عندما قامت الثورات العربية ضد الاستعمار الذي أحل نفسه بديلا عن المستعمر(العثماني) الذي تم ترحيله، صدر الاستقلال المزيف الذي يعتمد على تمكين الخونة والعملاء من السلطة والحكم بشتى الوسائل؛ صنع منهم أبطالاً يقاتلون الأبطال ومنتفعين يقاتلون المجاهدين وهو الأمر الذي أدى إلى إفراغ الثورات العربية والإسلامية من قيمها وأهدافها التي سعت لتحقيقها؛ واستمرار التبعية والتخلف وعودة المقارنات أن الاحتلال والاستعمار كان أفضل مما هو عليه الآن.
طوفان الأقصى، هز قناعات راسمي السياسات الإجرامية وأكد أن استمرار الاحتلال لا يمكن طالما أن الشعب الفلسطيني قادر على الصمود والمواجهة، رغم الحشد العالمي الإجرامي الذي سُخر للقضاء عليه، وهنا يدرس المستعمرون كيف سيتم التعامل مع جيل التحرير القادم الذي يريد استعادة أرضه وكرامته وحقوقه التي استولى عليها شُذاذ الآفاق من كل أقطار الدنيا وحرموهم منها.
جيل النصر القادم هو الذي يستطيع أن يدير الحرب بذات الكفاءة التي يدير بها شؤون السلم وهذا الأمر لا يتوفر في من نصّبهم الاحتلال واعتمد عليهم ثم غدر بهم وانقلب عليهم ألف مرة، لأن من يفاوض من أجل البقاء في السلطة يستطيع أن يضحي بالآخرين، لكنه لن يضحي بنفسه، أما من يفاوض من أجل الحرية والاستقلال سيضحي بنفسه قبل الآخرين.
المشروع الصهيوني الاستعماري، كان يُنظر إليه قبل الانتفاضات المتعاقبة وقبل طوفان الأقصى أنه النموذج (الجيش الذي لا يُقهر) يعتمد عليه صهاينة الغرب والعرب، الجميع يحتفون به ويستثمرون إمكانياتهم لديه؛ حتى وصل الأمر إلى أن يُصرح مجرم الحرب “نتن ياهو” : (أمريكا لا تحمينا نحن نحمي أمريكا)، ويعتمدون عليه في اغتيال كل من يهدد مشروعهم الاستراتيجي (الشرق الأوسط الجديد).
التناقضات الداخلية للمشروع الاستعماري الصهيوني كفيلة بتدميره والتعجيل بزواله، لكنه يعتمد على تجييش المجتمع ضد العدو (العرب والمسلمين) أولاً، ولو انتهت المعركة معهم فإنه سينتقل للفتك بحلفائه بالأمس في معركته المؤجلة، لأنه لا يستطيع التعايش بسلام، فذلك مؤشر بنهايتهم لما بينهم من العداوة والبغضاء وهي حقائق يكررها حاخاماتهم أن الصراع مع المسلمين ليس كصراعهم مع الآخرين، فقد أخضعوا الطوائف المسيحية التي كانت تنظر إليهم أعداء المسيح وأصبحوا اليوم يكنون لهم الاحترام والتقدير ويقدمون لهم الدعم بكل أشكاله وأنواعه.
الأنظمة العربية التي تتحدث عن السلام مع كيان الاحتلال، تدرك تماما أنها تتحدث عن الاستسلام وأبرز مثال على ذلك امتلاكه لأحدث أنواع الأسلحة المحرمة دوليا وتزويد المجرمين الداعمين له بها ومع ذلك يطالب الجميع (صهاينة العرب والغرب) بنزع سلاح المقاومة .
ما يقال عنها اتفاقيات سلام، تهدف إلى تدمير الجيوش وتحويل عقيدتها العسكرية لخدمة الاحتلال وتدمير كل الإمكانيات والاستيلاء عليها والتجربة المصرية تحت مسمى السلام خير مثال.
التحالف الاستعماري، لا يثق بالذين يتعاونون ويعملون معه، فحينما اشتدت المواجهة مع المقاومة في غزة، اجتاح الضفة واعتمد المستوطنات وطرد السلطة وفعل الأمر ذاته في غور الأردن وفي هضبة الجولان واتفقت كلمة المجرمين بضرورة تحقيق (إسرائيل الكبرى) التي يريدون الوصول إليها من خلال تدمير كل مصادر القوة وعواملها بالتعاون مع الأنظمة المتصهينة والتي أصبحت تعتمد عليه وتعمل تحت إدارته ولتحقيق مصالحه بكل صراحة ووضوح .
معاهدات السلام التي يتحدثون عنها هي من أجل ترتيب الأوضاع الداخلية ومنعها من الانفجار، لذلك لا تستمر وهو ما أكد عليه الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي –رحمة الله تغشاه- في شرحه لقوله تعالى ((كلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم))، معاهدات حزب الليكود يلغيها العمل والعكس.
