في الوقت الذي يتعرض فيه شعبنا الفلسطيني العظيم إلى حرب إبادة جماعية، ويخوض فيه معركته الوجودية الكبرى في وجه الاحتلال “الإسرائيلي” المجرم، مستخدماً ما تبقى له من كرامة وإرادة وصمود، تنشغل بعض الأبواق المأجورة المرتزقة، والذباب الإلكتروني الموجه، في ممارسة أبشع أشكال محاولات الاغتيال المعنوي لقادة المقاومة الفلسطينية، من خلال حملات تشويه وتحريض مشبوهة، تُدار بتقنيات موجهة وبأجندات خبيثة، تتكامل مع آلة القتل “الإسرائيلية” التي تستهدف الجسد الفلسطيني وتُحاول الآن النيل من روحه ومعنوياته.
إن اغتيال القادة بالرصاص والقصف يُعد جريمة حرب، ولكن الاغتيال المعنوي لا يقل خطورة، بل قد يكون أشد فتكاً، لأنه يستهدف الرموز والقيادات التي تمثل العنوان السياسي والعسكري والنضالي لشعبنا الفلسطيني.
هذا الاغتيال المعنوي لا يأتي من فراغ، بل يتم تحريكه عن قصد من غرف عمليات الاحتلال وأجهزة مخابراته المختلفة، عبر عملائه ووسائل إعلامه وأذرعه الاستخباراتية، التي تسعى إلى تشويه الرموز، وبث الفتنة، ومحاولات إضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة التي هي صمّام أمان القضية الفلسطينية، تمهيداً لفصل الرأس عن الجسد، والقائد عن الميدان.
وليس مستغرباً أن نرى أنماطاً من السلوك المشبوه تظهر فجأة مع كل تصعيد أو معركة، تبدأ بتسريب شائعات خبيثة، وتكثيف الهجمات الشخصية ضد قيادات المقاومة، والتشكيك في قراراتهم وتاريخهم، والسخرية من مواقفهم، وإطلاق أحكام التخوين والاتهامات الباطلة، رغم أن هؤلاء القادة هم في مقدمة من قدّم وضحّى تضحيات جسيمة من أجل الوطن فلسطين.
هذه الأدوات الخبيثة لا تتم بشكل ارتجالي، بل إنها مُمنهجة ومدروسة، وهدفها واضح، وهو كسر رمزية القادة أمام جمهورهم، وتقويض الثقة بين المقاومة وبيئتها الشعبية.
ولأن المقاومة لا تقف وحدها في هذه المعركة، فإن مسؤولية حاضنة المقاومة أصبحت مضاعفة ومنها الحاضنة الإعلامية لها، فاليوم لم يعد الصمت أمام هذه الحملات خياراً، والسكوت عن المأجورين الذين يُهاجمون قادة شعبنا ويشككون في تضحياتهم هو تواطؤ مع الجريمة.
وكذلك فإن الحاضنة الإعلامية ليست جمهوراً صامتاً إنما هي الدرع الواقي والحاضن للمقاومة، ومن واجبها أن تُحاصر هذا الخطاب الخبيث، وتفضح أدواته، وتعزل رموزه، وتحمي وعي الأمة من هذا الانحراف، وتنقض عليه بلا هوادة وتفتته تفتيتاً، وتشرّد بأتباع هذا الخطاب من خلفهم.
إن المطلوب اليوم بوضوح، نبذ كل من يشارك في حملة الاغتيال المعنوي، سواء أكان مدفوعاً بالأجر، أو مضللاً بالجهل، والتصدي للخطاب المسموم الذي يُشكك في قادة المقاومة، وفضح مصادره وغاياته، وكذلك تعزيز الثقة في قيادات المقاومة التي تقود المعركة على الأرض وتدفع أثماناً باهظة من دمها وعرقها وأعصابها من أجل كرامة شعبنا الفلسطيني العظيم.
والمطلوب كذلك هو التحصين الفكري والإعلامي للمجتمع الفلسطيني على الدوام وبدون انقطاع، من خلال الوعي النقدي، والمساءلة الذكية، بعيداً عن الوقوع في فخ الاستهداف المعنوي المتعمّد.
المقاومة الفلسطينية ليست مشروع أفراد وإنما مشروع شعب يكتوي بنار الاحتلال منذ عقود طويلة، والقيادة النضالية هي جزء أصيل من هذا المشروع، ولا يمكن أن نواجه الاحتلال بينما نقوض الصف من الداخل بحملات تشويه لا تخدم إلا العدو فقط.
يجب أن يُدرك الجميع أن من يهاجم قادة المقاومة في زمن الحرب، ويُسهم في تشويههم معنوياً، هو أداة في يد الاحتلال، شاء أم أبى، وإننا نقف وقفة احترام وتقدير إلى الخصوم الذين يفهمون معنى الخصومة الشريفة، فلا ينالون من إخوانهم وأبناء شعبهم تزامناً مع استهداف الاحتلال لهم، وإنما في أوقات مناسبة.
المعركة على جبهات الإعلام والوعي والكرامة هي معركة لا يخوضها إلا المخلصون المتقون الأبرار الرماة.
* مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي – غزة