النوبي‮:‬بيان الثورة كان بديلا‮.. ‬والبيان الأصلي‮ ‬أخفاه من كانوا‮ يخشون فشل الثورة


جميل مفرح –

< كانت ليلة الثورة أطول ليلة في‮ ‬حياتنا وعشنا كل دقيقة من عمرها في‮ ‬مواجهة شبح الموت < تأجلت الثورة مرتين وكان من الممكن أن تفشل لو تأخرت عن موعدها
< أول برقيات أرسلتها للخارج كانت للرئيس الراحل جمال عبدالناصر ولأمين الجامعة العربية عبدالخالق حسونة ولوزير خارجية حكومة الثورة الاستاذ «محسن أحمد العيني» < كان هناك قوى ظلامية تترصد الثورة لأنها لم تكن تريد للوطن التغيير < لم نكن ننتظر سوى الموت ولم نتوقع حينها انه سيأتي‮ ‬يوم كهذا نسترجع فيه ذكريات الثورة
< هناك من اخفوا حقائق ومعلومات عن الثورة ليمجدوا انفسهم على حسابها وحساب التاريخ بالثورة بشر الوطن بميلاد جديد اتخذ منه عيدا سنويا بذكرى ذلك اليوم الخالد وعاشت في‮ ‬حماه سائرة على الدرب مرفوعة الراس شامخة القامة والقوى‮ ‬رغم تكالب الاعداء الذين فقدوا الظلام الذي‮ ‬كانوا‮ ‬يعيشون فيه‮ ‬فظلوا زمنا‮ ‬يقاتلون من أجل استعادته ولكن الشعب كان وظل قويا‮ ‬يقاتل من أجل الحياة ويرفض القيود والعبودية إلى ان انتصرت الثورة وإلى الابد وكان الله مع المؤمنين بالله وبالحياة والكريمة التي‮ ‬منِ‮ ‬الله على عباده بها‮.‬
قرأ لي‮ ‬هذه الأسطر من مسودة الكتاب أعده عن الثورة ففضلت ان تكون مستهلا ومدخلا للقائنا به في‮ ‬الذكرى الخمسين لثورة السادس والعشرين من سبتمبر‮.‬
انه الاستاذ علي‮ ‬النوبي‮ ‬احد المناضلين الذين اضاؤا شعلة سبتمبر لنستضيئ بها دربنا ومستقبلنا فانشغلنا عنهم بذلك ليلتهم النسيان أو بالاصح التناسي‮ ‬ادوارهم وبطولاتهم ومساهماتهم الفاعلة والحقيقية في‮ ‬رسم ملامح تاريخنا الحديث‮.‬
الاستاذ النوبي‮ ‬كان مسؤول اللاسلكي‮ ‬الخاص بالإمام حين انطلقت الثورة‮.. ‬وكان له ادوار حقيقية اذ سخر ومعه عدد من زملائه اللاسلكي‮ ‬للتهيئة للثورة ولخدمتها وخدمة الثوار وكان أول من بشر بالثورة خارج اليمن من خلال تواصله عبر اللاسلكي‮ ‬بالقاهرة وبغداد وغيرهما‮.‬
حكايات عديدة وسرد لا‮ ‬يمل ولا‮ ‬ينتهي‮ ‬وكلنا آمال أن نستطيع ان نقدم للقارئ الكريم مشاهد حقيقية عاشتها الثورة وعاشها الثوار منذ لحظاتها الأولى وما قبل ذلك عبر هذا اللقاء‮.‬

جميل مفرح

تاريخ الثورة
لم‮ ‬يتمالك نفسه حين بدأت معه استعادة التاريخ وفتح بوابات الذكريات الفسيحة والفسيحة جدا لم‮ ‬يتمالك نفسه ليطلق نهدة عميقة وكأنما أراد بها أن‮ ‬يجر ما أمكنه من تاريخ ذهب منذ نصف قرن واستقر في‮ ‬الدواخل العميقة من الذكريات المعتقة ليقول‮:‬
كنا نريد ان نترك الحديث والوصف والتوثيق عن الثورة وحقائقها للكتاب المتخصصين واهل الكلمة والحرف‮.. ‬ولكن للاسف الشديد هؤلاء لم‮ ‬يحققوا انصافا للثورة والثوار فيما كتب ودون حتى الآن وحتى من كانوا شهودا معاصرين لم‮ ‬يتجردوا ولم‮ ‬يطلقوا للحقيقة سراحها في‮ ‬كتاباتهم وشهاداتهم عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر‮.. ‬فهناك كثيرون اعتمدوا فقط على استحضار وذكر ذواتهم وادوارهم ان وجدت‮ ‬الصادقون منهم اكتفوا بالاحداث التي‮ ‬وجدوا فيها وكانوا جزءا من تفاصيلها ليتذكروا انفسهم وغضوا النظر والاهتمام عما سوى ذلك‮ ‬وجاءت كتاباتهم وشهاداتهم وكأنها لم تكن أو تؤلف لو لم‮ ‬يوجدوا فيها فكان وجودهم وحضورهم واستحضار بطولاتهم وادعاءاتهم الغرض الاساسي‮ ‬والوحيد لتأليف تلك الكتابات والإدلاء بتلك الشهادات‮.. ‬لم‮ ‬يتجردوا ويتركوا ما‮ ‬يخصهم من وصف وتعظيم لمن كانوا حاضرين بالفعل في‮ ‬الحدث أو الاحداث وكانت لهم مواقف وادوار حقيقية‮.‬
> كان ذلك مفتاحا مناسبا لأبدأ مع الاستاذ علي‮ ‬النوبي‮ ‬هذا الحوار وأستفيد من حماسه وصراحته مردفا‮: ‬هل تعني‮ ‬أن كثيرا مما كتب عن تاريخ وأحداث الثورة‮ ‬غير حقيقي¿
كتبوا عن انفسهم
لئلا نكون مجحفين وغير منصفين أقول أن بعضا ممن كتبوا عن الثورة أو ذهبوا للكتابة عن الثورة كان الهدف الاساسي‮ ‬انفسهم وأن بعضا آخر وهؤلاء منهم ايضا لم‮ ‬ينقلوا الحقائق والمعلومات إما بشكل مطلق أو بشكل أقل وأدنى مما كان‮ ‬يجب‮.‬
من المؤلم والمحزن جدا ما جرى ويجري‮ ‬في‮ ‬حق الثورة والثوار من انكار وتهميش واقصاء وما‮ ‬يجري‮ ‬من البعض من ادعاء وتزييف فيما‮ ‬يخص حقائق ووقائع الثورة‮ ‬خصوصا خصوصا أولئك الذين كتبوا والفوا لأن كتبهم ومؤلفاتهم صارت وستصير شاهدا للتاريخ‮ ‬مؤلم ان‮ ‬يعمد البعض إلى تزييف فصول واجزاء هامة جدا من تاريخ اليمن‮.‬
