«إن كنتم مؤمنين».. الإيمان موقف لا شعار

القاضي/ بشير الشامي

 

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال: 73]، ما أعظم هذا التحذير الرباني .. وما أبلغه من إنذار .. آية تهز ضمير الأمة وتضعها أمام مسؤوليتها التاريخية .. إما أن تتناصر كما يتناصر الكافرون، أو تهوي في فتنة تذر الأرض خرابا، والدين غريبا، والحق وحيدا، التحالف ضدكم أيها المسلمون قائم .. فأين أنتم؟

الكفار بعضهم أولياء بعض .. لا يجمعهم دين ولا أخلاق ولا قيم بل تجمعهم عداوتهم لهذه الأمة وتخطيطهم لإضعافها، وتحالفهم على نهب خيراتها وتضييع قضاياها.

تحالفوا شرقًا وغربًا، ونصبوا العداء لكل من يقاوم ولكل من يتمسك بدينه وعزته وكرامته، فهل وقف المؤمنون صفا واحدا كما أُمروا؟

هل التزموا بالولاء لأمتهم كما يلتزم أعداؤهم ببعضهم؟

أين فقه الولاء والبراء؟ أين معنى الأمة الواحدة التي جسدها النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟

إن لم تفعلوه … تكن فتنة !!! فتنة في العقيدة، وفتنة في القلوب، وفتنة في الأرض، وفساد لا يوقفه إلا صادقون يتواصون بالحق، ويتناصرون عليه.

*إن كنتم مؤمنين*.. صيحة يقظة لا جملة اعتراضية .. ليست هذه العبارة مجرد تذييل بلاغي أو زخرف بياني، بل هي صيحة توقظ الغافلين، وتفضح المدّعين .. {أَتَخْشَوْنَهُمْ؟ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ *إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*} [التوبة: 13]، {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ *إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*} [آل عمران: 175]، {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ *إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*} [آل عمران: 139]، هذه الآيات لا تترك لنا مساحة للتهرب، بل تخاطبنا بوضوح … إن كنتم مؤمنين بحق فلا خوف ولا ضعف ولا خنوع ولا تبعية.

إن كان الإيمان حيّا في قلوبكم فأنتم الأعلون، لا تهزمون بعُدّة ولا تُذَلّون بقِلِّة، أما إن خفتم أعداءكم وهنتم أمام جبروتهم وركنتم إلى فتاتهم فقد خالفتم شرط الإيمان.

الإيمان لا يكون باللسان بل بالميزان .. قال الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فالقول لا يُغني عن الفعل، والإسلام الظاهري لا يعوّض عن الإيمان العميق الصادق الذي يورث الخشية والتوكل والثبات.

ثم تأمّل كيف وصف الله المؤمنين وصفًا دقيقًا حاسما.. قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ…}، {وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ… يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ… يُنفِقُونَ…}، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) *أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا* لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }، [سورة الأنفال: 2 إلى 4]، تأمل في قوله تعالى : {أُوْلَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: 2–4]، فهل يكفي أن نعلن الإيمان ثم نتخاذل عن الجهاد؟

هل يكفي أن نصلّي ثم نوالي الكافرين ونخشى سطوتهم؟

هل نُرضي الله بطقوس ونسخطه بمواقف؟

الإيمان لا يُختبر في المساجد وحدها، بل في ساحات المواجهة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ *وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ*} [التوبة:18]، فمن خشي غير الله فقد نقض أصل الإيمان، ومن رضي بولاية الظالمين وأعرض عن نصرة المستضعفين فلا يُخدع بأنه ما زال في دائرة الإيمان وإن صلى وصام.

ثم لننظر كيف ختم الله سورة الأنفال بتوصيف قاطع للمؤمنين: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ … *أُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا*} [الأنفال:74]، فالجهاد في سبيل الله ونصرة المظلومين ليست أعمالا إضافية في سجل الإيمان، بل هي جوهره وروحه.

فتّش في قلبك .. هل أنت مؤمن حقا؟ تأمل قول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا… الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ… وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة:57]، فالولاية ليست مجرد موقف سياسي، بل هي برهان إيمان، ومن خالفه استحق أن يراجع نفسه، ويحاسب قلبه ويتهم إيمانه.

أما أولياء الله الحقيقيون، فالله وصفهم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ … } [التوبة:71]، وليسوا أولياء الغرب ولا عبيد واشنطن، ولا خدّام تل أبيب ولا أبواق التطبيع.

{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) } [سورة الجاثية: 19 إلى 20].

الإيمان مفترق طريق … إما إيمان صادق يترجم إلى ولاء ونصرة وجهاد وتضحية ووقوف بوجه الطغاة والكفار والمستكبرين.. وإما دعوى باطلة تخفي خلفها خوفا من الناس وطمعا في الدنيا وركونا إلى الأعداء.

فلنقف مع أنفسنا وقفة صدق، ولننظر في ميزان القرآن .. {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أم تراها مجرد كلمة… نرددها… ولا نعيشها ؟؟!!

 

قد يعجبك ايضا