يجاهرون بالباطل..!! 

تحت تأثير المفاهيم المتعددة لمعنى الديمقراطية طغت على مجريات العمل السياسي والحزبي في الساحة اليمنية الكثير من عوامل المزاجية والاجتهادات الخاطئة والتفسيرات المغلوطة التي بدا فيها كل طرف يفصل الديمقراطية حسب مقاسه وأهوائه وفهمه ومنظوره الذي يتفق وتطلعاته ورغباته ومصالحه والأسس التي يراها مناسبة له الأمر الذي انعكس بسلبياته على مجريات الحياة السياسية والحزبية والتوجهات الهادفة إلى الارتقاء بالممارسة الديمقراطية وترسيخ القواعد الناظمة لمساقات الرأي والرأي الآخر وكذا عوامل الاختلاف والتباين في وجهات النظر والآليات التي تؤطر علاقات الأحزاب ببعضها والقواسم المشتركة التي تلتقي عندها أطراف هذه المصفوفة السياسية.
وبفعل هذه الديماغوجية تحولت الديمقراطية إلى نافذة مفتوحة على كل شيء فمن خلالها نحصل على الهواء النقي ومنها أيضاٍ نتجرع وبال الهواء الفاسد والملوث.
وعبر تلك النافذة أيضاٍ تخرج علينا الأصوات النشاز التي تسيء لمبادئنا وقيمنا وثوابتنا والمعاني الأخلاقية النبيلة التي نستمد منها اعتزازنا بانتمائنا الوطني وهويتنا الحضارية.
ومن خلال تلك النافذة تسرق المضامين الصحيحة والسليمة لجوهر الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير لتحل بديلاٍ عنها ظواهر شاذة لا علاقة لها بالديمقراطية والحرية ولا صلة لها بمسارات العمل السياسي والحزبي إلى درجة أن هناك من صار اليوم يدافع عن أعمال التخريب والفوضى والنهب والسلب وجرائم القتل والتقطع التي يجرمها الشرع والدستور والنظام والقانون بل ويقدم لمن اقترفوها وتورطوا فيها المبررات ويوفر لهم الغطاء الإعلامي والسياسي ويدعو إلى إسقاط العقوبات بحقهم ويشترط لتحقيق الوفاق الوطني والقبول بمبدأ الحوار إطلاق أولئك القتلة واللصوص وقطاع الطرق في أسلوب فج يمتهن قيم العدالة وحدودها.
وانطلاقاٍ من ذلك وتأسيساٍ عليه نقول: بأي منطق يمكن القبول بمثل هذه المصطلحات المفخخة التي تجعل من الديمقراطية معولاٍ للهدم والتخريب والتدمير وضرب الوطن في الصميم..¿! مع أن المعروف أن الديمقراطية وسيلة حضارية وعصرية للبناء والنهوض وتحقيق الرخاء والوئام والسلم الاجتماعي في أي بلد امتلك مقوماتها وعناصر ثقافتها.
وإن لم تكن هذه هي الديمقراطية المتعارف عليها في كل الشعوب والمجتمعات والدول المتحضرة فأي ديمقراطية يريدها أولئك الذين يتخفون وراء شعارات فضفاضة يتحدثون فيها عن الديمقراطية فيما هم الذين يعملون ليلاٍ ونهاراٍ على إفراغها من محتواها وينتهجون سياسة مغايرة تماماٍ لمضامينها.
بل ويسعون إلى معاقبة الشعب لحرصه على التمسك بالنهج الديمقراطي وكأنهم بذلك الأسلوب يريدون أن يدفعوا هذا الشعب إلى الكفر بالديمقراطية ما لم فإن عليه أن يتحمل العبء أو الثمن الباهظ لذلك الاختيار.
