الثورة / متابعات
يزداد تأثير المجاعة التي يعيشها سكان قطاع غزة ليشمل كل مقومات الحياة وأصحاب الاحتياجات وحتى من لم يولدوا بعد؛ حيث تُحدق المخاطر بالنساء الحوامل اللاتي يحتجن إلى رعاية صحية ونظام غذائي لا يجدن منه شيئًا في ظل هذا الحصار الكامل، فضلًا عن افتقادهن للطعام والشراب اللذين لا غنى لأحد عنهما..
الخطر الذي تواجهه الحوامل داخل القطاع، لا يقتصر على أوضاعهن الصحية، بل يمتد إلى الأجنة في بطونهن، نتيجة لفقدانهم عوامل بقائهم حتى الولادة، وكذلك افتقاد من يبقى منهم حيًّا لمقوّمات سلامة الأعضاء والوظائف الحيوية، ليكونوا أكثر عرضة للتشوّه وضعف النمو..
أمبيرين سليمي، طبيبة أمريكية وصلت إلى مجمّع ناصر الطبي في خانيونس: أجرت عمليات لنساء حوامل تعرضن لإصابات خطيرة، كما رصدت حالات سوء تغذية حاد بيهن الأمهات والأطفال.
“حُكمٌ بالموت”
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان، عبر منصة “إكس”: إن الحوامل في غزة “يتضورن جوعًا، ويعشن في خوف دائم، ويُجبرن على الولادة في ظروف غير إنسانية”. وأشار الصندوق إلى أن حالة حمل واحدة من كل ثلاثة، تُصنّف على أنها عالية الخطورة، في حين يولد طفل من كل 5 أطفال إما مبكرًا أو ناقص الوزن، بينما 40% من الحوامل والمرضعات يعانين من سوء تغذية حاد.
وأكد الصندوق، أن هذه ليست مجرد أزمة صحية، بل “حكم بالموت” يتهدد حياة الأمهات وأجنتهن في ظل عجز المجتمع الدولي عن وقف الانهيار الإنساني في القطاع.
يؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان: ٤ من كل ١٠ حوامل أو مرضعات في غزة يعانين من سوء تغذية حاد.
جريمة ممنهجة
بدوره، قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة، الدكتور منير البرش، إن 180 روحًا أزهقها الجوع حتى الآن، بينهم 93 طفلًا.
وأضاف البرش -عبر منصة إكس-: “في آخر 24 ساعة فقط، ارتقى 5 شهداء جدد بسبب سوء التغذية”، مشددًا على أن ما يحدث في غزة ليس قدرًا طبيعيًّا، بل جريمة ممنهجة يرتكبها الحصار وتباركها قسوة الصمت الدولي.
وتساءل مدير الصحة بغزة: “هل تتخيل أن يموت طفل لا لشيء سوى لأنه لم يجد ما يأكله؟”، مؤكدًا أن كل طفل مات جوعًا كان يمكن إنقاذه بعلبة حليب، وكل روح أزهقت كانت تنتظر لقمة، وجرعة دواء، ونظرة رحمة، وأن المجاعة في غزة “ليست كارثة طبيعية بل جريمة حرب مكتملة الأركان”.
ونشر البرش صورًا لطفلين من شمال مدينة غزة، عدي ومحمد مهرة، يصارعان سوء تغذية حادًّا بعدما أصبح الغذاء حلمًا، والحليب ترفًا، والمستقبل خطرًا.
إحصائيات كارثية
أما منظمة أطباء بلا حدود، فكشفت أن طفلًا من كل أربعة، وأن نساء حوامل يعانون من سوء التغذية مع استمرار سياسة التجويع في غزة.
وأضافت المنظمة، أن 25% من الأطفال والحوامل الذين خضعوا للفحص يعانون من سوء التغذية، مؤكدة أن ما يحدث في غزة تجويع متعمد صنعته السلطات الإسرائيلية.
وطالبت المنظمة السلطات الإسرائيلية السماح بدخول الإمدادات الغذائية والمساعدات إلى غزة على نطاق واسع.
مجزرة صامتة
وقد أثارت هذه الإحصائيات موجة من الغضب والاستياء الواسع على منصات التواصل الاجتماعي؛ حيث عبّر الناشطون عن صدمتهم من حجم المأساة التي تعيشها النساء والأطفال في غزة منذ أكثر من 22 شهرًا، وسط صمت دولي مطبق وتجويع إسرائيلي ممنهج.
ووصف عدد من الناشطين الوضع بأنه “مجزرة صامتة” وسط تجاهل دولي مستمر، مشيرين إلى أن ما يجري يتجاوز المجاعة ليصل إلى جريمة مكتملة الأركان بحق مستقبل جيل بأكمله.
وأكدوا أن أجساد الأطفال تتآكل بصمت، وأن مظاهر سوء التغذية الحاد أصبحت واضحة، من توقف النمو، وهشاشة العظام، وضمور العضلات، إلى نقص الفيتامينات، وضعف الدم، والتراجع الحاد في البنية الجسدية، في مشهد يلخص قسوة المجاعة التي يعيشها القطاع. وكتب أحد الناشطين: “هذه ليست مشاهد من مجاعة العصور الوسطى، بل من غزة اليوم.. حيث الاحتلال لا يقتل فقط بالقنابل، بل أيضا بالتجويع المنهجي”.
أطفال لا تنمو
وفي شهادة مؤلمة، روت إحدى الأمهات تجربتها مع الحصار قائلة: إن “ابني في هدنة قصيرة نما له 4 أسنان، كنت لا أبخل عليه بأي شيء حتى في زمن الغلاء، فظهر نموه طبيعيًّا، لكن اليوم، منذ أكثر من سنة و3 أشهر، ولم يخرج له أي سن، لأنه لا يأكل سوى العدس والمعكرونة وخبز الدقة!”.
وتداول الناشطون رسائل حزينة عن معاناة الحوامل، مؤكدين أنهن لا يحملن في بطونهن أطفالا فقط، بل الخوف، والجوع، والإرهاق، والخذلان. وأوضحوا أن المرأة تدخل غرفة الولادة بجسد منهك وتخرج بطفل هزيل بالكاد يلتقط أنفاسه الأولى، وسط حصار خانق، وانعدام الغذاء، ونقص الدواء، وتفشي الأمراض.
وأشار الناشطون إلى أن الحوامل يواجهن خطر المجاعة وسوء التغذية، وأن واحدة من كل 3 حالات حمل تعد عالية الخطورة، وباتت كثيرات منهن يتمنين الموت هربًا من الجوع الذي لا يرحم، في ظل غياب كامل للرعاية الصحية والغذاء الأساسي.