الأسرة/ خاص
نجم عن العدوان المستمر على اليمن وتداعياته الكارثية على الحياة الاجتماعية، الكثير من المصاعب والتحديات الكبرى على أبناء الشعب اليمني، وفي مقدمتهم النساء، لكن تلك التحديات صارت فرصا عند الكثيرات من الحرائر اليمنيات اللائي تمكن من تحقيق النجاح من وسط المعاناة ومن هذه القصص الناجحة والملهمة قصة المهندسة لجين الوزير التي استطاعت إعادة تعريف تربية الحيوانات بطريقة علمية مميزة.
يتردد صوت الماعز والدجاج من فوق سطح منزل لجين بقلب صنعاء الذي لا يختلف ظاهريا عن بقية المنازل، هناك تدير المهندسة الزراعية المتخصصة في الإنتاج الحيواني لُجين عبدالإله الوزير واحدة من أكثر التجارب إلهاما في الإنتاج الحيواني داخل بيئة حضرية، إذ حولت سطح بيتها إلى مزرعة متكاملة تنتج البيض والحليب واللحوم وتوفر مصدر دخل ثابتاً لعائلتها.
تخرّجت لجين من كلية الزراعة – قسم الإنتاج الحيواني بجامعة صنعاء وكانت شغوفة منذ دراستها بفكرة تطبيق المعرفة الأكاديمية في مشروع واقعي يخدم المجتمع ويعزز الاكتفاء الذاتي لكن الظروف الاقتصادية الصعبة دفعتها إلى التفكير بطريقة مختلفة.
تقول لجين في حديثها لـ”الأسرة”: لم أرد أن أبقى عاطلة عن العمل، بل قررت أن أبدأ من مكاني ولو من مساحة صغيرة في سطح المنزل، بدأت بمبلغ بسيط ادخرته ثم استثمرته في شراء دجاج بلدي وديك رومي وعدد من الأرانب، كانت البداية متواضعة، لكنها فتحت باب مشروع متنامياً، فنماء رغم التحديات وتحوّل سطح المنزل تدريجيا إلى بيئة إنتاج حيواني مصغرة.
أنشأت لجين أقفاصا مرتبة بعناية واعتمدت على تغذية طبيعية من بقايا المطبخ والعلف المحلي لتقليل التكاليف، وبمرور الوقت، توسعت المزرعة لتضم أنواعاً متعددة من الدواجن والأغنام والأرانب.
وتضيف لجين: المساحة الصغيرة ليست عائقاً، المهم هو المعرفة والإدارة الجيدة، أتعامل مع الحيوانات ككائنات منتجة يجب احترامها ورعايتها، أصبحت تنتج أكثر من البيض إلى جانب منتجات الألبان واللحوم الطازجة التي تبيعها مباشرة إلى الأسر في الحي، كما بدأت بتسويق منتجاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
شراكة أسرية وتمكين نسائي
لم تكن لجين وحدها في هذه الرحلة، فشقيقتها جوى الوزير كانت معها في المشروع، حيث تتولى الجانب الإنتاجي في تصنيع الألبان واللبن البلدي والجبن المحلي.
تقول لجين: إن هدفها ليس الربح فقط، بل “تعزيز ثقافة الاكتفاء الذاتي وتمكين النساء من إنشاء مشاريع صغيرة من منازلهن، اليوم تستقبل لجين زائرات مهتمات من طالبات الزراعة وربات المنازل وتقدّم لهن الإرشادات حول التربية الحديثة للدواجن وكيفية إدارة مشاريع منزلية صغيرة بإمكانات محدودة.
لم تخل رحلة لجين من الصعوبات، فقد واجهت انتقادات مجتمعية في البداية، إذ رأى البعض أن “تربية المواشي لا تليق بفتاة جامعية في مدينة، لكنها تجاوزت ذلك بالإصرار والعمل الجاد.
كما واجهت تحديات ارتفاع أسعار الأعلاف وانقطاع الكهرباء وصعوبة الحصول على الأدوية البيطرية، إلا أن معرفتها الأكاديمية ساعدتها على إيجاد حلول بديلة محلية ومنخفضة التكلفة.
وتقول لجين بابتسامة: كل بيضة تخرج من مزرعتي تذكرني بأن الجهد لا يضيع، نحن نستطيع أن نخلق فرصنا بأيدينا.
رؤية مستقبلية
تحلم لجين اليوم بتوسيع مشروعها ليصبح مزرعة تعليمية صغيرة تستقبل الزوار وطلاب الزراعة وتُقدم لهم تجربة عملية عن كيفية إدارة مشاريع إنتاج حيواني في المساحات الحضرية.
كما تخطط لتأسيس مركز تدريب نسوي لتعليم الفتيات كيفية البدء بتنفيذ مشاريع إنتاجية منزلية مستدامة.
وتختم حديثها قائلة: أريد أن أرى نساء يمنيات يقدن مشاريع غذائية ناجحة، لأن الاكتفاء الذاتي هو أول خطوة نحو القوة الاقتصادية والاستقرار.
نموذج يحتذى به
في بلد يعاني من العدوان والحصار، تعد تجربة لجين الوزير نموذجاً مشرفاً للريادة النسوية والإبداع الإنتاجي، فقد استطاعت أن تحول المساحة الضيقة فوق بيتها إلى مصدر رزق واستقرار، مثبتة أن الإصرار والمعرفة يمكن أن يصنعا الفرق حتى في أصعب الظروف.