حاوره/عبدالله الخولاني –
أداء الحكومة يتسم بالبطء ..والوضع المعيشي للمواطن غائب
تضخيم الجهاز الإداري أصاب الاقتصاد الوطني في مقتل
القطاع الخاص لا توجد لديه النية في تنفيذ ضريبة المبيعات ..والحديث عنها بعد هذه السنوات مخز.
رفع الدعم عن المشتقات النفطية خضع للمماحكات السياسية بعيدا عن مصلحة المواطن
يحيى المتوكل الوزير السابق والأكاديمي الاقتصادي يتحدث بشفافية عن الوضع الاقتصادي للبلد بعيدا عن التحفظات والاعتبارات التي كان المتوكل الوزير يضعها بالحسبان في الماضي ذكر القضايا الملحة المطلوب التعاطي معها وأعطى تقييما سلبيا لأداء حكومة الوفاق الوطني واصفا أداءها بالبطيء وغير المبشر خاصة في ما يتعلق بالقضايا المتعلقة بمعيشة المواطن متذكرا قضية ضريبة المبيعات التي تولى رئاسة إحدى اللجان لحلها ولكن دون جدوى فالقطاع الخاص لا تتوفر لديه النية لتنفيذ القانون مستفيداٍ من ضعف القرار السياسي – حسب قوله – مستغربا من موقف الأحزاب السياسية من قضية رفع الدعم عن المشتقات النفطية واستخدامها ورقة للمماحكات السياسية بعيداٍ عن مصلحة الوطن.. مزيدا من التفاصيل في سطور اللقاء التالي
> بداية كيف تقيمون وضع الاقتصاد اليمني في هذه المرحلة¿
– بطبيعة الحال الوضع الاقتصادي يعكس نفسه بشكل أساسي في مؤشرات الاقتصاد الكلي وكذلك على مستوى الجزئيات الخاصة بمعيشة الناس ولا يخفى على أحد التدهور الذي أصاب الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة نتيجة الأزمات العالمية وكان تأثيرها واضحاٍ على الاقتصاد الوطني ابتداء بأزمة الغذاء ومرورا بالأزمات الاقتصادية والمالية فضلاٍ عن استمرار الأزمات الداخلية وتردد الدولة وضعفها في مواجهتها مما ترتب عليه تراجع واضح في أداء الاقتصاد الوطني وتفاقم التحديات والصعوبات التي قادت في نهاية الأمر إلى وقوف الحكومة عاجزة عن تنفيذ خططها وبرامجها. أما اليوم فنحن نتحدث عن وضع استثنائي لفترة تتجاوز السنة وتمثل في توقف العديد من الأنشطة العامة والخاصة نتيجة الوضع الأمني وكذلك فقدان الدولة لموارد مالية أساسية وتغير أولويات الإنفاق في ظل الاضطرابات والاختلالات الأمنية مما أدى بدوره إلى توقف العديد من المشاريع التنموية بما فيها الأساسية التي كان ينبغي مواصلة تنفيذها.
طبعا هناك العديد من المسائل المرتبطة بالجانب المالي وموازنة الدولة ولكن هناك أموراٍ تتعلق بالسياسة النقدية والتي وإن حافظ الريال إلى حد ما على قيمته إلا أنه في نهاية المطاف أمر لا يعكس سياسة نقدية رشيدة لأنه لا بد أن يخضع في نهاية المطاف لقواعد وآليات السوق مهما طال الزمن ولا ينبغي الدفاع عنه باعتبار تكلفة ذلك عالية وخاصة في بلد تعتبر مصادر النقد الأجنبي لديه محدودة. ومع ذلك لا يعني ذلك عدم النظر إلى الجانب المرتبط بمعيشة الناس ومعالجته والذي نجده غائباٍ ويتطلب سياسات استثنائية أو سياسة طوارئ كما ذكرت سابقاٍ
سياسة الطوارئ
> سياسة الطوارئ التي ذكرتها ماهي أبرز ملامحها¿