لا نقول ذلك من قبيل التحامل أو المكايدة أو تصفية الحسابات وإنما من باب الالتزام بالأمانة والمصداقية واحترام الحقيقة.. ولعل أهم شاهد على ذلك هو تهربهم الدائم والمستمر والتلكؤ في الاستجابة للدعوات المسئولة والحريصة على الحوار كوسيلة حضارية مثلى لحل القضايا التي تهم الوطن.
وقد سقط هؤلاء سقوطاٍ مريعاٍ حينما عمدوا إلى وضع العديد من الشروط التعجيزية أمام الدعوة الأخيرة التي أطلقها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية عشية العيد الوطني العشرين للجمهورية اليمنية والتي حث فيها جميع القوى السياسية والحزبية على الالتئام في حوار جاد ومسؤول لبحث القضايا التي تهم الوطن وإغلاق صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة تقوم على الشراكة الوطنية إلا أنهم وبدلاٍ من التقاط تلك الفرصة التاريخية جنحوا إلى المماطلة والتسويف وطرح الشروط المسبقة التي يعلمون جيداٍ أن ما تحمله من المطالب يتصادم كلياٍ مع الدستور والقانون.
فهل من يرفض الحوار ويزرع الأشواك في طريقه يمكن أن يكون ديمقراطياٍ أو يحترم الديمقراطية أو لديه أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية أو أي قدر من الحرص على ترسيخ علاقات سياسية إيجابية تسودها الثقة والتفاهم والحرص المشترك على المصالح الوطنية العليا..¿. وهل من يلجأ إلى الأسلوب التحريضي والدفاع عن عصابات التخريب والفوضى والقتلة واللصوص ويتماهى مع العناصر المعادية للثورة والوحدة التي تتآمر على الوطن ونظامه الجمهوري وتسعى إلى إعادة تمزيقه وتجزئته ويعمل بدأب من خلال خطابه السياسي والإعلامي على تكريس التشطير النفسي بين أبناء الوطن الواحد يمكن أن يكون صادقاٍ ومخلصاٍ لهذا الوطن وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي مع أن مثل هؤلاء يعلمون علم اليقين أن الشعب اليمني من أقصاه إلى أقصاه ومن شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه لم يقدم كل تلك التضحيات الغالية والسخية وتلك القوافل من الشهداء من خيرة أبنائه والأنهر من الدماء إلاِ من أجل بلوغ أهدافه النبيلة في التحرر والوحدة وامتلاك ناصية أمره وسيادته على قراره وأنه عندما أعاد وحدته الوطنية مقترنة بالنهج الديمقراطي التعددي إنما انطلق في ذلك من إيمانه العميق والراسخ بأن الوحدة قدره ومصيره الأمر الذي يؤكد أن ذلك الحدث لم يكن عابراٍ بل جاء استجابة لحقيقة تاريخية غير قابلة للإنكار مفادها أنه لا حاضر ولا مستقبل لهذا الشعب إلا بوحدته ولحمته وتماسك بنيانه وأنه لا مجال بأي شكل من الأشكال لتجاوز هذه الحقيقة أو التعامي عنها كما هو شأن النهج الديمقراطي الذي أصبح خياراٍ وطنياٍ لا رجعة عنه وثابتاٍ أصيلاٍ من ثوابت هذا الوطن يصعب على أي كان الالتفاف عليه.
ومن مصلحة أولئك الذين يتلاعبون بمفاهيم الديمقراطية أن يدركوا أن الشعب اليمني واعُ وليس معصوب العينين بل أنه يرى ويتابع ويتفحص مواقفهم ولديه من الفطنة ما يمكنه من التمييز بين من يريد له الخير ويعمل من أجله وبين من لا يهمهم سوى أنفسهم والوصول إلى مصالحهم حتى وإن كان ذلك على حساب الوطن ومصالحه العليا.
وفي كل حال فإن هؤلاء أصبحوا مكشوفين على الملأ وصار الجميع يعرف حقيقتهم وأنهم الذين لا يضعون أية خطوط فاصلة بين الجائز وغير الجائز والمباح والمحرم!!.

قد يعجبك ايضا