الجماعات الإسلامية بين وهم النرجسية واستمراء الدونية

بقلم/محمد ناصر البخيتي

 

دأبت الجماعات الإسلامية على تقديم نفسها كضحية لظلم الاخرين، متخذة من خطاب المظلومية وسيلة أساسية لاستقطاب الشباب المسلم إلى صفوفها, وذلك بإستحضار احداث تاريخية معيّنة بعد تجريدها من أسبابها وظروفها المصاحبة.
فهي تستحضر مثلًا حادثة اغتيال حسن البنا لتُظهرها كجريمة استهداف لداعية مصلح، دون أن تشير إلى أنها جاءت ردًّا على اغتيال الجماعة لرئيس وزراء مصر محمود النقراشي.
وتُحيي ذكرى قمع جمال عبد الناصر للإخوان لتصوّرها كعداء لعلماء الدين، دون أن تذكر أن ذلك كان ردّ فعلٍ على محاولتهم الفاشلة لاغتياله.
كما تتباكى على مأساة حماة، متجاهلة أنها كانت نتيجة تمردٍ مسلح قادته الجماعة بالتزامن مع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وبعد سلسلة من الاغتيالات التي نفذتها بحق ضباط بعثيين، وبعد مجزرة كتيبة المدفعية التي ارتكبتها بحق عشرات العلويين.
ولو أمعنّا النظر، لوجدنا أن أحلك الفصول الدموية التي مرت بها الأمة كانت على أيدي هذه الجماعات ذاتها، ابتداءً من جرائم الوهابية في بلاد الحرمين الشريفين، مرورًا بجرائم الجماعات الإسلامية في الجزائر ومصر والعراق واليمن وسوريا وغرب السودان والصومال وباكستان والهند، وانتهاءً بعملياتها الدامية التي طالت الأبرياء في عواصم العالم الكبرى مثل موسكو ونيويورك ولندن ومدريد وغيرها.
وقد تفوقت هذه الجماعات على غيرها من التنظيمات الإجرامية بتعمدها استهداف أكثر الأماكن ازدحامًا بالناس: كالمساجد، والأسواق، ووسائل المواصلات، وصالات العزاء والأفراح، بل وحتى الجنازات. كما تفننت في ابتكار أبشع أساليب القتل والتنكيل، من الذبح بالسكاكين والحرق والرمي من المرتفعات، إلى بقر بطون الحوامل، وأكل أكباد الضحايا، والتحرش بجثث النساء.
ومع كل ذلك، ما زالت هذه الجماعات تعيش دور الضحية في خطابها الإعلامي وأدبياتها الثقافية، متجاهلةً ركام الجرائم التي ارتكبتها بحق الآخرين، ومسؤوليّتها التاريخية عن تشويه صورة الإسلام وإغراق الأمة في دوامة من العنف والعنف المضاد.
صحيح أن بعض رموز هذه الجماعات يقبعون اليوم في سجون السعودية لأسباب تافهة ويتعرضون للتعذيب، غير أن مراجعة أدبياتهم تكشف أنهم ليسوا سوى “شياطين مقيّدة”، وهذه ليست مبالغة ولا تجنّيًا، فالكثير منهم كانوا من أبرز المحرّضين على ارتكاب تلك الجرائم البشعة في مختلف البلدان التي عانت من العنف باسم الدين.
إن نرجسية الجماعات الإسلامية لا تتوقف عند سلخ الإنسان عن دينه فحسب، بل تمتد لتجرده من فطرته الإنسانية أيضًا، وتاريخها المعاصر مليء بالشواهد على ذلك.
فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أطلق علي عبدالله صالح حملة قمع واسعة ضد عناصر الجماعات الإسلامية في اليمن، خصوصًا العائدين من أفغانستان، في محاولة للتقرب من الولايات المتحدة. وقد وصل به الأمر إلى حد السماح للمحققين الأمريكيين بالتحقيق مباشرة مع المعتقلين.
ويومها لم يجرؤ أحد من قيادات تلك الجماعات على الاعتراض أو حتى التنديد، في حين ان الطرف الوحيد الذي رفض تلك الممارسات، واعترض على تسليم الشيخ عبدالمجيد الزنداني للأمريكيين، هم أنصار الله بقيادة السيد حسين بدر الدين الحوثي.
بل إنهم أطلقوا حينها شعار البراءة من أمريكا كردّ فعل على تلك الانتهاكات وعلى الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وهو الموقف الذي دفع النظام في النهاية إلى إعلان الحرب عليهم.
المفارقة أن تلك الجماعات التي وقف أنصار الله إلى جانبها بدافع الأخوّة الدينية والوطنية، تحوّلت بين عشيةٍ وضحاها إلى رأس حربةٍ في الاعتداء عليهم منذ حرب صعدة الأولى وحتى اليوم.
لم يُسجِّل التاريخ من قبل هذا القدر من النذالة في سلوك أي جماعة بشرية، حتى في زمن الجاهلية الأولى، كما هو حال الجماعات الإسلامية المعاصرة. وهذا أحد مصاديق قول الرسول ﷺ: «بُعثتُ بين جاهليتين، أُخراهما شرٌّ من أُولاهما».
هذا المستوى من الانحطاط الأخلاقي تكرّر مرةً أخرى بعد طوفان الأقصى، فبينما كانت حكومة صنعاء منشغلةً بمعركة وقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة وفكّ الحصار عنها، كانت تلك الجماعات تتجهّز عسكريًا وإعلاميًا لحربٍ وحصار اليمن.
بل إنها طالبت الأمريكيين والإسرائيليين بإشراكها في المعركة بهدف إسقاط صنعاء وتكرار سيناريو إسقاط دمشق، وبادرت إلى نصحهم باستهداف قيادات أنصار الله لضمان توقف العمليات اليمنية المساندة، بينما كانت غزة لا تزال تُذبح من الوريد إلى الوريد.
نرجسية الجماعات الإسلامية لا تنبع فقط من تقديس الذات كما هو حال النازية والفاشية والصهيونية، بل تنبع أيضًا من شعورها بالدونية تجاه القوى الخارجية التي تستقوي بها لتُمارس نرجسيتها على المستوى المحلي فقط.

‏ويمكن رصد دونية تلك الجماعات في إخلاصها للحكومتين الإماراتية والسعودية، رغم أنهما تصنّفانها كجماعاتٍ إرهابية، ورغم ما ارتكبته بحقها من جرائم.
نستنتج من ذلك أن الجماعة الإسلامية لم تكن سوى نبتة شيطانية تجذرت في جسد الأمة على مدى عقود، برعاية بريطانية ثم أمريكية، وأن الأمة لن تستعيد عافيتها إلاَّ باقتلاع هذه النبتة من وعيها.
ولو أن الأمة التزمت بتحذير الله ورسوله من تلك الجماعات، لما نهلت من نبعِ قرنِ الشيطان، ولا جعلت أشدّ الناس كفراً ونفاقًا قدوتها.

قد يعجبك ايضا