– ابتداءٍ لا يمكن أن نطلب من الحكومة أكثر من طاقتها ولكن ينبغي على أي حكومة أن تتعامل في اتجاهين الأول يتعلق بالواقع والممكن والثاني مرتبط بوضع تصورات وسيناريوهات للفترة القادمة على أبعد حد متوسطة المدى. وتتطلب سياسة الطوارئ المطلوبة أن يكون هناك اتساق فيما يطبق من سياسات وما يؤثر على معيشة الناس بشكل أساسي سواء تحدثنا عن توفير السلع الأساسية أو في تبني سياسة واضحة للمشتقات النفطية أو ما يترتب على الدولة في تقديم بعض الخدمات أو تنفيذ أعمال ومشاريع أساسية لا يمكن إغفالها أو الاستغناء عنها حتى في هذه الظروف فضلاٍ عن القضية الأساسية المرتبطة بالمرتبات والحقوق المترتبة على المشاريع المرتبطة بالأمان الاجتماعي. فالحد الأدنى الذي ما زال يربط بين العاملين في الدولة هو المرتب ومع ذلك يجب أن تعمل الدولة على ضبط الأداء الحكومي وتأكيد الالتزام بالوظيفة العامة. طبعاٍ هذه القضايا تسير الآن بعفوية أكثر من كونها تعبر عن خطط وقرارات مدروسة من قبل الدولة بل إن هناك رؤى مختلفة حول الوضع العام والاقتصادي حيث يرى الكثيرون أن هشاشة الوضع الاقتصادي قبل التطورات الأخيرة والثورة المستلبة هي من الأسباب التي لم تظهر الاختلالات الاقتصادية بشكل كبير لأنه كما يقولون مقدار الخسارة يكون أقل وإذا صح التعبير فبعيداٍ عن اختلال الموازين المالية والتجارية لا يظهر لنا الجديد من مظاهر ضعف الاقتصاد الوطني. ومع ذلك فإن استمرار هذه الاختلالات وتحمل الاقتصاد الوطني الظروف الصعبة في العديد من الجوانب فإنه ما لم تظهر بوادر انفراج والحصول على موارد مالية تعيد الحركة للاقتصاد الوطني بالتوازي مع الدفع بالقطاع الخاص للعودة إلى نشاطه بقدر من التفاؤل فإن استمرار هذا الوضع سيكون تنازلياٍ وكارثياٍ.
الموارد
> أنت ركزت في حديثك على قضية توفير الموارد المالية ..هل نفهم من ذلك أن الارتهان للخارج هو الحل لتوفير هذه الموارد أم هناك بدائل أخرى ¿
– الصراحة تتطلب أن يشير المرء إلى صعوبات توفير موارد مالية داخلية سواء تحدثنا عن الإيرادات النفطية والتي نعرف إشكالياتها الحالية حتى في ظل كميات الإنتاج المتراجعة أو نظرنا إلى الإيرادات غير النفطية التي هي أساسا منخفضة وفي أحسن الظروف لا يمكن أن تتجاوز مستوياتها السابقة في ضوء تراجع هيبة الدولة وقوتها كعامل أساسي في هذا الشأن. وبالتالي لا يوجد مخرج أو مفر من اللجوء للمساعدات الخارجية وهذا أمر معروف لدى الجميع واعتقد أنه أمر بديهي باعتبار أن المبادرة الخليجية والتسوية السياسية ارتبطت بالعامل الخارجي وإلى حد كبير اعتبر البعض أن التسوية جعلت القرار اليمني مرتهناٍ للخارج إذاٍ لا يمكن أن ترهن قرارك السياسي وفي الوقت نفسه تتعالى عن طلب المساعدة خاصة والاقتصاد الوطني اعتمد خلال العقود الماضية على المساعدات الخارجية رغم أن الحكومات المتعاقبة لم تتمكن من استغلالها الاستغلال الأمثل وهذا معروف لدى الجميع نتيجة ضعف القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني بسبب البيروقراطية والفساد الذي استشرى بشكل كبير في السنوات الأخيرة وكذلك فإن المانحين أنفسهم كانوا مساهمين في عدم الاستفادة من المساعدات وتأخيرها.