وهنا‮ ‬يحضرني‮ ‬أو‮ ‬يجبرني‮ ‬الحال ان اتساءل لماذا‮ ‬يعمدون إلى تزييف التاريخ تاريخ وطن باكمله¿‮! ‬ثم كيف‮ ‬يستطيعون ان‮ ‬يفعلوا ذلك وهم على علم بان الحياة ماتزال زاخرة وحاضرة بالكثيرين ممن عاصرهم ومن لديهم اطلاع وحقائق بل واسرار متعلقة بالعمل الوطني‮ ‬والثورة¿‮!‬
‮< ‬هل تعني‮ ‬ان ثمة حقائق ومعلومات هامة متعلقة بالثورة وتفاصيلة لم تظهر حتى اليوم¿
‮- ‬نعم الكثير والكثير وأنا بحكم عملي‮ ‬حينها كمسؤول ومأمور لاسلكي‮ ‬كنت مطلعا على الكثير من التفاصيل والاحداث بل والاسرار والمعلومات الهامة جدا والحقيقة انه لم‮ ‬يكن على اطلاع على اسرار الإمام وقادته وتحركاته وتحركاتهم أحد أكثر من مأمور اللاسلكي‮ ‬حينها وهذه الوظيفة هيأت لي‮ ‬الاطلاع على الكثير من المعلومات والاسرار والاحداث المتعلقة بالحكم ومن ثم بالثورة وكثير من تفاصيلها‮.. ‬فقد كانت الشيفرات لا تمر الا عبري‮.‬
ومن المعروف انه إذا توفر لموظف اللاسلكي‮ ‬فك الشيفرات فذلك‮ ‬يمكنه من الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة تمر عبره‮ ‬وهو ما حصل معي‮ ‬فعلا وقد كنا اعتمادا على تلك المعلومات التي‮ ‬نتحصل عليها عبر اللاسلكي‮ ‬نهرب أو نساعد على هروب ونجاة المواطنين والثوار قبل ان‮ ‬يصل البلاغ‮ ‬أو البرقية أو الشيفرة من الإمام إلى ولده أو قادته والعكس فقد كنا نستبق إلى المعلومات والتوجيهات والتحركات ونعمل على التصرف السريع بايصال المعلومات إلى الثوار والوطنيين وانذارهم مما هم مقبلون عليه‮.‬
‮< ‬اذن فقد كنتم على مقربة من الاحداث وتواليها بل واسرارها‮ ‬فماذا عن مسؤوليتكم في‮ ‬نقل الحقائق وخصوصا ما‮ ‬غاب منها أو اعتدي‮ ‬عليها سواء عن قصد او‮ ‬غير قصد¿
‮- ‬نعم اعود واكرر انه من المؤكد والصحيح ان نترك مهمة كتابة التاريخ وتدوينه لاساطين الكلمة من الكتاب والمؤرخين ولكن اكبر الهم وأهم المطالب والامنيات ان‮ ‬يكتبوا ويدونوا ويقولوا بأمانة وتجرد‮.. ‬ثم انني‮ ‬لا ادعي‮ ‬ولم اعتزم ولا انوي‮ ‬التملص والتهرب من المسؤولية وهذا ما دونته في‮ ‬أول لقاء في‮ ‬ندوة لتوثيق اسرار الثورة لكن للاسف الشديد كثيرون حاولوا ومايزالون‮ ‬يحاولون طمس ومحو حقائق الثورة ومنهم من كتب واعطى لنفسه حق التوصيف والتقدير حسب هواه وتقديراته ومواقفه الشخصية والادهى أولئك الذين تركوا كل ما في‮ ‬التاريخ من حقائق ووقائع لتصير هامشا لوصف بطولاتهم وادوارهم واوجدوا انفسهم حيث لا وجود لهم حقيقي‮ ‬على الاطلاق في‮ ‬تاريخ وأحداث الثورة‮.‬
إقصاء وإزاحة
> هناك من دونوا في‮ ‬كتاباتهم وسيرهم الذاتية ومذكراتهم احداثاٍ‮ ‬ومعلومات متباينة ومختلفة وتكاد تكون متناقضة فيما بينها‮.‬
– مقاطعا‮: ‬نعم من هؤلاء من أهمل وهمش التاريخ بل وغيره من اجل إظهار وادعاء البطولات الشخصية وكما قلت سابقا حاولوا ان‮ ‬يظهروا كابطال وثوار على حساب الحقيقة والإنصاف متناسين ومتجاهلين انه كان هناك رعيل وشباب‮ ‬يتفاعل ويمد النشاط الثوري‮ ‬والوطني‮ ‬بالمساندة والتفعيل ويساهم في‮ ‬إنجاحه وتبلوره عبر الرسائل الثقافية والادبية والاعلامية وغيرها من مستلزمات النضال‮.‬
هناك مجهولون تماما تمِ‮ ‬اقصاؤهم وازاحتهم من الصورة والمشهد العام لأحداث الثورة بشكل مجحف وظالم ومنهم على سبيل المثال شاب يدعى حميد علي‮ ‬كان هذا الشاب كتلة من النشاط والحركية والحماس كان‮ ‬يتحرك بسيارته بين تعز وصنعاء وعدن وكان قمة في‮ ‬الشرف والنضال الوطني‮ وواحدا من أبرز الجنود المجهولين في‮ ‬نشاطات العمل الوطني‮ ‬والثوري‮ ‬وبلا مقابل‮ ‬يذكر فلم أسمع أو أعرف عن ذلك الشاب أنه تقاضى أجرا أو ثمنا لأي‮ ‬عمل مما قام به من اعمال بطولية ووطنية‮.. ‬هذا الشاب وعلى الرغم من أدواره وحضوره الفاعل لم‮ ‬يذكره أحد حتى مجرد ذكر‮.. ‬واشعر بالارتياح انني‮ ‬دونت عنه ذكريات جميلة وحقائق منصفة في‮ ‬احد كتبي‮ ‬المعدة للطبع والذي‮ ‬يدون لمراحل هامة من تاريخ اليمن وقد استعنت بالاخ الاستاذ عبدالرحمن بجاش رئيس تحرير صحيفة الثورة وافادني‮ ‬بمعلومات عن هذا الشاب الوطني‮ ‬والمناضل الرائع وزودني‮ ‬بصورة شخصية قديمة له‮.. ‬لقد كان ذلك الشاب المخلص‮ ‬يمد الثوار والوطنيين بخدمات ومساعدات لا تتخيل ساعدتهم على اداء ادوارهم النضالية ونشاطهم الثوري‮.‬
