
كما هو معلوم أن الخارطة الحزبية في اليمن شهدت منذ 2011م نشوء عدد من الأحزاب والمكونات السياسية ذات التوجهات والأفكار والإيديولوجيات المتباينة, ولكن السؤال الأهم الذي يطرح هو هل ظهور هذه الأحزاب الجديدة يعكس حالة الديمقراطية والحرية السياسية في بلادنا .. أم أن ظهورها حالة عرضية تنتهي مع تحقيق مصالحها الشخصية¿ وهذا ما سلطنا عليه الضوء في ثنايا هذا الاستطلاع الذي أجرته «» مع نخبة من الأكاديميين السياسيين, كما يلي:
في البدء أوضح الأستاذ الدكتور موسى علاية – أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء- أن هذه الأحزاب هي نتاج طبيعي لما عانه ويعانيه اليمن من حراك وتقلبات سياسية واجتماعية أدت إلى تغيرات حدثت في شبكات الحكم وخصوصا من بعد عام ????م حتى اليوم. مبينا أن ظهور هذه الأحزاب لا يعني وجود جو ديمقراطي وحرية سياسية في اليمن بالمفهوم الواضح للديمقراطية وإنما كانت نتاج لانشقاقات بعض الأشخاص والشخصيات من أحزاب مؤثرة ومسيطرة على الساحة السياسية في اليمن, بدافع رئيسي يتمثل في شعورها بأن مصالحها لم تعد رهينة بقائهم في الكيانات السياسية التقليدية, لذا عمدت إلى إنشاء أحزاب جديدة تحت قيادتها أمل الحصول على جزء من كعكة الحكم كنتيجة للتسوية السياسةº وفقا للمبادرة الخليجية التي تمت بين الأطراف المتصارعة في اليمن. ولكن هذه الأحزاب المصلحية ستتفرخ خصوصا مع الواقع السياسي الجديد في اليمن, وقياداتها تبحث الآن على أماكن جديدة لتأمين مصالحها وفقا لمعطيات الواقع الراهن, كون معظم هذه الكيانات هي جماعات مصالح أكثر من أن تكون أحزاباٍ سياسية ذات توجهات وطنية. ولكن “لا يعني هذا أن الأحزاب الجديدة كلها أحزاب مصالح هناك بعض الأحزاب التي تم إنشاؤها حديثاٍ ولها توجهات وطنية ومناهج إصلاحية, ولكن هذه الأحزاب هامشية لم تجد من يقبل بها في المجتمع, نتيجة لأسباب متعددة منها: شحت مواردها المالية التخلف الاجتماعي, وضعف الوعي المجتمعي السياسي افتقار قيادات هذه الأحزاب لتجارب العمل السياسي في الميدان, وهذا أنتج ما نسمع به الآن عن أسماء نشوء هذه الأحزاب دون أن نجد لها أفعالاٍ ذات فاعلية”.
وفي ختام حديثه يرى أن الخارطة الحزبية في اليمن لن تتغير بشكل كبير لأن الأحزاب التاريخية لا تزال تسيطر على العمل السياسي, حتى وإن وجدت أحزاب سياسية جديدة ستكون هامشية وفي حالة واحدة سيكون هناك حزب قوي من الأحزاب الجديدة في حالة انتمائه الكلي لمكون أنصار الله.