مسئولية مشتركة
> أنت كمسئول حكومي سابق نريد أن نعرف منك حقيقة عدم استفادة اليمن من القروض والمساعدات الخارجية¿
– واقع الأمر أن الحكومة والمانحين يتحملان مسئولية عدم استفادة اليمن من هذه الأموال ولكن صاحب الشأن الجانب اليمني هو المعني بالدرجة الأساسية في متابعة الحصول على التعهدات التي عادة ما تلتزم بها الدول والجهات المانحة وكان آخرها كما يعلم الجميع مؤتمر لندن الذي انعقد في نوفمبر2006م وتجاوزت تعهدات المانحين فيه 5مليارات دولار. والتنفيذ السليم يتطلب دراسات وخطوات مخططة ومبرمجة ومعدة سلفاٍ للمشاريع التي تقدم للمانحين للتمويل. وتأتي إشكالية التنفيذ من عدم اتخاذ الإجراءات المناسبة ومتابعة ترجمة تلك التعهدات سواء من خلال الاتفاق على المشروعات المراد تمويلها أو إجراءات التنفيذ كالمناقصات وغيرها. كما أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في عدم اتساق ووحدة القرار لدى الحكومة وظهور وجهات نظر متعددة واجتهادات فردية تؤثر إلى حد كبير على القرارات بل وقد تغيرها بين يوم وليلة كما لا ينبغي أن نغفل قضية الفساد المستشري والذي له دور كبير في إبطاء تنفيذ المشاريع التي نجدها في قوائم الخطط والبرامج لسنوات طويلة والتي قد لا تحتاج لأكثر من عام إلى عامين للتنفيذ ولتبقى معلقة لسنين طويلة ولدينا أمثلة واضحة على ذلك مطار صنعاء الجديد ومحطة توليد الكهرباء مارب 2 وخط الغاز من مارب إلى معبر والوحدة الخامسة للغاز المنزلي وغيرها كثير من المشاريع المرتبطة بالطرق أو الإنشاءات أو جانب السياسات الاقتصادية وحتى في الجانب الاقتصادي الخاص. فهذه المشاكل والعراقيل لا تقتصر على الجانب الحكومي ولكن تنطبق وتمتد إلى القطاع الخاص الذي يعاني بدوره ويشارك في الفساد المستشري. ويمكن كذلك إلقاء جانب من المسئولية على الجهات المانحة التي تضع أحياناٍ شروطاٍ غير مبررة بل ونجد حالات عديدة تتصف بعرقلة إجراءاتها الروتينية والبيروقراطية التي لا تبتعد عما نشاهده في الجانب الحكومي فأحيانا تحتاج لأن تتابع الإجراءات الإدارية لدى الجهات المانحة بما فيها منظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي لوقت طويل ويمر العام أو أكثر دون أن تستكمل الإجراءات اللازمة لتخرج هذه المشاريع أو القرارات إلى النور.
طرح عجيب
> كثير من المراقبين وحتى المواطن البسيط يتحدث عن أن اليمن غني بموارده ولا يحتاج إلى أية مساعدات ولكن الإشكالية مرتبطة بالفساد..هل تتفق مع هذا الطرح¿
– نحن نسمع هذه المفردات والجمل بتكرار عجيب وأود هنا أن أشير إلى بعض الخلفيات والتي قامت بها الحكومات السابقة وبالتحديد وزارة التخطيط والتعاون الدولي بالتعاون مع العديد من الجهات في إعداد رؤى للمستقبل وأتذكر بالذات في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي التوجهات الحقيقية والجادة للتعامل مع قضايا التنمية من خلال تقييم الإمكانيات والموارد المتاحة للاقتصاد اليمني وأيضا وضع تصور بعيد المدى تمثل في رؤية استراتيجية سميت آنذاك الرؤية الاستراتيجية لليمن 2025م والتي حددت مسارات مبنية على المزايا النسبية للاقتصاد اليمني وكيفية التحرك نحو التنوع. وقد أقرت تلك الرؤية الاستراتيجية من قبل الحكومة ومن ضمن ما تناولت أبعاد الحراك السكاني الذي يمكن أن يتحرك من المناطق الجبلية ذات الموارد المحدودة وخاصة المياه إلى المناطق الساحلية التي تعتبر أكثر رحابة وقابلة للتوسع والتنمية مع سهولة الانتقال ومعالجة التحديات الأساسية مثل النمو السكاني الكبير وشحت الموارد المائية.
