د.الشرجبي: الخطابان إستغلا المناخ العام في ارساء مفاهيم الصراع


تمر الدولة اليمنية كجزء من منظومة الدول العربية بمرحلة سياسية حرجة أدت إلى ضعف مؤسساتها في إدارة شؤون البلاد والمجتمع ومن هنا تبرز كلمتا الفكر والتغيير في قاموس المرحلة القادمة فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر وبدون ذلك لا يمكن إحداث أي تغيير في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية إذ أن هذا التغيير يحتاج إلى تجديد بنية خطاب النخب السياسية والدينية وإعادة تقييم خطابها من رواسب ممارسات التراث الخاطئة والتي أدت إلى أزمة خطيرة تهدد الانهيار الذاتي لمؤسسات الدولة ومن هنا كان لقاء مع خبير الأزمات الدكتور نبيل الشرجبي فإلى الأسئلة:

* في اعتقادك أي الخطابين أكثر تأثيراٍ في الأزمة السياسية اليمنية ولماذا¿
– لو أردنا في البدء أن نحلل ماذا يعني الخطابان فإنه سيتضح لنا أن الخطاب السياسي هو مجموعة من الأفكار والمبادئ والتصورات النظرية التي تحدد الأمر المطلوب تحقيقه في الواقع كما يربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل ويرتبط الخطاب السياسي في الغالب بالجانب الأيديولوجي للحزب أو الجماعة التي صدر منها الخطاب. ويعتمد الخطاب السياسي على درجة تطور المجتمع ورؤاه ويقوم كذا على التبرير وليس عرض الحقائق للمشكلات ويطبق الجزء الأكبر من الخطاب السياسي في الممارسة ولا يقتصر الخطاب السياسي على الكلمات بل يشمل الممارسات والشعارات واللافتات وغيرها.
أما الخطاب الديني فهو خطاب تأويلي يعكس باطن الخطاب السياسي ويركز على فرض واقع وليس بعيداٍ عن التفكير والنقاش والتأمل وفقاٍ لما تقتضيه مصلحة الجهة السياسية التي يعبر عنها.
وهنا يمكن القول إن اليمن قد شهدت تطبيقاٍ حرفياٍ لكلا الخطابين وكلاهما حاول اخفاء العديد من التناقضات التي تكون بين الخطاب والممارسة وأراد كل طرف أن يقدم نفسه كمسؤول عن الشعب اليمني وكان الهدف من ذلك هو إخضاع الجميع لهم سواء كان مؤسسات أو عادات أو تقاليد بل ودولة بعيداٍ عن المؤسسات والدستور وذلك تحسباٍ لأي اعتراض على أفعالهم وتسويف حقوق المواطنين في حرية الاختيار بل وصل الأمر فيهم إلى أن الاعتراض عليهم هو عمل تخريبي وهذا ما زاد من حدة الصراع السياسي والذي يعني تصدع المجتمع كما أنهما افتقدا للحد الأدنى من الالتزام الأخلاقي وبالحد الأدنى من المصطلحات السليمة وهذا يدل أولاٍ وأخيراٍ على جهل وفقر معرفي ويدل أيضاٍ على عدم وجود نية لديهم أن يوفروا مستقبلاٍ أفضل.
* أيهما خطاب منتج وأيهما الناسخ أو المستهلك¿
– في ظروف الأزمة لا نستطيع أن نحدد من استنسخ الآخر لكن التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي في اليمن حتم وجود الخطابين وكذا معرفة طرفي الخطاب السياسي والديني بالفوضى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية وعدم انضباط الكثير من الجهات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية هو الذي جعل كل طرف يتموضع في خانته .
* هل كلا الخطابين قوة فاعلة في تصعيد وتهدئة الأزمة السياسية¿
