الثورة / يحيى الربيعي
في ظل التعبئة العسكرية التي تشهدها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، يبرز تأثير الحرب على القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث يتزايد الاعتماد على التجنيد الإلزامي لآلاف من جنود الاحتياط، مما يؤثر بشكل مباشر على الشركات، خصوصاً الصغيرة والمتوسطة، في ظل عزلة دولية متزايدة وعقوبات محتملة.
وأدى تصاعد العمليات العسكرية في غزة إلى إرهاق الاقتصاد الإسرائيلي، مما دفع حكومة الاحتلال إلى اللجوء إلى الاقتراض من أسواق السندات المحلية والدولية لتمويل عملياتها. وتُظهر بيانات اقتصادية، نقلتها وكالة «بلومبيرغ» (Bloomberg)، أن الاقتصاد الإسرائيلي تقلص بنحو 7 % عما كان متوقعاً، وهي نسبة خسارة تضاهي ما تكبدته الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008م.
وتسببت الاستدعاءات العسكرية المتكررة في غياب عدد كبير من الموظفين المؤهلين عن أعمالهم. فوفقاً لنمرود فاكس، الشريك المؤسس لشركة “بيغ آي دي” (BigID) المتخصصة في تحليلات البيانات، فإن نحو 20 % من موظفي شركته كانوا يخدمون في جيش الاحتلال الإسرائيلي، مما أثر على سير المشاريع طويلة الأجل وأنشطة البحث والتطوير. وأكد فاكس أن “غياب الكفاءات المحورية أحدث أثراً ملحوظاً على مشاريعنا طويلة الأجل وعلى أنشطة البحث والتطوير”.
من جانبه، حذر رون تومر، رئيس ما يسمى بـ”اتحاد الصناعيين الإسرائيليين”، من خطورة تأثير غياب الموظفين على الشركات الصغيرة، مشدداً على أنه “بالنسبة للشركات الصغيرة، قد يؤدي غياب بضعة موظفين فقط إلى إغلاقها على الفور”.
في الكيان الإسرائيلي، الخدمة الاحتياطية إلزامية، إلا أن تقارير جيش الاحتلال الإسرائيلي تشير إلى حضور 75 % فقط من المستدعين، بينما تشير تقارير أخرى إلى أن النسبة الفعلية تتراوح بين 60 % و70 %، مما يكشف عن تزايد حالات “المتهربين من التجنيد”.
أور إبستين، الشريك المؤسس لشركة “وندر روبوتيكس”، تحدث عن الصعوبات النفسية المرتبطة بالانتقال بين الخدمة العسكرية والعمل المدني، بعد أن خدم 500 يوم احتياطي خلال العامين الماضيين، مع توقع جولات احتياطية إضافية في المستقبل.
وتُعد الشركات الصغيرة والمتوسطة هي الأكثر تضرراً، حيث يعمل بها نحو 60 % من القوى العاملة، وتواجه نقصاً حاداً في العمالة بسبب الاستدعاءات المتكررة وطويلة الأمد. وقد دفع هذا الوضع بعض رواد الأعمال إلى إغلاق أعمالهم أو تحمل خسائر كبيرة، رغم تعويض سلطات الاحتلال الإسرائيلي لرواتب المستدعين بشكل جزئي.
وسجل الاقتصاد الإسرائيلي تباطؤاً حاداً، وهو الأبطأ منذ أكثر من عقدين باستثناء فترة جائحة كورونا. وشهدت أسواق الأسهم تراجعاً، في حين عبر المستثمرون عن قلقهم من تحول الكيان الإسرائيلي إلى “دولة” منبوذة، خاصة مع تصاعد الغضب العالمي من تداعيات تصعيد الاحتلال لعدوانه على غزة، وتهديد الاتحاد الأوروبي بتعليق المعاملة التجارية التفضيلية.
وعلى الصعيد الآخر، أدت تصعيد الاحتلال لعدوانه في غزة إلى تدمير الاقتصاد الفلسطيني، حيث يشهد الاقتصاد الفلسطيني، وفقاً للبنك الدولي، أعمق انكماش منذ أكثر من جيل، مع خسارة ربع قيمته خلال عام 2024م.
ومع استمرار الحرب واستدعاء آلاف جنود الاحتياط، تواجه سلطات الاحتلال تحديات اقتصادية غير مسبوقة قد تمتد آثارها لسنوات قادمة. ففي ظل المعاناة المتزايدة للشركات الصغيرة والمتوسطة من نقص العمالة وتأثير ذلك على الإنتاجية والأرباح، يزداد العجز في الموازنة واعتماد حكومة الاحتلال على الاقتراض. ومع تزايد الضغوط الدولية وتهديد بعض الشركاء التجاريين بعزل الكيان الإسرائيلي اقتصادياً، يحتاج الاحتلال إلى وضع استراتيجيات اقتصادية مرنة للحد من الخسائر الطويلة الأمد.
إن الواقع الاقتصادي الراهن يفرض على الكيان الإسرائيلي والمجتمع الدولي إيجاد حلول عاجلة للتخفيف من الانكماش الاقتصادي، وتأمين استدامة الشركات، وضمان استمرار النشاط الاقتصادي في مواجهة الصدمات العسكرية المستمرة. فإذا لم تتخذ خطوات جذرية، فإن اقتصاد الاحتلال يشارف على فترة نزيف مفتوحة قد لا يمكن تلافي عواقبها.