في خاصرة العروبة، هناك مدينة صغيرة بحجم الكبرياء، اسمها غزّة، لكنها أكبر من الجغرافيا، وأعمق من كل الجراح. هناك حيث يتقاطع الضوء بالدم، وتنام الطفولة على وسادة من الرعب، وتصحو على أنقاض الأحلام، تتجلّى المأساة بكل ملامحها… غزة جرح الأمة النازف، لا يندمل ولا يُنسى.
في غزة، لا شيء يشبه العادي، فالخوف فيها مألوف، والدم عادة، والموت زائر دائم لا يطرق الأبواب. هي المدينة التي تسكنها الشهادة، وتغني فيها الأرواح أناشيد الصمود. تحت ركام البيوت، تختبئ الحكايات التي لم تُروَ بعد، ويصرخ التاريخ من أعماق المآذن: هنا شعب لا يُكسر.
غزة لا تطلب المستحيل، فقط تنادي بالحق، تنادي بالعدالة، تنادي بالعروبة أن تفي بوعدها. لكنها كثيراً ما تنادي فلا يجيب أحد… تُذبح في صمت، وتُحاصر في عيون لا تبصر، وتُقاوم بصدور عارية وسواعد ما عرفت اليأس يوماً.
أيها العرب…
أما تعبتم من دور المتفرّج؟
أما خجلتم من دم يُراق كل يوم، وأنتم مشغولون بعدّ مؤتمراتكم وبياناتكم الباردة؟
غزة لا تريد خطباً ولا تعازي رسمية، بل تريد صوتاً واحداً يشبه صراخ أمهات الشهداء، يشبه دعاء العجائز في أزقّتها المحاصرة، يشبه ضحكة طفل رغم الجوع والحرب، يحمل في عينيه الوطن كلّه.
غزة ليست فقط قضية، بل اختبار يومي لإنسانيتنا، امتحان حقيقي لما تبقى في ضمائرنا من حياة. هي تقف وحيدة في وجه الطغيان، لكنها لا تنحني، لا تُساوم، ولا تموت… بل تُولد من جديد في كل حجر يُقذف، وفي كل طفل يُدفن، وفي كل راية تُرفع على أنقاض الألم.
غزة… يا جرح الأمة النازف، ما أوسعك رغم الحصار، وما أبهى وجهك رغم الغبار.
سنكتب عنك في دفاتر القلب، وسنُعلم أبناءنا أنك كنتِ دائماً وحدك… ولكنك لم تنكسري يوماً.