– نعم كلا الخطابين وخاصة الخطاب الديني فاعل في تصعيد الأزمات في اليمن ولكن بالجانب السلبي منها ولكني في ظل الأوضاع اليمنية أستطيع أن أوكد على أن الخطاب السياسي والديني كان تابعاٍ للخطاب الإعلامي وليس العكس وكثير ما عمل الخطاب الإعلامي على تثوير وتصعيد المشهد الخطابي من كل الأطراف وهو ما حتم على كلا الخطابين السياسي والديني مجارة الخطاب الإعلامي ظناٍ أنهما إذا لم يفعلا ذلك ويرفعا من حدة خطاب التحدي والإثارة ضد الآخر فإنه يمكن أن ينصرف أتباعهم عنهم .
* كيف يستغل الخطاب السياسي والديني الخطاب الإعلامي في تحقيق أهدافهم¿
– من المعروف في الحالة اليمنية أن الخطاب السياسي أو الديني يتبع الإعلامي وليس العكس وهذا ما جعل الإعلام هو من يحدد نوعية الخطاب السياسي أو الديني لكن للأسف لم يستطع الإعلامي أو الخطاب الإعلامي أن يحقق أهداف السياسي أو الديني بل إن كلا الخطابين وكذا الإعلامي استغل حالة السيولة التي يمر بها المجتمع وقام بتمرير الكثير من الأشياء التي ساعدت على تهديم صورة الجميع دون تقديم رؤية تساعد على الحل والخروج من الأزمة بل لا أبالغ إذا قلت إن الجميع كانت لهم مشاركة متساوية في استغلال الوضع وتهيئة المناخ العام لتمرير كل ما يدمر ويشيطن الآخر.
* هل ترى أن هناك حاجة لتجديد كلا الخطابين السياسي والديني ¿ وما هي مبررات تلك الحاجة¿
– بكل تأكيد وبصورة عاجلة وملحة وفورية والسبب أن كلا الخطابين ساهما في حصول تفتيت في المجتمع ليس سياسيا بل تفتت شمل كل الجوانب الأخرى وأخطرها الاجتماعي بل أن الخطابين صاغا لنفسيهما تبريرات تشرعن كل تصرفاتهم السيئة بما فيها حق القتل والاعتداء على الآخر أي بمعنى تبرير الحرب وقتل الآخر وكذا تجاوز الكثير من الحقوق للآخرين وكذا إعطاء شرعية لحقوق طرف دون الآخر وكذا كلا الخطابين أرسيا مفهوم الاعتداء غير المباشر على سلوك الآخر والازدراء من تصرفاته.
ويمكن أن يبدأ التجديد من ضرورة إعلاء الجميع من قيم المواطنة وزيادة المساحة في كل الخطابات والقنوات الإعلامية والسياسية والدينية والمناهج الدراسية على تلك القيمة وكذا إعطاء مساحة أكبر في كل الخطابات على القيم المشتركة وخلق التنوير بين المجتمع بالتركيز على الحقوق والواجبات وإرساء مبدأ المؤسسية وكذا التركيز في عملية النقد على التصرفات والقرارات وليس على الأفراد وسلوكياتهم الشخصية وعقد دورات تدريبية تستهدف ترسيخ ثقافة الاختلاف ومواجهة الفتن الداخلية وأخيراٍ إنشاء مرصد إعلامي من المعنيين تكون مهمته الرصد والمتابعة لكل ما يقال أو ينشر وخاصة منها المخالف والمثير للمشكلات وتقديم تقرير أسبوعي أو نصف شهري للمعنيين مع وضع التصورات للحد من مثل هذه التوجهات السلبية ووضع تصورات لما يجب أن يكون عليه الخطاب السياسي والديني.
* كيف يمكن توظيف الخطابين في معالجة الأزمة السياسية¿
– في فترات الصراع السياسي من الصعوبة بمكان أن يلتزم أيْ من الخطابين بخط سياسي واحد وذلك بسبب كثرة التغيرات ومحاولة كل خطاب تشكيل جبهة معادية ضد الآخرين ولكن مع ذلك يمكننا القول في خارطة التحالفات لو أن الخطابين السياسي والديني ابتعدا عن إدعاء وصايتهما على المجتمع وأن أياٍ منهما لا يمتلك الحل واقتناعهم بضرورة العيش المشترك وقناعتهم الأكيدة بخطورة ممارستهما والتركيز على القواسم المشتركة والالتزام بميثاق شرف يكون ضابطاٍ لكل تصرفاتهم وخلق ثقافة الود والاحترام المتبادل واحترام خيارات وقناعات الآخرين فإن ذلك قد تكون مقدمة طيبة لخلق أرضية للتقارب بين الجميع على أن يواكب كل ذلك خطاب إعلامي مسؤول ومتزن ومساعد على خلق الأجواء لكل ما سبق الحديث عنه.

قد يعجبك ايضا