وقد شهدنا خلال السنين الماضية تنفيذ بعض المشاريع الرئيسية التي تترجم هذه الرؤية الاستراتيجية مثل الطرق التي تربط أطراف اليمن وبامتداد الساحل والصحراء وكذلك إقامة بنى تحتية في المناطق الساحلية وبعض المشاريع الاستراتيجية في عدن والحديدة والمكلا. ومع ذلك إذا عدنا لقضية الموارد المتاحة لليمن فالواقع أن الحكم في تحديد الغنى من الفقر هو دراسة الموارد المتاحة حيث تم إجراء بعض الدراسات فعلى سبيل المثال الأرقام المتاحة فيما يتعلق بالاحتياطيات المثبتة للنفط والغاز ليست بالكبيرة مقارنة بدول نفطية حقيقية وهذه الكميات قد تنتهي خلال عشر سنوات وقد شهدنا بالفعل تراجعاٍ في الإنتاج خلال الفترة الماضية ولهذا يدعو البعض وأنا منهم إلى إعادة النظر في السياسة النفطية سواء جانب الاستهلاك المحلي وضرورة ترشيده أو سياسة التصدير لأنك تصدر سلعة قد تحتاج بعد سنوات قليلة إلى أن تستوردها في ظل محدودية الموارد المالية المتاحة للدولة. قد توجد لدينا موارد ترتبط بالصناعة الاستخراجية مثل الرخام والاسمنت ولكنها لا تكفي في حد ذاتها ما لم ترتبط بتوفر مصادر طاقة حقيقية وبشبكة نقل منخفضة التكلفة. أما مسألة الثروة السمكية فأعتقد أن الكثيرين يقعون في خطأ وخلط كبيرين عندما يتحدثون عن إمكانية أن تكون هذه الثروة بديلاٍ للنفط لأن المعطي الحقيقي غير متوفر الآن ويتطلب إجراء مسح أساسي لتحديد المخزون السمكي الذي يحدد نوعية الأسماك الموجودة وقيمتها التجارية وأيضا كميات الأسماك التي يمكن أن تنتج سنويا دون الأضرار بالمخزون وبالتالي بعيدا عن ذلك لا يمكن أن نتحدث عن هذا الموضوع بثقة عالية والحكومات السابقة تحدثت عن إجراء هذا المسح ولكن للأسف لم يتم إجراء هذا المسح إلى اليوم. كذلك ما يتعلق بالموارد البشرية ورغم أهميتها ودورها في النهوض الاقتصادي إلا أن بشراٍ أميين لا يمتلكون مهناٍ ولا مهارات وإنتاجهم ضئيل للغاية وفي كثير من الأحيان يعكس بطالة مقنعة أو خفية ولا يمكن أن تعتمد على هذا المورد أو استغلاله ما لم نؤهله من خلال التعليم والتدريب والتأهيل وليتحول من عبء كما هو الوضع الحالي إلى مورد اقتصادي وينبغي بالتالي أن يكون أولوية في إطار خطط وبرامج بعيدة المدى خاضعة للتقييم دون إنفاق أموال كبيرة دون جدوى ولا تحقق الغرض الأساسي من التعليم كما نشاهد اليوم تخرج أعداد كبيرة بعيدة كل البعد عن التعليم والتأهيل.