ترهل الخارطة
وباستطراد تاريخ تحدث الأستاذ الدكتور محمود البكاري -أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة تعز- قائلاٍ: “إن نشأت الأحزاب السياسية في اليمن قديمة وتعود إلى منتصف القرن العشرين أي إلى مرحلة ما قبل قيام الثورة اليمنية 1962م, ولكنها مرت خلال فترة التشطير بحالة من الكمون القسري بسبب وجود نظامين سياسيين شموليين في شطري اليمن سابقا حيث تم تحريم الحزبية وتجريم ممارسيها بنصوص تشريعية واضحة وما نتج عنها من عملية القمع والعنف في التعامل مع الواقع التعددي, ومع ذلك لم تنتهى الأحزاب السياسية وظلت تمارس وجودها وعملها بسرية تامة كأمر حتمي, لذلك وفي عشية إعلان تحقيق الوحدة اليمنية 22 مايو 1990م ظهرت على الساحة السياسية كثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية بلغت قرابة 44 حزبا وتنظيما سياسيا, وكان هذا الظهور الكبير والسريع للأحزاب السياسية سابقا لصدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية والذي صدر بعد عام من إعادة تحقيق الوحدة اليمنية برقم (61) لسنة 1991م, ومع ذلك لم يطبق هذا القانون بسبب تأخر صدور اللائحة التنفيذية للقانون والتي صدرت عام 1995م وهذا من أهم المأخذ التي ترتب عليها ترهل الخارطة الحزبية, ما يعنى أن الأحزاب السياسية في اليمن ظلت ولفترة خمس سنوات تعمل خارج نطاق القانون وبصدور اللائحة التنفيذية لقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية تقلص عدد الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى 22 حزبا وتنظيما سياسيا والعدد الكبير من هذه الأحزاب السياسية اكتفت بالحصول على الترخيص ولم تتحول إلى قوى سياسية فاعلة, وعادة ما توصف هذه الأحزاب بأنها أحزاب مفرخة تتبع الأحزاب الكبيرة بصورة ربما تعكس وجود مصالح شخصية لقادة ومؤسسي هذه الأحزاب أكثر من كون العملية تهدف إلى تحقيق المشاركة السياسية للمواطن وتفعيل مبدأ التداول السلمي للسلطة, ثم وعلى إثر قيام الثورة الشبابية عام 2011م برزت إلى الساحة الوطنية عددا من الأحزاب السياسية بعضها حصل على تصريح مزاولة العمل السياسي وبعضها قيد التأسيس وهي في كل الأحوال عبارة عن إضافات كمية وليست نوعية, لأن الملاحظ هو عدم انتعاش الحياة السياسية في اليمن على الأقل منذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990م كحدث اقترن بإعلان التحول الديمقراطي نحو التعددية السياسية والحزبية, والسبب المباشر هو عدم وجود أحزاب تنتهج الممارسة الديمقراطية قولا وعملا في بنيتها التنظيمية الداخلية وفي المجال العام لتشكل بذلك نموذجاٍ للإشعاع الديمقراطي.
لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين
وفي ختام حديثه توقع الدكتور البكاري أن تظل حالة الركود والجمود والتكلس السياسي هي السمة السائدة في المشهد السياسي اليمني لأنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون أحزاب ديمقراطية قوية وفاعلة إلا إذا كان تفكير الأحزاب السياسية يتمثل في أن الديمقراطية توجد أولاٍ لتتحول بعد ذلك إلى أحزاب ديمقراطية حديثة فهذا أمر آخر وهو المستحيل بعينه لأنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون ديمقراطيين, وهذا ينعكس سلبا على تحقيق مطلب الاستقرار السياسي كشرط أساسي لتحقيق التطور المجتمعي, لأن الصراع السائد في اليمن هو صراع سياسي بمعنى أن المجتمع اليمني لا يعاني من الصراع الاجتماعي الطبقي أو الطائفي أو حتى المذهبي وبالتالي فإن الحل يتمثل بإيجاد الممارسة الديمقراطية وإيجاد أحزاب سياسية مدنية وحديثة, تكون على درجة كبيرة من الوعي والنضج السياسي.
سوق سياسية سوداء
من جهته تحدث المحلل السياسي والخبير الاقتصادي الأستاذ الدكتور عبد السلام المخلافي, قائلاٍ: “قد يكون من باب التجوز اللغوي تسمية هذه التكوينات الهلامية أو الهزيلة “أحزاب” إذا نحن أخذنا في التقييم المعايير العلمية المطبقة لتحديد ما إذا كانت جماعة أو تكويناٍ ما تشكل حزبا أم لا والتي من بينها البنية التنظيمية والقاعدة الاجتماعية والإيديولوجية والقدرة على المشاركة السياسية من خلال التواجد في البرلمان وتاريخ النشأة والتمويل “. مؤكدا أن الأحزاب تولد استجابة لحاجات اجتماعية ولقاعدة عريضة من المجتمع تبحث عمِن يتماها معها ويحسن تمثيلها ويلبي مطالبها والدفاع عنها ولا يمكن عكس هذه الحالة بحيث نقول: إن المجتمعات وجدت لتلبية جماعة من المفكرين أو السياسيين.
وأرجع الدكتور المخلافي نشأة بعض الأحزاب إلى النظام السابق لهدفين جليلين, الأول: إظهار النظام أمام الخارج بأنه يتمتع بالسمة الديمقراطية بدلالة هذه الأحزاب الكثيرة, والثاني: تفتيت الأحزاب الكبيرة وإبطال قدرتها على لعب دور سياسي مؤثر من خلال الاستفادة من القاعدة الشعبية في الوصول إلى البرلمان, حيث يلاحظ أن كل الأحزاب الصغيرة لم تصل إلى البرلمان ولا يمكن أن تصل في يوم من الأيام, ووجودها مرهون بوجود سوق سياسية سوداء, أي غياب نظام ديمقراطي, أما إذا استقر النظام السياسي على أسس ديمقراطية فإن هذه الأحزاب سوف تختفي تماما.