مقاومة شرسة
‮< ‬هل تعتقد انه لولا وجود ارضية مهيأة للثورة واعداد مسبق لانطلاقها ما كان لها ان تنجح¿ وماذا عن المقاومة للثورة¿
‮- ‬نعم ذلك مؤكد وكانت ستذهب اسر وستوجد أرامل وثكالى لولم‮ ‬ينجح الحدث الثوري‮ ‬ذلك اليوم بالتحديد‮.. ‬اما بالنسبة للمقاومة فقد كان هناك هجمة شرسة بشكل لا تتخيل وذلك لوجود قوى ظلامية لا تريد على الاطلاق لهذه الثورة النجاح وتقف في‮ ‬وجه اعلان ميلاد جديد للوطن‮.. ‬وللعلم فقد كان هناك مقاومة ليست بسيطة تتمثل في‮ ‬مجاميع مقاومة متمركزة خارج صنعاء ومتشكلة من قوى قبلية‮.. ‬وقد كان الكثيرون خصوصا من اولئك‮ ‬يعتقدون ان الثورة ستموت وتتجمد في‮ ‬مكانها منذ الوهلات الأولى وستظل محصورة جغرافيا داخل العاصمة صنعاء‮ ‬بل كانوا‮ ‬يراهنون على تراجع وسقوط الثوار والثورة في‮ ‬ساعات قليلة أو بضعة ايام على الاكثر شأنها شأن ثورة‮ ‬1948م وحركة‮ ‬1955م‮.. ‬وقد كان المناهضون للثورة‮ ‬يستقوون بالقوى القبلية خصوصا من محيط صنعاء كما تكالبت ايضا قوى خارجية خصوصا مع التخوف الشديد من فاعلية المد الثوري‮ ‬والاثر على جوار اليمن‮.. ‬وكان للقوى المناهضة للثورة النجاح في‮ ‬تكليب وتجميع قوى قبلية قوية من محيط صنعاء بالذات وذلك باغرائهم بالمال والذهب فقد تم شراؤهم وتجنيدهم ضد الثورة والثوار واعتمدوا على ذلك كثيرا ونجحوا بشكل ما في‮ ‬تكوين مقاومة شرسة اذا كانوا‮ ‬يغرفون لهم الذهب‮ ‬غرفا من اجل التصدي‮ ‬للثورة وافشالها وإخماد أوجها‮.‬
كما تم الاستعانة بمرتزقة من الخارج لدحر الثورة واسكات انفاسها وخنقها في‮ ‬مهدها‮.. ‬وقد تم تاسيس وفتح كليات ومعسكرات خاصة لتدريب ما‮ ‬يسمى بالمقاومين وعملوا اعلاميا وتوعويا بشكل كبير اذا اسسوا اذاعات وقاموا باعمال كبيرة وبذلوا جهودا عالية للتصدي‮ ‬للثورة‮.. ‬نعم لقد كانت مقاومة قوية وشرسة بشكل مستغرب من قبل تلك القوى التي‮ ‬تشكلت بفعل الاغراء المادي‮.‬
ولكن والحمد لله نجحت الثورة وجاءت لتشكل انعتاقا للأمة وايذانا بعهد جديد لليمنيين ونافذة‮ ‬يطلوا من خلالها على العالم المعاصر الذي‮ ‬كانوا مغيبين عنه تماما‮.‬
معاناة حقيقية
‮< ‬ماذا كان‮ ‬يدور في‮ ‬خلد الثوار وعلى ماذا انبنت ثورة سبتمبر¿
‮- ‬كانت اليمن باكملها معزولة عن العالم تماما وقد مثلت الثورة للوطن في‮ ‬ذلك الحين وتلك الظروف القاسية الصعبة انعتاقا حقيقيا والملفت للاهتمام والذي‮ ‬يشعرنا بالاعتزاز بهذه الثورة المجيدة انها اتصفت بمعناها ووصفها فلم تكن من اجل شكل حكم واستبدال نظام الملكية بنظام جمهوري‮ ‬او استبدال الإمام برئىس أو ما شابه ذلك وانما كانت ثورة عامة شاملة انطلاقا من المفاهيم الحقيقية للثورات‮ ‬ثم كانت من معاناة حقيقية لم تعد تجد مزيدا او مساحة اضافية من الصبر والتحمل لقد كانت ثورة ضد ثالوث خطير خبيث‮ ‬يتمثل في‮ ‬الجهل والفقر والمرض‮.‬
لم‮ ‬يكونوا حاضرين
‮< ‬هل من الممكن استاذنا الجليل ان تعيدنا إلى قلب اللحظة وشهادة الحدث الثوري‮ ‬في‮ ‬لحظاته الأولى وأهم ذكرياته¿
‮- ‬نعم كنت أنا أول من اتصل بالزعيم جمال عبدالناصر ارسلنا له أولى البرقيات اتصلت به وابلغته بقيام الثورة واستلمت من هناك من لاسلكي‮ ‬القاهرة الاعتراف والموقف وكنت تسلمت مقبلها راي‮ ‬مصر اذا ما قامت الثورة ودعمها من عدمه وكان الرد في‮ ‬برقية بعنوان‮ »‬بستان صنعاء‮« ‬وتعني‮ ‬السفارة المصرية في‮ ‬صنعاء ومذيلة باسم المرسل فهد وهي‮ ‬كنية للزعيم عبدالناصر الذي‮ ‬قال سنمدكم بحسب امكانياتنا‮.. ‬وبعد نجاح الفعل الثوري‮ ‬وقيام الثورة واعلانها ارسلت برقية ابلغت القاهرة بالنجاح‮.‬
آخرون نسبوا إلى انفسهم أدوارا وأعمالا كان سواهم من قام بها بينما هم لم‮ ‬يكونوا حتى حضورا لا في‮ ‬الحدث ولا في‮ ‬المكان وفي‮ ‬أحسن الاحوال قد‮ ‬يكونون مروا مرور الكرام أو كصدفة وفوجئنا بهم فيما بعد‮ ‬يتزعمون ويزعمون ويصفون أحداثا وأحوالا هامة في‮ ‬الفعل الثوري‮ ‬ويحكون حكايات وقصصا ليس لها أية علاقة على الاطلاق بالثورة وتحققها‮.. ‬بينما هناك كثيرون كانوا في‮ ‬قلب الحدث والمكان والمساهمة الفاعلة والمؤثرة لم‮ ‬يدعوا شيئا حتى ما‮ ‬يستحقون ان‮ ‬يذكروا به لأن هؤلاء لم‮ ‬يكن في‮ ‬همهم ادعاء البطولات بقدر ما كانت الثورة والتغيير وأحداث النقلة الحقيقية للوطن هي‮ ‬كل همهم ومشروعهم وهدفهم السامي‮.‬