مماحكات سياسية
> رفع الدعم عن المشتقات النفطية أصبحت مثار جدل في أوساط الشارع اليمني ..برأيكم ما هو الحل العادل للحكومة والمواطن على السواء¿
– إزالة الدعم عن المشتقات النفطية موضوع تجاوز الحديث عنه خمسة عشر عاما وما زلنا عالقين وندور حول أنفسنا ونكلف الخزينة موارد نحن في أمس الحاجة أن تنفق على أولويات أخرى. فالدعم في دولة فقيرة كاليمن مؤسساتها ضعيفة لا تستطيع أن تنفذ السياسات المتوازنة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحقق هدفها ولهذا فإن إلغاء الدعم عن مادتي القمح والدقيق في منتصف التسعينيات كان واضحاٍ ونتائجه إيجابية بكل المقاييس ومنها حتى انخفاض الكميات المستوردة والذي يعني أن منها كميات فائضة يساء استخدامها والمتاجرة بها في السوق السوداء داخل البلاد أو خارجها. واستطاعت الحكومة آنذاك الاتجاه نحو التعويض الجزئي والاستهداف المباشر للفقراء والمتمثل بالمبالغ النقدية التي يدفعها صندوق الرعاية الاجتماعية ولكن ضعف الآليات في مؤسسات الدولة يدخل الفساد في هذه الآليات ويتم حرفها عن هدفها وتوزيع بعض الحصص لناس غير مستحقين رغم أن الفكرة في حد ذاتها سليمة لأن الدعم عموماٍ لا ينبغي أن يكون عاماٍ للجميع وإنما يستهدف الفئات المستحقة له وهذا ينطبق على المشتقات النفطية. فالآن نتحدث عن ارتفاع مستمر في استهلاك المشتقات النفطية وأيضاٍ ارتفاع في أسعارها العالمية وبالتالي تتسع الفجوة بين السعر الرسمي والسعر العالمي والذي تتحمله الدولة والأغرب من ذلك أنه في الوقت الذي تصدر الحكومة اليمنية جزءاٍ يسيراٍ من حصتها من النفط الخام تستورد في المقابل جزءاٍ كبيراٍ من احتياجاتها من المشتقات النفطية وخاصة مادة الديزل وهو الأعلى سعرا والأكثر استهلاكاٍ. وينبغي لسياسة الحكومة أن تشجع التحول من الديزل وكذلك البنزين إلى الغاز ولكن الذي يحدث أن بقاء سعر الديزل أقل من سعر البنزين محلياٍ يدفع الناس للتحول من المشتق الأخص (البنزين) إلى الأغلى (الديزل) وبالتالي ترتفع فاتورة الدعم. إذاٍ قرار إزالة الدعم عن المشتقات النفطية واضح وجلي ولا ينبغي الاختلاف عليه إطلاقاٍ وخاصة أن مواقف الأحزاب السياسية تحولت بقدرة قادر فأصبحت الاحزب التي كانت تعارض إلغاء الدعم في السابق مع القرارات الجديدة والعكس صحيح وهذه مماحكات سياسية لا تنظر إلى مصلحة المواطن إطلاقاٍ وإنما إلى الكسب السياسي على حساب الوطن. والأغرب أن موقف مجلس النواب لم يعكس موقفاٍ يسعى لمصلحة الشعب وإنما هرول لاتخاذ قرار عشوائي وعفوي يعارض الحكومة دون أن يبذل جهداٍ لدراسة البدائل والسيناريوهات المختلفة أو يستدعي الحكومة في إطار اللجنة المعنية لدراسة الموضوع ولكن وجدناه في اليوم التالي يتخذ قراراٍ غير مبرر إلا من نظرة ضيقة والبعض من قبيل المماحكة السياسية. ونعلم أن الغالبية من الناس يحصلون على الديزل بأعلى من السعر الرسمي ومبرر استغراب أن الحكومة رفعت سعر الديزل من 1000 ريال إلى 2000 ريال للدبة مردود عليه باعتبار أن المزارعين والمنشآت الاقتصادية وحتى المستهلك الفرد يشترون الديزل منذ أكثر من سنة بقيمة أعلى من 2000ريال. وأعتقد أن الظروف تهيأت دون أي مجهود من الدولة ليتقبل الناس السعر الجديد مع ضرورة استمرار توفره دون انقطاع وبحيث يستطيعوا أن ينظموا أعمالهم في ضوء ذلك. أما من يدعي أن أسعار السلع والخدمات الأخرى سوف ترتفع نتيجة ذلك فأمر مردود عليه لأن الارتفاعات التي تحققت طوال أكثر من سنة قد انعكست بأعلى من السعر الحالي في كافة السلع والخدمات بما فيها نقل الركاب والبضائع ويمكن الاستفسار من التجار مباشرة إذ تتحمل السلع اليوم ضمنيا سعر للديزل يفوق الألفي ريال للدبة ويفوق 2500 ريال لدبة البنزين.
وأؤكد هنا أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية لابد أن يرافقه استخدام المبالغ التي سيتم توفيرها في مجال الحماية الاجتماعية وتحديداٍ برامج تستهدف الفقراء ومحدودي الدخل وهي قضية أساسية وكذلك نحو التمويل الأصغر الذي نحن بحاجة للتوسع فيه لدعم المبادرات الذاتية للشباب والعاطلين عن العمل.
