
الجوع يفتك بمواطني اليمن وضحاياه يزدادون يوميا والتحذيرات العابرة للقارات من المنظمات والهيئات الدولية تدق ناقوس الخطر لكارثة بدأت تطل برأسها ونحن المعنيون مشغولون بالسياسة وتقاسم المناصب وتحقيق المكاسب غير آبهين لمصير قاتم ينتظرنا إن لم نساعد أنفسنا قبل طلب مساعدة الغير لنا.
لو صدر قرار يلزم الجائعين بربط بطونهم بالحجارة لوجدت اكثرمن نصف سكان اليمن رابطين بطونهم حقيقة مرة لكنه الواقع المؤلم الذي تشكو من جوره الآلاف الأسر وتؤكده الجولات والطرقات المليئة بالمتسولين والباحثين في براميل القمامة عن ما يسكت أطفالهم .
انعدام القدرة
أم محمد – امرأة في منتصف عمرها – تحمل كيساٍ وبملابس بالية تقوم من الصباح الباكرلتنبش المخلفات لتبحث عن بقايا الوجبات لتطعم بها أولادها الايتام وتجمع علب المشروبات الغازية لتبيعها كي تدفع أجرة الغرفة التي تقطنها هي وأولادها بعد أن توفي والدهم .
صحيح أن اليمن تعاني مشكلة انعدام الأمن الغذائي خاصة في الجانب الزراعي لكن المشكلة الأكبر هي عدم قدرة الناس على شراء ما يحتاجونه من غذاء ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد المجيد البطلي أن هناك تبايناٍ في توزيع الدخل حيث يستحوذ الخمس ذو الدخل الأعلى على نسبة 38.5% من إجمالي الإنفاق بينما لا يتحصل الخمس ذو الدخل الأدنى إلا على 9.6%. أي أن نسبة القدرة على الإنفاق لذوي الدخل الأدنى إلى القدرة على إنفاق ذوي الدخل الأعلى هي 4.1. ويظهر الفرق الكبير في توزيع الدخل في الحضر فقدرة الفقراء على الإنفاق تقل عن قدرة الأغنياء بحوالي ثماني مرات (1:8).
ويشير الدكتور علي بن مخاشن إلى ارتفاع نسبة الفقر الحاد وفقر الغذاء في الأوضاع العادية نتيجة لما مر به البلد من أحداث والأوضاع المعيشية السيئة تجعل الأسرة اليمنية عاجزة وغير قادرة على توفير الغذاء والاحتياجات الأساسية لأفرادها وهذا حتماٍ سيؤدي إلى زيادة المشكلات الأسرية والتفكك المجتمعي.
ويقول إن آخر تقرير لمنظمة اوكسفام الإنسانية يؤكد أن فقراء اليمن باتوا “على شفير الهاوية” إذ أن بعضهم يأكل مرة كل ثلاثة أيام وبعضهم الآخر يقتات على الخبز والشاي فقط.
الأطفال الأكثر ضررا
واستنادا لتقرير التغذية العالمي الصادر عن اليونيسف مؤخرا فإن ما يقارب من 60% من أطفال اليمن دون سن خمس سنوات يعانون من “سوء التغذية المزمن” والذي ينتج عنه التقزم في النمو وتأخر التطور العقلي. ومع ذلك فإن ما يزيد عن طفل واحد من بين كل ثمانية أطفال في اليمن (267,000 طفل) دون سن خمس سنوات يعاني من سوء التغذية الحاد الشديد (SAM) وذلك يعني أنه يواجه خطر الموت بسبب أمراض الطفولة الشائعة. هناك أيضاٍ 730,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد المتوسط (MAM) والذي يعني كذلك ازدياد مخاطر الإصابة بالأمراض ومن ثم الوفاة. الأطفال المصابون بسوء التغذية الحاد الشديد هم مجال التركيز الرئيسي لبرنامج التغذية من اليونيسف في اليمن بينما يدعم برنامج الغذاء العالمي أولئك الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد المتوسط.
وترى اليونيسف أن سوء التغذية ليس مرتبطاٍ فقط بالجوع وإنما هو مؤشر على محدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية ذات الجودة مثل الرعاية الصحية والمياه الآمنة والصرف الصحي.
تراجع
وتشير وزارة التخطيط والتعاون الدولي في أحد التقارير السنوية إلى تراجع متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح الحقيقي من (156511) ريالاٍ عام 2005 إلى نحو (143806) ريالات بما نسبته (8.12%) وبمعدل سنوي متوسط (2.1%) فإذا ما أضفنا الأثر السلبي لارتفاع درجة عدم العدالة في توزيع الدخول بين فئات المجتمع حسب بيانات مسح ميزانية الأسرة (2005-2006) مقارنة بنتائج مسح ميزانية الأسرة 1998م فإن النتيجة هي أن مستوى متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح الحقيقي للطبقات متدنية الدخل كان أكبر من معدل التراجع في متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي المتاح وهذا ما أكدته نتائج المسح الذي نفذه أخيراٍ صندوق الرعاية الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي والذي أظهر أن نحو (50%) من سكان الريف تحت مستوى خط الفقر وهذا ما ترتب عليه تزايد معدلات الهجرة من الريف إلى المدن وبالتالي البطالة بين الشباب وتفشي ظاهرة التسول والجريمة بل والانحراف والالتحاق بالجماعات التخريبية وهذا ما نتج عنه تعكير صفو الاستقرار والأمن الاجتماعي والسياسي وبالتالي وجود بيئة غير مواتية لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية مما حرم الاقتصاد من موارد كانت متاحة لتعزيز التنمية هذا إلى جانب ما تكبده الاقتصاد والمجتمع من خسائر مادية وبشرية ومالية جراء فتنة الحوثي في المناطق الشمالية والحراك في المناطق الجنوبية والقاعدة.
البنى التحتية
تتصف البنى التحتية بالضعف حيث ما يزال 48% من السكان خارج الشبكة الكهربائية و74% لا يحصلون على مياه مأمونة و84% لم تصلهم خدمات الصرف الصحي كما أن 50% محرومون من الخدمات الصحية .
النفايات
ورغم ما قيل ويقال في التقارير الدولية بشأن الأزمة الإنسانية القائمة فإن الوضع الإنساني يظل في تدهور مستمر بسبب بطء التحركات الدولية لكبح جماح التدهور على هذا الصعيد حسب المراقبين الاقتصاديين فهناك الكثيرون الذين ينبشون المخلفات بحثاٍ عن العلب الفارغة وعن كل شيء لكي يسدوا احتياجاتهم ويحاربوا وحش الجوع المسدل أستاره عليهم فماذا نحن فاعلون¿