تناقضات خليط شذاذ الآفاق الداخلية، لا يمكن السيطرة عليها بغير الدعم المادي والمعنوي من التحالف الصهيوني العربي والغربي والحرب أهم استراتيجية لتوحيدهم ولأنها أهم وأفضل وسيلة لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية والهيمنة والسيطرة على الآخرين، لكنها مع ذلك ستؤدي إلى زوال المشروع الاستيطاني، قالها الهالك رابين بعد عام 1967م التي وصفت بالنكسة (سنركض من نصر إلى نصر حتى الوصول إلى النهاية المحتومة)، ويشاركه الرأي وزير الدفاع الأمريكي الحالي بقوله : (من يبحثون عن السلام ساذجون؛ شن الحروب مكلف للغاية في الأرواح والأموال لكنها مهمة لتحقيق الإنجازات).
شن الحروب وارتكاب أبشع الجرائم اعتمادا على القوة، لا يحقق النصر، أمريكا حاربت في الشرق والغرب، أبادت كثيرا من الفيتناميين، لكنها خرجت مهزومة وارتكبت مع التحالف الصهيوني أبشع الجرائم في أفغانستان والعراق وخرجت من الأولى وستخرج من العراق ومثل ذلك كيان الاحتلال الصهيوني سيخرج من فلسطين، كما خرج الغزاة من قبله.
استمرار وبقاء الاحتلال والمشروع الاستيطاني، يقوم أساساً على الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتوسع والوصول إلى (إسرائيل الكبرى)، يعتمد على استقدام أكبر عدد من قطعان المستوطنين، والحرب قد تخدم الهدف الأول لا الثاني والمقاومة هي التي تحدد مصير الاحتلال ونهايته وقد يلعب فارق القوة لصالح المشروع الاستيطاني في التوسع والانتشار والقتل والإبادة، لكن مصير الأوطان مرتبط بإرادة أبنائها وتضحيات الشعوب والأمم وكلما كان الاستعداد كبيراً وبذل التضحيات، أدى ذلك إلى سرعة الخلاص من كل المشاريع الإجرامية .
المشروع الاستعماري الاستيطاني في خطة الحرب على غزة وضع خطط التهجير القسري والتطهير العرقي وقدم الوعود والإمكانيات لكل من يريد المغادرة والرحيل ومع ذلك استمر أبناء فلسطين صامدين متشبثين بالبقاء على أرضهم، قتلوهم جوعا وعطشا وحصارا ودمارا لكل شيء وفي كل هدنة أو وقف للإجرام يعودون يعيشون على أنقاض منازلهم المدمرة.
لوّح العدو بتهديدات صب الجحيم على الفلسطينيين، فلم يجبنوا في مواجهة الإجرام ولم يتركوا استراحة المحارب لأنهم يعلمون أنهم يواجهون إجراما لا مثيل له وتحالفا لا أخلاق له، وهو ما جعل خططهم الاستيلاء على غزة (الثقة الكبرى) تسقط تحت الأقدام العارية التي تواجه الدبابات الحديثة وتدمرها وترسل المجرمين موتى بعد أن خرجت من بين ركام المنازل والأحياء المدمرة.
مجرم الحرب “نتن ياهو” يريد أن يحقق ما عجز عنه الهالك المجرم شارون اعتمادا على ترامب الذي وصفه بأعظم صديق تولى البيت الأبيض وترامب يؤكد أنه فعل ما عجز عنه المجرمون قبله، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ولم يعترض عليه أحد؛ شارون استعان في القضاء على انتفاضة الأقصى بجهود سلطة رام الله التي دخلت معه في مفاوضات لإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة 11 % من إجمالي فلسطين منزوعة السلاح مفككة الأوصال تقوم على حماية كيان الاحتلال؛ و”نتن ياهو” بنى المستوطنات وسيطر على الضفة وأصدر قانون ضمها إليها باعتبارها يهودا والسامرة ورفض فكرة حل الدولتين ومازال عباس يتعهد بنزع سلاح حركات المقاومة والدولة أيضاً .
الانتفاضات الفلسطينية، جعلت المجرم شارون يعترف أنهم كيان احتلال مؤقت ولن يستطيعوا السيطرة على أكثر من 3,5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال، فذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد وأنه ليس من الصواب؛ أما الداعمون للإجرام فانهم يريدون الوصول إلى تهجير الفلسطينيين واستبدالهم بقطعان المستوطنين، لا لأنهم يؤمنون بإسرائيل الكبرى، بل لأنهم يرون أن القضاء على المقاومة سيؤمن بقاءهم واستمرارهم في مناصبهم، أما تحرير فلسطين واستعادة أرضها واستعادة حقوق أبناء الشعب الفلسطيني من المشروع الاستيطاني الاستعماري، فسيقضي على كل الخطط والمؤامرات التي دُبرت ونُفذت، قال تعالى ((ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)) الأنفال 30.