اولئك المدعون لا ادري‮ ‬لماذا‮ ‬يفعلون ذلك ولماذا‮ ‬يصرون على تزييف التاريع وتحريف وتوجيه الحقائق¿ ألا‮ ‬يعلمون أن هذه مسؤولية كبيرة سيواجههم بها التاريخ وسيتحملون وزرها وأمانتها وأن الزمن كفيل باظهار الحقائق وانصاف من‮ ‬يستحقون الانصاف¿
وبالعودة إلى قلب الحدث وتحقق الثورة اتذكر انه منذ اطلاقها ومن الليلة الأولى للاعلان عنها كان ثمة خلاف قائم فكان هناك مجاميع لم تكن مقتنعة بمن‮ ‬يتولى الحكم بعد الاطاحة بحكم الإمامة ولولا موقف المشير عبدالله السلال رحمه الله والذي‮ ‬كان حينها برتبة زعيم والتي‮ ‬تساوي‮ ‬اليوم رتبة عميد لكانت ستحدث احداث سلبية بسبب ذلك الاختلاف فقد حضر السلال وانقذ الموقف وتحمل المسؤولية وكان ذلك بعد أن ذهب إليه الأخوان حسين الدفعي‮ ‬واحمد الرحومي‮ ‬واللذين كانا‮ ‬يمران بنا والتعقيب قائم من الوالد المرحوم عبدالسلام صبرة وعبدالله جزيلان‮.. ‬وبالرغم من أن المشير السلال كان قد وصل والتزم بإنقاذ الموقف وتحمل المسؤولية إلا أنه كان هناك ظرف صعب جدا جدا ابتداء من التركيبة الاجتماعية لدى الناس والتي‮ ‬لا‮ ‬يمكن ان تتقبل الحدث بصورة سهلة وتحت قيادة شابة أيضا‮.. ‬اذ كان لا بد ان تكون القيادة بيد شخصية بارزة تملأ الموقع ولها مكانة كبيرة وكانت الشخصية المنتظرة والمتوقعة لهذا الدور تتمثل في‮ ‬الأخ حمود الجايفي‮ ‬رحمه الله وتخيل أن الجايفي‮ ‬اعتذر عن ذلك بالرغم من أن الاخوين عبدالله جزيلان وأحمد الرحومي‮ ‬كانا قد سافرا إلى الحديدة لاحضاره لتولي‮ ‬المهمة ولكنه اعتذر وأبدى تضامنه مع الثوار‮.. ‬كان ذلك قبل اعلان الثورة وليلتها ليلة اعلان الثورة حين تولى السلال المهمة كان مايزال ثمة أمل أو توقع بمقدم الجايفي‮ ‬بعد الحدث والموافقة على تسلم القيادة‮.‬
كنا جميعا وفي‮ ‬كافة المواقع والمناطق والمراكز التي‮ ‬حصل فيها الاقتحام وكنت ليلتها مستلما في‮ ‬اللاسلكي‮ ‬حين انفجرت الثورة‮.‬
مواجهات عنيفة
‮< ‬كيف كانت المواجهات بين الثوار وبين الملكيين ليلتها هل شهدت صنعاء تلك الليلة مواجهات عنيفة وكيف كانت حالة صنعاء¿
‮- ‬حين انفجرت الثورة لم تتجاوز طلقات الدبابات الثلاثين طلقة في‮ ‬كافة المحاور بصنعاء لأن الأمر لم‮ ‬يكن‮ ‬ينتظر سوى تفجير الموقف واعلان الثورة الذي‮ ‬كان قد اصبح ضرورة ماسة جدا حينها وللعلم كان من الممكن لو تأخر الموعد أن تفشل الثورة وينقلب الوضع سلبيا مأساويا وكان من الممكن أيضا أن تحدث تصفيات واعدامات وقد كان هناك اعداد لذلك أيضا‮.‬
وللعلم ايضا كانت الثورة قد تأجل انطلاقها قبل ذلك اليوم مرتين مرة بعد وفاة الإمام أحمد وكان مفترضا ان تنطلق شرارتها من تعز وحين مات الإمام معروف ان الحكم تحول إلى صنعاء وفي‮ ‬صنعاء أيضا تأجل الموقف واعلان الثورة مرة أخرى لأن هناك من رأى ألا‮ ‬يتم الحدث أثناء مراسيم الدفن للامام وأن‮ ‬يؤجل ذلك حتى‮ ‬يتجمع الأمراء أبناء الإمام ويتم إنهاء الحدث بالمرة‮.. ‬ولكن كانت الظروف سيئة واتذكر أنه كان هناك نية لتصفية اكثر من‮ ‬40‮ ‬شخصا ما بين ضباط ومدنيين وموظفين في‮ ‬الاذاعة واللاسلكي‮ ‬وابناء المشائخ ايضا ولو فشلت الثورة كان ذلك سيتحقق‮.‬
وطنيون
‮< ‬أين تضع دور المشاركة الشعبية والدعم الشعبي‮ ‬للثورة هل كان ثمة دور حقيقي‮ ‬ساهم في‮ ‬تحقيق ونجاح هذا الفعل الثوري‮.‬
‮- ‬نعم بالتأكيد وكان دورا فعالا ومؤثرا ويحتل نسبة كبيرة في‮ ‬إنجاح الثورة فقد كان هناك شباب مضحون وكانت التضحية تجري‮ ‬مجرى دمائهم سواء في‮ ‬صنعاء أو تعز وإب والحديدة‮ ‬وكان هناك تجار وطنيون لهم أدوار فاعلة ومؤثرة بقوة وبشكل لا‮ ‬يتصور في‮ ‬تحقيق الحدث الثوري‮ ‬وإنجاحه وهؤلاء جميعا وسواهم كثر مجهولون تماما ومغيبون حتى عصرنا الحالي‮ ‬ولم‮ ‬يتحدث عنهم أحد على الإطلاق أو‮ ‬يذكر أدوارهم وجهودهم وتضحياتهم‮.‬
الجنوب حاضر
< وماذا عن دور المناطق الجنوبية من الوطن¿
