الثورة / علي ناصر الدوة
لم يعد مشهد كبار السن وهم يمارسون التمارين الصباحية في الحدائق والساحات العامة مشهدًا عابرًا، بل أصبح ثقافة مجتمعية راسخة ورسالة إنسانية، تؤكد أن الحياة تستحق أن تُعاش بخفة ونشاط، مهما ثقلت الأعوام على الأكتاف.
في اليمن، برزت تجربة «أحسن فريق» كأول تجربة رياضية من نوعها في الشرق الأوسط، استطاعت أن تفرض حضورها رغم ظروف الحرب والحصار، وأن تتحول إلى نموذج صحي واجتماعي يحتذى، استلهم اليمنيون هذه التجربة من التعاليم الإسلامية، حيث يبدأ الروتين الصباحي بالمشي بعد صلاة الفجر، يليه التسخين ثم التمارين المتدرجة، في انسجام بين الموروث الديني وأسلوب الحياة العصري.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهمية القوة البدنية بقوله: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». كما يردد الحكماء أن «الحركة من الحياة، والكسل من الموت البطيء»، في إشارة إلى أن النشاط البدني أساس للحيوية وطول العمر.
كبار السن.. قدوة في العافية
على خلاف الصورة النمطية عن الشيخوخة، أصبح كبار السن في اليمن رواد هذه المبادرة، حيث يمارسون الرياضة مع أول خيوط الفجر، في مشهد يجسد الرضا بالحياة والانسجام مع العمر، ويؤكد أن التحديات يمكن أن تتحول إلى فرص لبناء مجتمع صحي ونشيط.
من الفرد إلى الجماعة
التمارين الصباحية لم تعد نشاطًا فرديًا بحتًا، بل تحولت إلى مساحة للتواصل الإنساني والاجتماعي. فهي تجمع بين الحركة والابتسامة، بين الصحة الجسدية والدفء الاجتماعي، لتشكل بذلك رسالة واضحة أن الرياضة مسؤولية مشتركة وليست مجرد ممارسة شخصية.
تجربة عالمية ملهمة
عالميًا، أصبحت التمارين الصباحية ثقافة راسخة في كثير من الدول. ففي اليابان يمارس الناس تمارين «راديو تايسو»، وفي الصين تنتشر رياضة «التاي تشي» في الحدائق العامة، بينما يفضل الإيطاليون المشي الصباحي في الساحات. أما ألمانيا وكندا فتعرفان ببرامج صباحية منظمة في النوادي والحدائق، وتشتهر السويد والدول الإسكندنافية ببرامج خاصة لكبار السن. وفي أمريكا اللاتينية تنتشر التمارين الجماعية في الساحات العامة، بينما تمثل الهند وأستراليا ونيوزيلندا نماذج لبرامج صباحية في الحدائق والمجتمعات المحلية، فيما تتميز بريطانيا بتنظيم التمارين الصباحية في المراكز الصحية والنوادي. هذه التجارب تؤكد أن الرياضة لغة عالمية مشتركة تتجاوز الحدود والثقافات.
اليمن.. نموذج ملهم رغم الظروف
يمارس اليمنيون تمارينهم الصباحية بعد صلاة الفجر في الحدائق والأندية بالعاصمة صنعاء وبعض المحافظات، لتصبح الرياضة عادة يومية تعزز النشاط والحيوية رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. هذه المبادرة تمثل رسالة أمل وصمود، وتؤكد أن المجتمع قادر على تحويل التحديات إلى فرص، وأن بناء مجتمع صحي ونشيط ممكن حتى في أحلك الظروف.
خاتمة
التمارين الصباحية ليست ترفًا، بل هي ثورة هادئة على الخمول والمرض. وتجربة اليمن تمثل نموذجًا يُحتذى في المنطقة، يبرهن أن العمر ليس عائقًا أمام الحركة، وأن الإرادة والقيم يمكن أن تصنع مجتمعًا صحيًا وواعيًا. ما بدأ كخطوة بسيطة بعد صلاة الفجر تحول إلى ثقافة جماعية، تزرع في كل بيت قناعة بأن الصحة قرار، وأن الرياضة المستدامة هي سر حياة متوازنة وهانئة.
نادي آزال – أمانة العاصمة*