ضعف القرار
> ضريبة المبيعات لغط كبير يدور حولها ..وانتم ترأستم عندما كنتم وزيراٍ للصناعة لجنة مشتركة لحل هذا الجدل الدائر بين الحكومة والقطاع الخاص ولكن دون جدوى¿
– الجدل حول ضريبة المبيعات أصبح من الأمور المخزية لأننا نتحدث عن قانون صدر منذ ثمان سنوات أو أكثر وللأسف الحكومة عجزت عن تنفيذ القانون ليس لأسباب فنيه وإنما لضعف واضح في أجهزتها والتدخلات من وقت لآخر والذي يؤثر على القرار السياسي المتردد. وفكرة ضريبة المبيعات إيجاد مورد أساسي لخزينة الدولة سواء كانت متقدمة أو نامية حيث نجدها تمثل الجزء الأكبر من الإيرادات باعتبارها تأخذ مباشرة من الاستهلاك ويتحملها المستهلك ومن هنا تأتي حكمتها حيث لا يتحملها المجتمع ككل وإنما المستهلك الذي يشتري السلعة. والإشكالية المستمرة هي في البحث عن بدائل تناسب الحالة اليمنية التي عيبها الأساس هو عدم امتداد يد الدولة ومؤسساتها إلى كل أراضي الدولة وعدم سيطرتها على الأسواق ونحن نعرف مشاكل التهرب الضريبي وهو ما دفع للبحث عن صيغ أخرى وهل يكون التحصيل في المنفذ أو عند نقطة البيع. وخلاصة الموضوع دون الدخول في التفاصيل الفنية أن ضريبة المبيعات المطبقة منخفضة ومناسبة لمستوى الدخل في اليمن بالإضافة إلى أن ضريبة القيمة المضافة التي أضيفت إليها لا تشكل المحك الأساسي للاختلاف وإنما الخلاف يتمثل في عدم رغبة القطاع الخاص في تنظيم أعماله وبالذات الشركات والمؤسسات الكبيرة التي تحس بالراحة في التعامل مع الأوضاع الحالية رغم شكواها الظاهرية من الأساليب والابتزاز من موظفي الدولة وهي قضية حقيقية ينبغي معالجتها حيث تم اعتماد الإقرار الذاتي بدلا من تعامل المكلف مع مأمور الضرائب. ولكن وكما قلت أن عدم وجود قناعة ورغبة لدى القطاع الخاص وهو الطرف الأساسي في هذا الجانب هو السبب. وحين ترأست لجنة لحل هذه الإشكالية بين مصلحة الضرائب والقطاع الخاص في عام 2010م وأطلعت على الملف بشكل كامل واستمعت لوجهات النظر من الطرفين كان الرأي أن نتجاوز خلق إشكاليات غير حقيقية ونبدأ تطبيق القانون لفترة محددة وفق الآلية المتفق عليها لمدة سنة إلى سنتين تقيم بعدها النتائج ويمكن بعد ذلك إجراء التعديلات اللازمة بما في ذلك تعديل القانون حيث أن الآلية المتفق عليها قدمت أساسا من القطاع الخاص وقد تم الرفع بذلك إلى رئيس الوزراء وعلى أساس أن يبدأ التنفيذ فوراٍ. وما نراه اليوم هو استمرار لتلك المماحكات وخاصة في ظل ظروف تفتح للقطاع الخاص المجال أن يبحث عن دعم له بين الاختلافات الموجودة في القرار السياسي حيث استغربت قرار رئيس حكومة الوفاق بتشكيل لجنة للنظر في هذا الموضوع وهو نسف للجهود السابقة والدوران في حلقة مفرغة والذي سيجر نفسه سنة بعد سنة يفقد الدولة ليس فقط ضريبة المبيعات المحددة بالقانون وإنما الضرائب الأخرى التي كانت تحصلها عن طريقة ضريبة الإنتاج والاستهلاك.
