ها هو العام الثاني من العدوان الإسرائيلي على غزة يوشك على الانتهاء، والمجازر مستمرة يوميًا. أكثر من ربع مليون فلسطيني بين شهيد وجريح، وتحولت مدينة غزة إلى أطلال وأشباح بعد أن كانت مدينة الأبراج السكنية والحياة. المستشفيات دمِّرت، والمدارس صارت مقابر جماعية، والشوارع شاهدة على أفظع كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين.
في مفارقة صادمة، جاء اجتماع قمة الدوحة بعد أن قصف الاحتلال مقر إقامة قادة وفد حماس في الدوحة، العاصمة التي تقدّم نفسها كوسيط في النزاع الفلسطيني. القصف أظهر حجم الانتهاكات والعدوان المستمر على الفلسطينيين حتى في الأماكن التي يُفترض أنها آمنة.
وكان يُنتظر أن يكون الموقف العربي والإسلامي أشد صلابة وأكثر تأثيرًا، لكن الواقع جاء مخيبًا للآمال. اكتفى القادة العرب والمسلمون ببيانات شجب واستنكار، دون أي خطوات عملية على الأرض. لم يُسحب أي سفير من تل أبيب، ولم يُطرد أي سفير إسرائيلي، ولم تُتخذ قرارات اقتصادية أو تجارية تضغط على الاحتلال.
في المقابل، كانت هناك مواقف دولية جريئة، حيث أعلنت بوليفيا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، واستدعت كولومبيا وتشيلي سفراءهما للتشاور احتجاجًا على الجرائم في غزة. وذهب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو إلى أبعد من ذلك، داعيًا خلال كلمته في الأمم المتحدة إلى تشكيل قوة عسكرية دولية لتحرير فلسطين ووقف المجازر، مؤكدًا أن العالم لم يعد يحتمل ازدواجية المعايير. أما إسبانيا، فقد أرسلت سفينة حربية لحماية “أسطول الصمود” ومنعت مرور السفن المحملة بالأسلحة إلى إسرائيل عبر موانئها، لتثبت أن هناك دولًا قادرة على الانحياز للعدالة رغم الضغوط.
هذه الفجوة بين المواقف تكشف أن دولًا بعيدة عن فلسطين كانت أشجع وأصدق في نصرة المظلوم من دول تُرفع شعارات العروبة والإسلام. إذا كان أحرار العالم قد تحركوا، فالسؤال المؤلم يبقى: ماذا قدم العرب والمسلمون لغزة غير البيانات؟
القضية الفلسطينية اليوم لم تعد مجرد قضية عربية أو إسلامية، بل قضية إنسانية كبرى تكشف ازدواجية المعايير، وتثبت أن الحق قد يجد أنصارًا في أماكن لم نتوقعها، بينما تخلى عنه من يفترض أن يكونوا حماة العدالة.