتراب منا بل والاختباء في أحيان أخرى ويقول الموظف عباس النهاري انه متأخر عن تسليم إيجار المنزل وتسديد البقالة التي توفر له المواد الغذائية ومصروفات المنزل منذ ثلاثة أشهر ولهذا يحس بالقلق والإحراج منهم عندما يجدهم في الشارع بل ويختفي أياما منهم ويشاطره المشكلة محمد القدمي موظف حكومي ويقول أن عليه حوالي 120 ألف ريال من نفقات عيد الأضحى المبارك لم يستطع تسديدها لصاحب البيت المستأجر منه وأصحاب البقالات التي يشتري منهم المواد الغذائية أما عبد الخالق الحرازي فهو الآخر مديون بحوالي 230 ألف ريال إيجارات متأخرة ورسوم أولاده في المدارس وفواتير كهرباء وماء وقيمة مصاريف شهرين لصاحب البقالة.

حسرة تتجدد
رغم علم ويقين جميع موظفي الدولة أن الراتب لم يعد يكفي لتوفير احتياجات ثلث الشهر فأن أحلامهم التي يطمئنون بها نفوسهم هي الوحيدة الباقية لهم بالآمال منتعشة في قلوبهم فهم يرون أن الأحوال ستتغير ويكون الراتب في يوم ما كافيا لحياة مستقرة لهم ولأسرهم لكن دون معرفة متى يحين ذلك ولهذا تنقلب معاناتهم مع الراتب في انتظاره طيلة 30 يوما والحسرة من إنفاقه أمثلة للصبر وحسن البلاء ويتضرعون إلى الله أن ينقذهم من هذا الوضع ويدعون الحكومة للبحث عن مخارج لتحسين معيشة الناس فهذا الوضع لم يعد يحتمل.

مسببات
يضع المحللون الاقتصاديون أسبابا كبيرة للمشكلة الاقتصادية التي تواجه الأسر اليمنية وتؤثر في تدني مستوى دخلها وعلى رأس تلك الأسباب ما يرتبط بالوضع والاستقرار برمته فقد أسهم تفشي ظاهرة الانفلات الأمني وارتفاع وتيرة ومستوى الأعمال الإرهابية في كبح جماح الاستثمارات المحلية المتجهة للسوق والتي تشغل الآلاف من الأيادي العاملة كما أن قلة إيرادات الدولة أسهمت في وقفها للكثير من المستحقات للموظفين وبالتالي فقدان حوالي 40% من دخلهم من وظائفهم مع الدولة كالمواصلات والأعمال الإضافية وغيرها كما أن تلك الأعمال المتعلقة بالوضع والاستقرار بددت تطلعات أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في إمكانية قيام مشروعات استثمارية جديدة تستقطب الأيدي لعاملة وترفد خزينة الدولة بالموارد الأمر الذي زاد من حدة البطالة وانخفاض مستوى الطلب على الأيادي العاملة بشكل ملحوظ من جهة أخرى .

محدود
تبدو قلة الدخل لليمنيين واضحة المعالم فهناك حوالي 98 % من المواطنين يعيشون ضمن فئتي متوسط وضعيف الدخل حيث لا يحصلون إلا على 20% من الدخل القومي في اليمن في حين يستأثر 2%من السكان على ما مقداره 80 % من دخل أفراد المجتمع اليمني ككل وهي معادلة تفسر وضعا اقتصاديا غير سوي من جهة وتكشف عن خلل في توزيع الثروة في بلد سكانه أكثر من 24 مليون نسمة أكثر من 50% منهم في فئة الشباب وبحاجة لفرص عمل .

تحدي الفقر
يعد الفقر احد التحديات التي تواجه اليمن قديما وحديثا ولعل الفشل في تراجعه يعود إلى سوء إدارة الاقتصاد التي تتبناه الحكومة حاليا كما يقول الدكتور ياسين المقطري أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء يعود بالمقام الأول إلى عدم تنفيذ سياسة اقتصادية حكيمة تضع أولوياتها لتنفيذ برامج اقتصادية حقيقية لمواجهته بجد وثانيا الى سوء الإدارة نفسها .
ورغم أن الحكومة تعترف بارتفاع نسبة الفقر إلى حوالي 54.4% من السكان فإنها حتى الآن لم تتخذ إجراءات عملية لتحسين مستوى دخل الموظف ولا الفقراء ويخشى أن يجد اليمنيون أنفسهم في براثن الفقر فلا حكومة تقوم بواجبها ولا قطاع خاص تحمل مسئوليته ويقول برنامج الأغذية العالمي إن نسبة انعدام الأمن الغذائي قد ارتفعت إلى حوالي 44.5% من السكان وهذا يعني ارتفاع عدد السكان الذين لا يحصلون على غذاء كاف إلى أكثر من 10 ملايين نسمة وهذا يستدعي توسيع برامج الحماية الاجتماعية بصورة عاجلة للفئات الأشد فقرا وتضررا.

قد يعجبك ايضا