قرار قاتل
> كثير من القرارات السياسية والحكومية صدرت في توظيف أعداد كبيرة من المدنيين والعسكريين ما تأثير ذلك على الأداء الحكومي والموازنة العامة للدولة¿
– أعتقد أن هذا السؤال هام للغاية وينبغي بالفعل قراءته وفحص مضمونه من قبل القيادة السياسية والحكومة والوزراء المعنيين إذ نعلم جميعا أن نسبة المرتبات والأجور في النفقات الجارية أعلى من المتوسط بكثير إذا تمت مقارنته بعدد من الدول وأيضا من المؤشرات الخطيرة التي تنذر بأن موارد الدولة قد تعجز في يوم ما عن مواجهة الأجور والمرتبات فما بالنا بزيادة حجم الجهاز الإداري للدولة الذي لا يحتاج أساساٍ إلا إلى أقل من نصف العدد الحالي من الموظفين فالعديد من الدراسات دعت إلى تقليص هذا الكم الهائل من خلال تفعيل قانون التقاعد لمن بلغ أحد الأجلين نتيجة عدم القدرة على الاستغناء الفوري عن الموظفين بحكم القانون ولكن أن تأتي وتزيد الطين بلة وتضخم الجهاز الإداري للدولة بل وللأسف يتم ذلك من خلال إصدار قرارات غير مدروسة ذات طابع سياسي أو شعبوي مثل توظيف 60 ألف شخص دفعة واحدة في جهاز إداري مصاب بالترهل أساساٍ والآن أصيب بمقتل إذا صح التعبير فلا يمكن لأحد أن يبرر ويقنعنا بأهمية توظيف هذه الآلاف بقرار مدروس. حتى لو تم النظر إلى الموضوع سياسيا والخضوع للضغوط كان يمكن اتخاذ بدائل أخرى وأخف ضرراٍ مثل أن تدفع رواتب في شكل إعانة بطالة لفترة محددة دون أن تلحقهم بالجهاز الإداري للدولة ويمكن لهم مواصلة البحث عن أعمال لأنه لا توجد أعمال محددة لهم أو أماكن شاغرة وإنما اضطروا لمزاحمة زملائهم وبالتالي انخفضت إنتاجية زملائهم. فالدولة أعلنت منذ تطبيق برنامج الإصلاح المالي والإداري أنها غير معنية بتوفير الوظائف لكل مخرجات التعليم وهذا يتطلب معالجات في شق آخر لأن التضخم الإداري قاتل للموازنة العامة للدولة وينبغي الوقوف أمامه بمسئولية اقتصادية واجتماعية.
أولويات
> برأيكم ماهي الأولويات المطروحة أمام حكومة الوفاق بصورة مستعجلة¿
– لدي رأي بخصوص حكومة الوفاق وكنا نأمل أن تسير باليمن نحو الأمام ولكن المؤشرات الأولية ليست مشجعة سواء من خلال تشكيلها بالمناصفة بين طرفي المعادلة السياسية وكان يفترض اعتماد المثالثة على الأقل ليمثل فيها غالبية اليمنيين وهم المستقلون وبالتالي ضبط أداء الحكومة والجانب الآخر أشخاص الوزراء الذين تولوا الحقائب الوزارية ولا اعتقد أن كل طرف سعى لأن يقدم أفضل ما لديه واعتمدت معايير مختلفة لم تراع الكفاءة والقدرة وإنما اعتبارات سياسية بحتة تتعلق بالحصانات والضمانات. وللأسف هذه الاعتبارات والمآخذ انعكست على أداء الحكومة وفي مخرجاتها فأداء الحكومة يتصف بالبطء الشديد كما أن أولوياتها لا تعبر عن ضرورات المرحلة وقراراتها غير متكاملة مع رأس الدولة وهو ما تضمنته المبادرة الخليجية حيث تتولى حكومة الوفاق الأمور التنفيذية فيما يبقى رئيس الدولة معنياٍ بأمور الوفاق بدرجة أساسية لكن أن نجد حكومة الوفاق عالقة ومرتهنة للمماحكات السياسية ولا تؤدي دورها في الجانب الاقتصادي حيث كنا نشكو دائما أن الملف الاقتصادي لم يكن يحظى بالاهتمام المطلوب مما أوقعنا في الإشكاليات الاقتصادية والصعوبات المعيشية للمواطن والآن هذه القضية تعيد نفسها مع حكومة الوفاق بل والأغرب أن الاجتماع الوحيد للمجلس الاقتصادي الأعلى لم يكن لبحث الرؤى والاستراتيجيات الاقتصادية بل لمناقشة وإقرار اتفاقيات نفطية نمطية يتم إقرارها بشكل تلقائي. لذلك على حكومة الوفاق أن تكون صاحبة الامتياز في اتخاذ القرار الاقتصادي والسياسي معاٍ.