– كان جنوب الوطن حاضرا ومراقبا وفاعلا في‮ ‬الحدث الثوري‮ ‬للسادس والعشرين من سبتمبر وقد كانت مدينة عدن موقعا هاما للنشاط الوطني‮ ‬والقدري‮ ‬خصوصا فيما‮ ‬يتعلق بالتثقيف الثوري‮ ‬الإعلامي‮ ‬ففيها كان‮ ‬يتم إعداد المنشورات والأدبيات وكانت محطة اتصال بين مجاميع الثوريين في‮ ‬الداخل وخارج الوطن وعبرها أدى الثوار أدوارا بطولية بشكل نموذجي‮ ‬رائد فاق التصور فقد كانت الرسائل بين المجاميع وتتواصل فيما بينها في‮ ‬مختلف المدن والمناطق وبين المجاميع في‮ ‬الخارج وأعني‮ ‬هنا مجاميع الثورة في‮ ‬القاهرة والاستشارات والنصائح فقد كانت مربطا أو مكانا للقاء والتواصل بين الداخل والخارج وقد كان‮ ‬يحدث ذلك حين لا‮ ‬يستطيع الثوار تبادل البرقيات فيما بينهم وكان‮ ‬يتم إرسال رسل‮ ‬يتهربون عبر الطرقات والمنافذ المتعددة بين الشمال والجنوب حينها وبالطبع كانت طرقات بدائية وشاقة جدا مثلها مثل وسائل النقل ذلك الوقت وكان هناك من‮ ‬يقوم بهذه المهام إيصال الرسائل ويسمون الطبل وهم مثل موظفي‮ ‬البريد قديما أو موصلي‮ ‬الرسائل وكان هؤلاء‮ ‬يقدمون خدمات جليلة وهامة ساعدت على إنجاح التنسيق فيما بينهم وبالتالي‮ ‬إنجاح العمل الثوري ومن هؤلاء أتذكر حميد علي‮ ‬كان‮ ‬يمتلك بابورا وكان‮ ‬يهرب عليه أشخاصا ورسلا وثوارا أيضا ويوصل رسائل بين المجاميع الثورية في‮ ‬المدن وهذا الرجل أعيد وأزيد أنه جندي‮ ‬مجهول وظلم لأنه لم‮ ‬يذكر أو تذكر أدواره وأعماله الثورية الفاعلة عند أحد ممن كتب وتحدث عن الثورة والثوار على الإطلاق حميد علي‮ ‬من الأحكوم وقد أفردت له أنا مساحة في‮ ‬أحد مؤلفاتي‮ ‬في‮ ‬محاولة لإنصافه وتقديرا لأدواره وجهوده المميزة‮.‬
‮< ‬كيف تقيم الإعداد النفسي‮ ‬والتأهب لانطلاق الثورة حينها¿
‮- ‬كان هناك إعداد مسبق وتأهب كبير للثورة رغم ولائنا للوظيفة العامة الذي‮ ‬كان منقطع النظير لماذا لأننا نتقاضى راتبا بمثابة الأمانة أما القضية الوطنية والتغيير كهدف رئيسي‮ ‬ومطلب وطني‮ ‬ملح فقد كان مصحوبا بنبض القلب وكان هناك نشاط منقطع النظير لدى الشباب في‮ ‬الحراك الثوري‮ ‬والدعم‮ ‬الثوري‮ ‬والتثقيف فقد أوجدوا حراكا ملموسا في‮ ‬تبادل الكتب والمنشورات والأدبيات التي‮ ‬عملت على تهييج الحس الثوري‮ ‬الداعم والمساند وتهيئة الأجواء الثورية العارمة‮.‬
طريق الصين
‮< ‬وأين كنتم أنتم من الحدث¿
‮- ‬كنت ليلتها كما أسلفت مستلماٍ في‮ ‬اللاسلكي‮ ‬وكان مقر للا سكلي‮ ‬في‮ ‬فناء مبنى الإذاعة وكنت أجري‮ ‬الاتصال بعبدالناصر والمجاميع الخارجية كنا في‮ ‬ميدان التحرير‮ »‬شرارة سابقا‮« ‬وهناك كانت توجد بيوت للتلفونات وكان داخلها محطة أوتوماتيكية اشتراها وزير المواصلات حينها المرحوم القاضي‮ ‬عبدالله الحجري‮ ‬بمسعى من هيئة الاتصالات السلكية واللا سلكية في‮ ‬الجمهورية العربية المتحدة وبجهود وسعي‮ ‬من العقيد حسن العمري‮ ‬الذي‮ ‬كان حينها مراقبا عاما وذلك لتحديد أجهزة الاتصالات وكما أشرت من قبل فقد كانت الاتصالات وطريق الصين أي‮ ‬طريق الحديدة صنعاء أهم ما خدم الثورة والثوار والتي‮ ‬كان قد وقع اتفاقيتها الإمام البدر وأتذكر كان حصل لها افتتاح تاريخي‮ ‬وانشئت لها منصة في‮ ‬باب اليمن لقد كانت الطريق الأولى للثورة وعليها نقلت الأسلحة والعتاد للثوار وقدمت خدمات كبيرة للثوار شأنها شأن الاتصالت التي‮ ‬استخدمناها استخداما أمثل خدم الثورة كنا نتواصل بعبدالناصر ومجاميع الثوار وكان السفير محمد عبدالواحد أو أحمد أبو زيد‮ ‬يكتب للخارجية ولرئاسة الجمهورية عبر السفارة كان‮ ‬يرسل البرقيات مشفرة ونحن نقوم بفكها وإرسالها‮.‬
‮< ‬وماذا عن تفاعلكم مع الحدث وموقفكم منه¿
‮- ‬كما قلت لك كنا جزءاٍ‮ ‬منه ومشاركين فيه وقد كان هناك إعداد واستعداد مسبق وتأهب كبير للثورة رغم ولاءنا للوظيفة العامة الذي‮ ‬كان منقطع النظير أتدري‮ ‬لماذا¿ لأننا كنا نأخذ رواتب مقابل وظائفنا وهي‮ ‬بمثابة الأمانة إلا أننا أمام هذا الحدث فقد تعاملنا معه على أنه قضية وطنية كبرى وكان التغيير لدينا هدفا رئيسيا ومطلبا وطنيا ملحا فقد كان مصاحبا لنبض القلب وكان هناك نشاط منقطع النظير لدى الشباب في‮ ‬الحراك الثوري‮ ‬والدعم الثوري‮ ‬والتثقيف فقد أوجدوا حراكا ملموسا في‮ ‬تبادل الكتب والمنشورات والأدبيات التي‮ ‬عملت على تهييج الحس الثوري‮ ‬الداعم والمساند‮.‬
موقف صعب
‮< ‬كيف مرت عليكم ليلة الثورة وما أبرز الأحداث التي‮ ‬شهدتها¿
– ‬كانت ليلة الثورة أطول ليلة كانت كل دقيقة من زمنها مشفوعة بتوقع مواجهه شبح الموت ولم أعش أو أرى لتلك الليلة مثيلا طيلة حياتي‮ ‬على الإطلاق‮.‬
