أطفال غزة يموتون جوعًا في حضن العالم الصامت

مراد راجح شلي

 

 

في مشهد لم يعد ينتمي فقط إلى مآسي الحروب، بل إلى كابوس جماعي تتقاعس الإنسانية عن الاستيقاظ منه، يموت أطفال غزة جوعًا حرفيًا. ليست المجازر وحدها من تحصد أرواحهم بل الجوع والظمأ ونقص الدواء ليكتب هذا الحصار أطول فصل في كتاب الإبادة الصامتة.
في أقسام الطوارئ التي تحوّلت إلى غرف موت، ترقد أجساد أطفال نحيلة، بالكاد قادرة على التنفس. فرقية تصرخ بلا صوت، وعيون واسعة تحدق في السقف كأنها تتساءل: أين العالم؟ أين الحليب؟ أين الخبز؟ أين ضمير الأمم التي وعدت أن لا يتكرر الصمت الذي خيّم فوق رواندا وسربرنيتشا؟
الطفلة «ملك»، ابنة العامين، فارقت الحياة بعد أن فشل جسدها في مقاومة الجوع الذي أنهكها. كانت تزن أقل من نصف المعدل الطبيعي. لا مرض عضوي، لا إصابة مباشرة، فقط جوع… جوع محاصر بالحديد والنار.
تُفيد تقارير منظمات الإغاثة أن أكثر من 90% من أطفال غزة يعانون من سوء التغذية الحاد أو المتوسط. لكن الأرقام هنا خادعة، لأنها لا تنقل صوت البكاء المكبوت، ولا ترجف أمام عيون الأمهات اللاتي يتابعن أبناءهن يذبلون بين أذرعهن، وكأنهن يسقنهم إلى الموت باليدين العاجزتين.
أمهات بلا حليب.. ورضّع بلا مستقبل
لم تعد الأمهات قادرات على إرضاع أطفالهن. لا غذاء كافٍ في بطونهن، ولا ماء نظيف، ولا دواء. حليب الأطفال اختفى من الأسواق، وحتى من مخازن المساعدات. أما البدائل فإما فاسدة أو محجوبة خلف الحواجز.
وفي كل صباح، يصحو الأطباء في غزة لا ليعالجوا، بل ليختاروا من هو الأحق بالبقاء من بين عشرات الأطفال الذين يحتاجون إلى الرعاية المركزة، ولا يوجد سوى جهاز تنفس واحد.
منذ أكثر من تسعة أشهر، يعيش قطاع غزة تحت حصار مطبق، جوًا وبرًا وبحرًا. يُمنع دخول الغذاء، والدواء، والوقود. تقطعت سلاسل التوريد، وانهارت المنظومة الصحية. لكن الأخطر أن الجوع أصبح سلاحًا بيد الاحتلال، يُستخدم لقتل ما تبقى من الحياة، دون رصاصة واحدة.
ما يحدث في غزة لم يعد بحاجة إلى تحقيقات أممية، فالموت يُبث على الهواء مباشرة، والدموع تملأ شاشات العالم، ولا أحد يتحرك. أطفال غزة يموتون ليس لأنهم فلسطينيون فقط، بل لأنهم وحدهم في مواجهة نظام دولي مشلول، وحكومات لا ترى في موت الطفل إلا رقماً جديداً في نشرة الأخبار.
ختامًا:
هذه ليست مأساة إنسانية فقط، بل فضيحة أخلاقية للتاريخ بأكمله. أطفال غزة الذين يموتون جوعًا، لا يموتون لأن الله كتب أجلهم، بل لأن العالم كتب صمته على جبينهم.

قد يعجبك ايضا