غزّة تُغيّر العالم

د. إدريس أوهنا*

 

 

“المقاومة” اليوم لا تواجه الاحتلال الصهيوني وحده، بل تواجه الاستكبار العالمي بأسره، وهي بذلك لن تحرر فلسطين فقط، بل ستحرر العالم أجمع، وقد بدأ ذلك التحرير بالفعل؛ فالعالم يشهد تحولا لم يعرفه من قبل، تحولا في اتجاه تجريم الجاني الفعلي ومواجهته، وإنصاف صاحب الحق الحقيقي ومناصرته، انحيازا لإنسانية الإنسان، ورفضا للطغيان والعدوان . “الحبل من الناس” الذي لطالما حافظ على توازن دولة الاحتلال ووجودها، بدأت خيوطه في التقطع والانفلات، ولعل الخيط الوحيد الذي سيبقى ممسكا بزمام الكيان حتى لا يسقط هو “أمريكا”، وربما بعد “ترامب” انقطع هذا الخيط أو آل صاحبه -أمريكا- إلى سقوط على رأس الكيان، فيسقطان معا. “غزة” غيرت العالم، وحولت اتجاه التاريخ، ورسمت آفاقا أخرى للبشرية على وجه الأرض. لن تعود “أمريكا” بعد طوفان الأقصى متحكمة في النظام العالمي، متفردة بالسيادة عليه، ولن تعود “الدول” التابعة لها، (المحمية) بها، مطمئنة لحمايتها، واثقة بها؛ فمنطقة الشرق الأوسط -قلب الصراع العالمي- باتت تعرف تحالفات جديدة غير مسبوقة، بين “باكستان النووية” و”السعودية النفطية”؛ حيث اتفاقية الدفاع المشترك المرعبة، مع عقد مصالحة بين “السعودية” و”إيران”.. ولأول مرة وبعد ثلاثة عشر سنة من القطيعة تجرى مناورات عسكرية بشرق المتوسط بين “مصر” و”تركيا”, ولعلها ممهدات لتحالف أوسع بين تركيا وباكستان والسعودية وإيران ومصر وسوريا. إن هلاك دولة الاحتلال وزوالها باتت كالنار على علم، لا تخطئها عين بصير، ولا يحول دونها إلا عامل الزمن أو الوقت؛ حيث تستكمل معادلة التحرير شروطها، وتستنفذ دولة الاحتلال آخر أنفاسها، متداعية إلى موتها الأبدي، وفنائها الحتمي. ألا ترى أنها تفعل مثلما تفعل “الدجاجة المذبوحة”؛ تتخبط في جميع الاتجاهات صوب لبنان وسوريا وإيران واليمن وقطر… إلى أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، فتقع ميتة هلكى إلى غير رجعة . وللتعجيل بذاك الفناء، ورفع هذا البلاء، لا بد لأحرار العالم من مضاعفة الجهد، ومواصلة التضامن، وقدح زناد الوعي الحضاري، وإزاحة غشاوة الجهل عن الجاهلين، وقيود الاستعباد عن المستعبدين؛ لتنتصر “الكرامة الإنسانية” من جديد، ويعود الإنسان لمعانقة إنسانيته وآدميته، متمردا بوعي عن كل أشكال التوحش والتحكم وطمس الفطرة واغتيال العقل.

*كاتب وأكاديمي مغربي

 

قد يعجبك ايضا