‮- ‬كنا ننتظر الموت في‮ ‬كل لحظة من أول من سيصل إلى مقر اللاسلكي‮ ‬والإذاعة وقد وصلت إلينا مجموعة الاقتحام في‮ ‬مقر عملنا وفتحنا لهم الأبواب وكان الاتصال موجودا بين موقع الأحداث والقيادات وكان الجميع بعد إعلان الحدث في‮ ‬تلهف كبير في‮ ‬انتظار المشير عبدالله السلال أمير الحرس الملكي‮ ‬رجل الموقف الذي‮ ‬تصدى للمسئولية‮ ‬متحملا إياها بشجاعة وبسالة وقد كان أول ما قام به حال وصوله أن حرر أمرا إلى حامية قصر السلاح بأن‮ ‬يفتحوا القصر ويمنحوا الثوار السلاح والذخيرة وقد لبى حرس القصر الأمر وهو ما حقق انفراجا مهما وحسما قويا لتتابع الأحداث فحال وصول السلال لم‮ ‬يكن متبقيا لدينا سوى طلقتين من ذخيرة الدبابة وقد تم سحب إحدى الدبابتين اللتين كانتا عندنا إلى‮ ‬دار البشائر ولم‮ ‬يتبق سوى واحدة كان الموقف صعبا للغاية وكنا بين الحياة والموت وأتذكر أيضا أن البرقيات التي‮ ‬كنا قد بعثنا بها لم نكن نؤرشفها بل كنا نحتفظ بها وكان لدينا نية التخلص منها إذا ما فشل أمر الثورة أو انكشف أمرنا‮.‬
مع طلوع الفجر نزل إلينا الأخ محمد عبدالله الفسيل وهو كما‮ ‬يعرف الجميع واحد ممن تبقوا من الثوار الأصليين من ثوار‮ ‬1948م وصل وكان المرحوم القاضي‮ ‬عبدالسلام مسبرة قد أخبرنا بقدومه وبصحبته بيان الثورة مع العلم بأن البيان الأصلي‮ ‬للثورة والذي‮ ‬كان مقررا أن‮ ‬يذاع كان مع أشخاص آخرين قاموا باخفائه أو رميه حتى لا‮ ‬يلقى القبض عليهم وهو معهم أولئك كانوا متوقعين بقوة فشل الثورة وكانوا خائفين بشكل كبير من الوقوع في‮ ‬أي‮ ‬تهمة وهذه الوقائع‮ ‬والأحداث لم‮ ‬يتطرق إليها أحد على الإطلاق ومع كل ذلك ظل بعض من أولئك‮ ‬يعدون بطولاتهم ويرددون‮ ‬غير الحقائق التي‮ ‬حدثت تلك الليلة وللأسف الشديد أخفوا الكثير من الحقائق واعتقد أنه ليس عيبا أن‮ ‬يكون المرء صادقا وليتهم كانوا كذلك فإن لم تكن بهم أدوار مباشرة وفاعلة في‮ ‬تحقيق الحدث فليس ذلك عيبا في‮ ‬حقهم والمضحك‮ ‬يا عزيزي‮ ‬أن عددا من الشخصيات ادعوا أنهم كانوا معنا أو في‮ ‬مكاننا داخل اللاسلكي‮ ‬وكتبوا ودونوا ذلك للأسف الشديد فوصفوا ما لم‮ ‬يروا وادعوا ما ليس لهم ومنهم من‮ ‬يتباهى في‮ ‬وسائل الإعلام وبالذات على شاشة التلفزيون‮.‬
‮- ‬الله أكبر
‮< ‬من كان بصحبتك‮ ‬يوم إعلان الثورة في‮ ‬اللا سلكي‮ ‬والإذاعة¿
‮- ‬كان هناك زميل عزيز هو عبدالله محمد فرحان وهو رجل وطني‮ ‬وصادق وقد ترافقنا معا أيام الدراسة في‮ ‬مصر في‮ ‬الخمسينيات وقد ظهر ذلك اليوم‮ ‬يوم الخميس‮ ‬26‮ ‬سبتمبر المبارك وكنا نريد أن نبث برامج الإذاعة حضر أيضا في‮ ‬تلك اللحظة التاريخية الأخ المرحوم علي‮ ‬قاسم المؤيد وصالح الأشول وآخرون وكنا بعثنا إحدى العربات المصفحة لإحضار عبدالله صالح الهمداني‮ ‬ومحمد ناصر وعبدالله فرحان وعبدالله الشعبي‮ ‬وحمود مراد وكان حضور هؤلاء كافيا للتشغيل وانطلق البث بأنشودة الله أكبر وكان الأخ عبدالله محمد الفسيل قد صاغ‮ ‬بياناٍ‮ ‬بديلا وقام الأخ المرحوم علي‮ ‬المؤيد بإلقائه ثم أتى الأخ الدكتور عبدالعزيز المقالح والأخ عبدالوهاب جحاف وكانا مقيمين ليلتها في‮ ‬منزل عبدالوهاب الآنسي‮ ‬ولم‮ ‬يباتوا في‮ ‬الإذاعة بسبب اختلافهم مع قائد الحامية السابق حسن الحرازي‮ ‬وكان العقيد حسن العمري‮ ‬رحمه الله قد استحسن عدم بياتهم في‮ ‬مقر الإذاعة نظرا لحدة الاختلاق وللعلم كان الأخ العمري‮ ‬من أنظف وأشرف الرجال وكان شجاعا ومقداما ووطنيا ومن الظريف عن هذا الرجل المقدام أنه حين كان‮ ‬يعود من خارج صنعاء ويقترب من باب اليمن‮ ‬يأمر سائقه علي‮ ‬محسن قلالة رحمه الله بأن‮ ‬يدير الصفارة الخاصة بالسيارة ليعلم الناس بعودته ويرددوا وصل القائد وكان ذلك من أبرز ما‮ ‬يعكس شخصية هذا الرجل ويترجم حالته الحماسية وعنفوانه ومعنوياته‮.‬
‮.. ‬الحدث
‮< ‬ما أهم وأول ملمح أو ظاهرة أو جدتها الحالة الثورية وإعلان الثورة¿
‮- ‬من أبرز المظاهر أن الثورة أوجدت تلاحما وترابطا متينا بين أبناء صنعاء وكان ذلك‮ ‬ينعكس في‮ ‬مساهماتهم الفعلية بعد وأثناء الضرب والقصف على صنعاء وفي‮ ‬أنشطتهم مثل تنظيف آثار القصف والقيام بأعمال الإسعاف ونقل الجثث وغير ذلك وحتى من كانوا منهم متعاطفين مع النظام الإمامي‮ ‬البائد فقد‮ ‬غيرهم حدث الثورة وحول مواقفهم وانطباعاتهم وقد برزت فيما بعد مقاومة شعبية‮ ‬غير عادية لأنصار الإمامة وللغزاة والهجامة والذين كانوا‮ ‬يغيرون على صنعاء من قبل القبائل وكان من أبرز الأسماء التي‮ ‬أتذكرها والتي‮ ‬مثلت أرقاما صعبة في‮ ‬المقاومة والمساندة والتعدي‮ ‬للمتضعضعين والمرتزقة الإخوة‮ ‬يوسف الشحاري‮ ‬وجار الله