في كل البلدان التي تُقدر تاريخها وتُعلي من شأن من صنعوا مجدها، يحظى الرياضيون القدامى بمكانة خاصة، فهم ليسوا مجرد أسماء في سجلات الأرقام، بل أيقونات للوطنية ومصادر إلهام للأجيال القادمة، أما في بلادنا اليمن فتبدو هذه القاعدة وكأنها استثناء حسبما نؤكد القاعدة، فبعد أن ألهبوا الملاعب ورفعوا راية الوطن وخطوا بجهدهم وعرقهم صفحات مشرقة في تاريخ الرياضة اليمنية، يجد الكثير من الرياضيين القدامى أنفسهم اليوم في طي النسيان يصارعون قسوة الحياة في صمت دون تقدير يذكر أو رعاية تحفظ لهم كرامتهم.
لقد كتبنا كثيراً عن هذا الموضوع أو هذه القضية، لكن يبدو أننا كمن يحرث في بحر، فكافة الأطراف والجهات المعنية في واد وهذه الفئة في واد آخر، لا يعرفون أن الكثير من هؤلاء الأبطال الذين كنا نهتف لأسمائهم بالأمس، يعيشون اليوم في ظروف معيشية صعبة للغاية فبعضهم يكابد المرض دون القدرة على تحمل تكاليف العلاج وآخرون يصارعون الفقر، في مشهد لا يليق بمن قدموا الغالي والنفيس لوطنهم وهذا الواقع المؤلم يعكس غياباً مؤلماً لثقافة التقدير والوفاء ويثير تساؤلات جدية حول المسؤولية الوطنية تجاه هؤلاء الرموز.
مؤخراً تابعت ومعي الكثير من الرياضيين والإعلاميين منشوراً قصيراً، لكنه يحمل في طياته آلاف المعاني والأوجاع، كان المنشور يتحدث عن قصة أحد نجوم الرياضة اليمنية القدامى، الذي لطالما أشار إليه الجميع بالبنان، فإذا به اليوم يصارع ظروفاً مادية قاسية ويُضطر لمد يده طلباً للمساعدة.. هذه القصة وإن كانت لنجم واحد، فهي تُلخص واقعاً مؤلماً يعيشه الكثير من رموز رياضتنا الوطنية الذين يتألمون بصمت مرتين، مرة من قسوة الظروف ومرة أخرى من قسوة النسيان والجحود لكل ما قدموه من تضحيات.
يُبدي الكثير من نجوم الرياضة اليمنية القدامى في مختلف الألعاب استغرابهم الكبير إزاء هذا التجاهل الكلي لهم ولتضحياتهم ولما قدموه للرياضة، حيث وجدوا أنفسهم على قارعة الطريق وكافة الجهات تتهرب من مسؤولياتها تجاههم، فالأندية الرياضية التي تعتبر مربط الفرس في هذا الجانب يُفترض أن تكون لديها إدارة أو قطاع خاص يُعنى بالجانب الاجتماعي ويُتابع كل ما يتعلق بأعضائها ورياضييها، سواء الحاليين أو المعتزلين، يجب حصر الحالات التي تحتاج للدعم والبحث عن طرق لتقديم المساعدة، على اعتبار هذا الأمر ليس مجرد واجب أخلاقي ،بل هو حافز ودعم معنوي للاعبين الحاليين والشباب ليدركوا أن النادي يهتم بهم حتى بعد الاعتزال ولا يتركهم يواجهون الفقر أو المرض وحدهم.
وهناك دور مهم لكنه غائب ويتمثل في الاتحادات الرياضية التي انشغلت بأمور أخرى كقضايا البيع والشراء والسمسرة والمهاترات الشخصية والاتهامات المتبادلة بالفساد والبحث عن طرق جديدة لصرف المخصصات والهبات، لكنها فعلاً ابتعدت عن واجبها تجاه هؤلاء النجوم والبقاء على تواصل مستمر معهم ورعايتهم، وتقديم ما يحتاجونه من مساعدات، ونأتي إلى وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية، إذ أن عليهما البحث عن أفضل السبل لإصدار قانون خاص لرعاية النجوم القدامى من قبل الدولة على غرار قانون الرعاية الاجتماعية وهذا في اعتقادي هو أبسط ما يمكن تقديمه من قبل الوزارة ومسؤوليها وإن كان يُعد جهد «العاجز» بالنظر إلى ما يمكن أن تقدمه الوزارة.
مما لا شك فيه أن الحديث عن الرياضيين القدامى في اليمن ليس ترفاً، بل هو واجب وطني، فكم من لاعب وهب شبابه وصحته لرفع اسم اليمن عالياً، منهم من أصيب بإصابات غيرت مسار حياته ومنهم من اعتزل الملاعب ليجد نفسه أمام واقع اقتصادي مرير دون وظيفة ثابتة أو دخل يكفيه هو وأسرته وهناك نقطة مهمة ومقترح يمكن أن يساهم في توفير حياة كريمة لهؤلاء الرياضيين ويُثري الرياضة اليمنية بالاستفادة من خبراتهم وتجاربهم المتراكمة، كما تفعل الكثير من البلدان المتقدمة عن طريق تبني مشروع تدريب وتأهيل الرياضيين القدامى وإعادتهم إلى الساحة الرياضية كمدربين أو إداريين أو فنيين أو مستشارين، ولنُثبت أن اليمن، رغم كل التحديات، ما زالت تحتفظ بتقديرها ووفائها لأبنائها الذين حملوا اسمها عالياً في ميادين الشرف الرياضي لننتقل من ثقافة النسيان إلى ثقافة التقدير.