من ساحات المحاكم في إيطاليا إلى قاعات الاجتماعات العربية: فعل مؤثر وعبث قاتل
محمد عبدالمؤمن الشامي
بينما يخوض القانونيون الإيطاليون معركة حاسمة على مستوى القضاء الدولي لملاحقة مجرمي الحرب من الكيان المحتل الإسرائيلي، تواصل بعض الأنظمة العربية مشهد الاجتماعات العبثية التي لا تتجاوز بياناتٍ شكلية لا تنصف فلسطين ولا تحمي شعبها من التهجير والإبادة. هذا التناقض الصارخ بين الفعل الحقيقي والتحرك الكاذب يُعبّر عن مأساة الموقف العربي الرسمي، ويكشف حجم التواطؤ والجمود الذي يعيق تحقيق العدالة ويُطيل عمر الاحتلال وجرائمه.
في إيطاليا، أعلن عدد من القانونيين الملتزمين بالوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني، عن إطلاق مبادرات قانونية جريئة على المستويات الوطنية والأوروبية والدولية، تهدف إلى ملاحقة ومعاقبة مجرمي الحرب من الكيان المحتل الإسرائيلي وشركائهم الدوليين، بداية من الحكومة الإيطالية نفسها التي يتحتم عليها محاسبة كل من يساهم في التواطؤ مع الاحتلال.
البيان الصادر عن هؤلاء القانونيين كان صريحًا وحاسمًا: لن تتوقف المعركة حتى تحقيق العدالة الكاملة ومحاسبة المسؤولين عن الإبادة والجرائم المرتكبة. وأكدوا أن هذه الجهود القانونية لا بد أن تترافق مع تعبئة شعبية عارمة، تجمع كل أطياف المجتمع الإيطالي في موقف واضح وصريح للدفاع عن فلسطين، ورفض الصمت أو التواطؤ.
وضع القانونيون أربع مطالب مركزية تمثل الخطوط الحمراء لأي حراك إنساني أو سياسي:
1. وقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فورًا ودون تأجيل.
2. ملاحقة ومحاكمة كل من ارتكب أو ساهم في ارتكاب هذه الجرائم البشعة.
3. قطع كل أشكال الدعم والتواطؤ مع الكيان المحتل الإسرائيلي، سياسياً واقتصادياً وأمنياً.
4. الاعتراف الفوري بدولة فلسطين كخطوة أساسية لاستعادة الحقوق وإنهاء الاحتلال.
ودعا البيان حركة التضامن مع فلسطين في كل المدن الإيطالية إلى التحرك العاجل، والدفع نحو تنظيم إضراب عام وطني يتوج بـ تظاهرة كبرى في روما، تُظهر للعالم أن الشعب الإيطالي يقف إلى جانب الحق الفلسطيني ويدين جرائم الاحتلال بلا تردد.
في الوقت نفسه، وعلى الصعيد العربي، أعلن المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الجامعة العربية، مهند العكلوك، مساء السبت، أن الجامعة ستعقد اجتماعًا طارئًا في القاهرة لمناقشة آليات التصدي لقرار الكيان المحتل الإسرائيلي بإعادة احتلال قطاع غزة كاملاً والسيطرة عليه، وما سينجم عن ذلك من تهجير قسري لشعب غزة داخل القطاع وخارجه.
لكن هذا الاجتماع، الذي يأتي في ظل معاناة متصاعدة، لم يختلف عن سابقاته من الاجتماعات العربية التي باتت تُنظر إليها على أنها تحركات شكلية وعبثية لا تخرج عن إطار البيانات السياسية الفارغة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
الشعوب العربية نفسها بدأت تدرك أن هذه الاجتماعات لا تقدم أي حلول فعلية، وأن التحرير الحقيقي لا يُصنع في القاعات المغلقة، بل على الأرض وفي ميادين النضال والمواجهة، وبالضغط الشعبي والقانوني المستمر الذي يوقف تدفق الدم الفلسطيني ويطالب بالعدالة الدولية.
إن التباين بين الفعل القانوني الحقيقي في إيطاليا، والحراك الشعبي المتزايد حول العالم، وبين الغياب العربي الرسمي عن اتخاذ خطوات حاسمة، يكشف عن مأزق الموقف العربي، وعن حجم التواطؤ والجمود الذي أعاق القضية الفلسطينية لعقود، وما زال يُطيل من عمر الاحتلال وجرائمه.
معركة فلسطين اليوم تُخاض في كل ساحات العالم، وليس فقط في أرض الميدان. فالقانون الذي يُستخدم كسلاح في يد الشرفاء قادر على ملاحقة مجرمي الحرب في كل مكان، وهز عروش حلفائهم السياسيين، وكشف الحقائق أمام المحافل الدولية.
في ظل الحماية السياسية التي توفرها بعض الحكومات الغربية للكيان المحتل الإسرائيلي، تأتي المبادرات الإيطالية لتؤكد أن هناك من يرفض أن يبقى مرتكبوا الجرائم بلا عقاب، ومن يرى أن الصمت خيانة والحياد جريمة.
النجاح في هذه المبادرات قد يفتح الباب أمام موجة أوروبية وشعبية متصاعدة، تُحاصر الكيان المحتل في كل المحافل، وتدفع نحو عزله وتجريده من شرعيته الزائفة، حتى يتحقق حلم العدالة للشعب الفلسطيني ويبدأ فصل جديد في تاريخ التحرر.