عمر وعلي‮ ‬سيف الخولاني‮ ‬وأحمد قاسم دهمش في‮ ‬الإعلام وآخرون كانوا‮ ‬يساهمون بشجاعة وبسالة في‮ ‬المواجهات والمجهود الحربي‮ ‬وأتذكر أن الأخ دهمش كان‮ ‬ينزل هو وطلاب المدرسة الحربية من نقم ويتحملون على ظهورهم أكياس الرحل كانوا‮ ‬يأتون لحماية اللا سلكي‮ ‬والإذاعة وكانت الإذاعة ترد على الهجمات والغزوات من قبل أنصار النظام البائد بأناشيد مثل لا أنت الزجاج فأنا كسيرك الماس‮ »‬وجمهورية من قرح‮ ‬يقرح‮« ‬وكان موظفو الإذاعة واللاسلكي‮ ‬يتناوبون مع حاملي‮ ‬البنادق والمقاتلين والمؤسف أن هناك من كتب عن الإذاعة ولم‮ ‬يكلف نفسه التحدث عن موظفي‮ ‬اللا سلكي‮ ‬وأدوارهم التي‮ ‬جسدت آيات من الصمود والمقاومة والبطولات‮.‬
إغفال وتهميش
‮< ‬ما أبرز المهام والمساهمات التي‮ ‬قدمها موظفو اللا سلكي‮ ‬في‮ ‬تحقق الثورة والدفاع عنها¿
‮- ‬كان موظفو اللا سلكي‮ ‬مساهمين بقدر كبير في‮ ‬العمل الثوري‮ ‬والمقاومة ولكن لم‮ ‬يعرهم أحد بالا أو اهتماما لقد كانوا‮ ‬يمدون مركز القيادة بالمعلومات والتحركات ونشاط المعارك وكان الموظف المبتعث ميدانيا‮ ‬يتجشم العناء وأكثر من‮ ‬غيره وهو‮ ‬يتنقل بجهاز اللا سلكي‮ ‬محمولا على ظهره من مكان إلى آخر‮ ‬يمدنا بالمعلومات عن المعارك والتضحيات وكان‮ ‬يضطره ذلك العمل لإيجاد أماكن مناسبة وخفية للتراسل وإيصال المعلومات وكان‮ ‬يصل الأمر والاضطرار أحيانا بهذا‮ ‬الموظف أن‮ ‬يرسل معلوماته وهو متخف في‮ ‬حمام أو ما شابه ذلك‮.‬
ثم‮ ‬يأتي‮ ‬يا أخي‮ ‬العزيز بعد ذلك من‮ ‬يتحدث عن الفعل الثوري‮ ‬ويغفل تلك الأدوار وأولئك الأبطال وكأنهم لم‮ ‬يكونوا حتى على الوجود‮!!‬
يجب أن‮ ‬يعلم الجميع أن هناك من‮ ‬يستحقون فعلا الانصاف والثناء وإن بالذكر والتحضير على أقل تقدير وهو عزاء لهم وتعويض لما جرى في‮ ‬حقهم من إغفال وتناسي‮ ‬وتهميش لما قدموه من أدوار لقد كان اللا سلكي‮ ‬حلقة مفصلية من حلقات تتابع ونجاح العمل الثوري‮ ‬ولا أحد‮ ‬يستطيع إنكار ذلك ولكن لا ندري‮ ‬لماذا تم ويتم تغييب تلك الأدوار وذلك المجهودات‮!!‬
من تعز
‮< ‬وأين‮ ‬يأتي‮ ‬مكان مدينة تعز في‮ ‬العمل الثوري‮ ‬وإنجاح الثورة¿‮!‬
‮- ‬معروف أنه كان من المفترض أن تنطلق شرارة الثورة من تعز وكان هناك إعداد لها حقيقي‮ ‬وتخطيط كبير‮ ‬غير أن وفاة الإمام أحمد أدت إلى نقل الحكم وأبناء الإمام إلى صنعاء فتحول مكان المواجهات والإشعال إلى صنعاء وأتذكر أنه كان في‮ ‬تعز مجاميع تحركت بنشاط وهمة وبفاعلية كبيرة وأتذكر من بين تلك المجاميع على سبيل المثال سعيد الجناحي‮ ‬أحمد الرخي‮ ‬سعد الأشول‮ ‬محمد إسماعيل الحيمي‮ ‬والشهيد أحمد الكبسي‮ ‬وعلي‮ ‬الضبعي‮ ‬ ومحمد مفرح وكثيرون جدا تحركوا بمسيرات ومظاهرات وقبلها كان المد بدعم كبير من المناضل الكبير عبدالغني‮ ‬مطهر رحمه الله ذلك الإنسان السخي‮ ‬والوطني‮ ‬الكبير كان تاجرا وكان له أدوار كبيرة في‮ ‬إعداد ودعم الثورة والثوار والمقاومين ومعه أيضا آخر من مثل محمد علي‮ ‬الأسودي‮ ‬ومحمد شعلان وعبدالعزيز نصر وعبده الدحان وعلي‮ ‬محمد عبده‮ ‬كان هؤلاء‮ ‬يمدوننا عندما كنا في‮ ‬تعز بالكثير‮ ‬والكثير مما ساعد على البقاء والمواجهة وكان ما‮ ‬يوفرونه من دعم‮ ‬يصل عبرنا أيضا إلى إب والحديدة وصنعاء‮.‬
وهناك شباب كثر مجهولون ولهم أدوار فاعلة ومؤثرة خصوصا من تعز وريفها ومناطقها كالأحكوم ومعبق وغيرهما‮.‬
إذاعة الجمهورية
‮< ‬أستاذي‮ ‬العزيز أود منك أن تتذكر لي‮ ‬موقفاٍ‮ ‬مهماٍ‮ ‬ومؤثراٍ‮ ‬صاحب لحظات الفرحة بالثورة والانتصار لها¿‮!‬
– المواقف والحكايات كثيرة لاتكاد تنتهي‮ ‬وكان من بينها وأهمها أنه بعد أن نجحت الثورة وعلت هتافات الفرحة والعناق لدينا العاملين في‮ ‬اللاسلكي‮ ‬والإذاعة كان بيننا الأخ علي‮ ‬عبدالله أبو لحوم وهذا له حكاية عظيمة‮ ‬إذ كان جريحاٍ‮ ‬ولم‮ ‬يسمح لنا بإسعافة وإخراجه من المقر وظل في‮ ‬النوبة الخاصة بسور الإذاعة مصمماٍ‮ ‬على البقاء والاستمتاع بلحظة الفرحة بالانتصار وحتى‮ ‬يسمع الإذاعة وهي‮ ‬تقول إذاعة الجمهورية والطريق فيما‮ ‬يتعلق بهذا الذكر أيضاٍ‮ ‬أنه كان‮ ‬يحصل تلخبط ودربكة في‮ ‬عبارات ونصوص البث وبالذات في‮ ‬التسميات‮ ‬فكان المذيعون أحياناٍ‮ ‬يقولون إذاعة الجمهورية العربية اليمنية وأحياناٍ‮ ‬اليمنية العربية‮ ‬وأذكر أنه لم‮ ‬يكن هناك حتى اتفاق على شكل الحكم البديل الذي‮ ‬ستكون عليه البلاد فهناك من‮ ‬يقول أن‮ ‬يكون مكتب سيادة ومن‮ ‬يرى مجلس سيادة وآخرون‮ ‬يقولون مجلس رئاسة وهكذا اختلفوا كثيراٍ‮ ‬إلى أن تم الاتفاق على التسمية وفي‮ ‬يوم الخميس‮ ‬26‮ ‬سبتمبر كنت أنا قد طلعت ببرقية مهمة جداٍ‮ ‬جداٍ‮ ‬من‮ »‬فهد‮« ‬أي‮ ‬عبدالناصر أو صلتها إلى‮ »‬بستان صنعاء‮« ‬أي‮ ‬السفارة المصرية تعرض تعاون مصر‮ ‬وقد سلمتها لمحمد عبدالواحد القائم بأعمال السفير المصري‮ ‬وأخرى تحركت بها إلى السفير العراقي‮ ‬وكان حينها إبراهيم الولي‮ ‬مرسلة له من الزعيم عبدالكريم قاسم‮ ‬يقول فيها سنمد الثورة بسرب من الطائرات فقط‮ ‬يتم تأمين أماكن التزويد بالوقود بين بغداد وصنعاء‮.. ‬وللعلم كان الخلاف حينها شديداٍ‮ ‬بين مصر والعراق‮ ‬فلا‮ ‬يمكن أن تستخدم الطائرات العراقية أراضي‮ ‬مصر للتزويد بالوقود ولا الأردن ولبنان والسعودية وغيرها من الدول التي‮ ‬تقع بين البلدين لأنها كانت أكثر ميولاٍ‮ ‬للحكم الإمامي‮ ‬ومؤيدة له‮.. ‬نعم كنا في‮ ‬ذلك الوقت في‮ ‬وضع سيء وكنا وكأننا في‮ ‬عزلة وخارج خارطة الحياة معزولين ليس لنا أحد‮.. ‬وبعد إبلاغ‮ ‬القيادة بهاتين الرسالتين أبلغني‮ ‬الوالد عبدالسلام صبرة والعقيد العمري‮ ‬أن أبلغ‮ ‬الرئيس العراقي‮ ‬الشكر الجزيل لهذا الموقف والعرض‮ ‬وكان هناك حرص شددت عليه القيادة على عدم القبول بأي‮ ‬شيء من سوى مصر لأن مصر سبق وأن وعدت بمد الثورة والثوار بحدود إمكاناتها وأنه كان من حقها أن تعلق بكونها أول المعترفين بالنظام اليمني‮ ‬الجديد‮.‬
ولا أنسى من المواقف الظريفة والمؤسفة في‮ ‬نفس الوقت قدوم الأخ عبدالرحمن البيضاني‮ ‬إلى مقر الإذاعة واللاسلكي‮ ‬ومحاولاته نسب كل شيء إلى نفسه كان ذلك ثالث أيام الثورة‮ ‬وقد وقف تحت مبنى اللاسلكي‮ ‬وطلب منا ورقة وبدأ‮ ‬يكتب فيها تشكيلا جديدا للحكومة ويطلب منِا إذاعته في‮ ‬عملية‮ ‬غير مسؤولة تشبه عمليات السطو‮.. ‬وكان ردنا عليه أن‮ ‬يذهب إلى رفاق السلاح ورفاق الكلمة والنضال في‮ ‬مركز القيادة‮ ‬وإذا كانت له مواقف وطنية أو ما شابه ذلك فليجتمع بهم ويقف هم معهم‮.. ‬كان‮ ‬يحاول بقوة أن‮ ‬يكون في‮ ‬محل القرار بل صاحب القرار‮ ‬وقد أورد في‮ ‬كتاب له ذكرياته عن الثورة جاء فيها أشياء لانكاد ندري‮ ‬لها صحة أو من أين أتى بها‮!! ‬وأظرف من ذلك أن الجميع استغرب لمواقفه وهو‮ ‬ينتقد ويعارض كل شيء وأي‮ ‬تشكيل أو قرار أو مناصب وكان‮ ‬يقوم بإغرار الضباط والمدنيين والزملاء بمحنهم رتباٍ‮ ‬وترقيات عشوائية ليكسب ودهم بدون صلاحية تذكر له ومثل ذلك فعل كثيرون ممن تلقوا ظهر الثورة على جماجم وجهود الآخرين وأنكروا كل شيء عدا أنفسهم‮.‬
‮ ‬قراءة التاريخ
الحقيقة‮ ‬يجب أن‮ ‬يعلم الجميع والمعذرة إذا قلت أننا لا‮ ‬يمكن أن نطلب ثمناٍ‮ ‬لما قمنا به أو قدمناه من أجل الوطن‮ ‬وإذا كنا ساهمنا بشيء‮ ‬يذكر مع رفاق القلم والسلاح والكلمة في‮ ‬ذلك الحدث العظيم الذي‮ ‬نحتفي‮ ‬اليوم بشهادة‮ ‬يوبيله الذهبي‮ ‬فليس ذلك فضلاٍ‮ ‬ولا منه مناتجاهه بل واجب وواجب مقدس لا نطلب لقاءه أجراٍ‮ ‬ولاثمناٍ‮!! ‬وهي‮ ‬مناسبة جيدة لأن ندعو جيل اليوم إلى قراءة التاريخ ومعرفة ماكانت عليه البلاد قبل خمسين عاماٍ‮ ‬وماصارت إليه اليوم‭??‬
> مقاطعاٍ‮ ‬له‮.. ‬أي‮ ‬تاريخ نقرأ مادام هناك شك في‮ ‬كثير مما كتب¿
– وهي‮ ‬مناسبة أيضاٍ‮ ‬أن نؤكد أن هناك كثيرين لديهم حقائق الثورة وأوضاع الوطن قبل وبعد الثورة‮ ‬وأنهم مسئولون مسؤولية تاريخية أمام الأجيال وأمام أنفسهم مالم‮ ‬يقوموا بسرد التاريخ على حقيقته ومايزال هناك فرصة لذلك‮ ‬وروايته كما‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون بتجرد وبأمانة‮ ‬وأن‮ ‬يحرصوا على ألا‮ ‬يفعلوا كما فعل‮ ‬غيرهم ممن انشغلوا بتمجيد أنفسهم وذكر عن ذكر الحقائق لناصعة‮ ‬وإذا كان لهم أدوار وإسهامات فسيكون جديداٍ‮ ‬ولا ئقاٍ‮ ‬ذكرها وتخليدها من قبل سطواهم‮. ‬وأود أن أوكد هنا أن الأمم التي‮ ‬لا تمتلك تاريخاٍ‮ ‬ليست على الوجود ولا تستحق الحياة‮.‬
وأود أيضاٍ‮ ‬أن أوكد استعدادي‮ ‬التام للتعاون مع من لديه نية الكتابة عن تاريخ الثورة وما سبقها وتلاها ومده بالمعلومات مما خزنته سواء في‮ ‬مدوناتي‮ ‬وكتاباتي‮ ‬أو مسودات كتبي‮ ‬أو في‮ ‬ذاكرة من معلومات وحقائق مجردة ليس لي‮ ‬من ورائها أي‮ ‬بغية سوى إظهار الحقيقة كما‮ ‬يجب أن تكون‮.‬

قد يعجبك ايضا