
حاوره/وليد المشيرعي -حسن شرف الدين –
مخططات الثورة لم توثق خشية وصولها إلى الإمام ومعارك الدفاع عن الجمهورية شغلت الثوار عنها
توثيق أحداث الثورة واجب تاريخي يتطلب تشكيل لجنة من المؤرخين تحت إشراف المركز
الثورة خدمت الشباب خدمة كبيرة ومنهم بيت حميد الدين الذين أصبحوا دكاترة بفضلها
إمكانات المركز لا تزال محدودة رغم دوره المهم في الحفاظ على الذاكرة الوطنية
مئات الآلاف من الوثائق التاريخية عن اليمن موزعة في الأرشيفات العربية والأجنبية ونحتاج لتصويرها الأموال والكوادر المؤهلة
بذلنا جهداٍ كبيراٍ في جمع الصحف الصادرة قبل وبعد قيام الثورة باعتبارها المرجع الأوحد لأحداث تلك الفترة
أعيش في قلق حيال وضع الوثائق في المركز وأتمنى سرعة إنجاز مبناه الجديد لحفظها بشكل دائم
تجمهر الناس صباح الثورة ووزعوا العنب على الجنود
القاضي علي أحمد أبو الرجال أحد الشخصيات التي عاصرت فجر الثورة السبتمبرية وكانت له أـدوار مشرفة في معركة تثبيت أركان النظام الجمهوري ضد فلول النظام المتوكلي شغل قبل اندلاع الثورة منصب مدير الأشغال واستمر في هذا العمل بعد نجاح الثورة ليقدم مع زملائه أروع صور التضحية والبذل والعطاء في مسيرة البناء والتحديث وإزالة مظاهر التخلف والفقر على صعيد البنية التحتية وغرس البذور الأولى للتمدن حتى في المناطق التي كانت تسيطر عليها القوى المعادية للثورة.. ولعل الأهم في مشوار القاضي أبو الرجال الحافل بالإنجازات هو سبقه إلى توثيق كل ما كانت تقع عليه يداه من وثائق وصحف وتسجيلات في مختلف حياته لأكثر من نصف قرن مندفعا في ذلك وراء شغفه بجانب التوثيق والذي استحق به أن يوصف على ألسنة من يعرفونه من اليمنيين والعرب والأجانب بأنه «عاشق الوثائق» .. التقينا به في مكتبه حيث يعمل رئيسا للمركز الوطني للوثائق حيث أباح حرية التسلل إلى رفوف ذاكرته العامرة بالأحداث والمواقف التي كان شاهد عيان عليها بداية الثورة.. ننقل لكم ما استطعنا التقاطه من تلك الذاكرة في الحوار التالي:
حاوره/وليد المشيرعي -حسن شرف الدين
وثائق الثورة
< بداية.. هل لكم أن تحدثونا عن الوضع الراهن للوثائق المتعلقة بتاريخ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 المباركة ¿
– في الحقيقة إن المركز الوطني قد قام ومنذ إنشائه في العام 1985 بجمع كل ما أمكن له الحصول عليه من هذه الوثائق مع ندرتها وصعوبة الحصول عليها بالشكل الذي لا يمكن أن يتصوره أحد.. هناك كتب صدرت حول أحداث تلك الفترة كلها لأشخاص ارتبطوا بالثورة وخططوا ونفذوا ولكن للأسف هذه الكتب والمذكرات يعتريها التناقض والاختلاف فيما بينها وهذا عائد لأسباب كثيرة لا مجال هنا لسردها .
والحقيقة أن كثيراٍ من الإخوة قيادات وشخصيات الثورة في وقتها حاولت إقناعهم دون جدوى بتسجيل الأحداث وتوثيقها .. فمثلا كان هناك مشكلة حول من أذاع البيان الأول للثورة وأذكر مرة أننا كنا جالسين عند الأخ علي الجائفي – مازال على قيد الحياة – ومعنا الأخ علي سيف والأخ محمد مطهر والأخ محمد الفسيل وبدأوا يتجادلون حول من قرأ البيان.. أنا رفعت يدي وقلت لهم إذا كنتم الآن تختلفون وأنتم الذين ألقيتم البيان فكيف بالذين سيأتون بعدكم وكيف سيحصلون على المعلومات.. والأخ محمد الفسيل لا زال موجودا يخبركم بهذه الأشياء.
تجربة شخصية
< كان لكم دور في جمع الوثائق بصورة شخصية.. هل لكم توضيح هذا الدور¿
– منذ بداية الثورة وأنا أبحث عن الوثائق في كل مكان بصفة شخصية وكان همي الأكبر جمع الأعداد الصادرة من صحيفة الثورة والنشرة الإخبارية لوكالة الشرق الأوسط المصرية التي صدرت في تلك الفترة وما كان يأتي من صحف مثل الأهرام والأخبار فقد جمعتها كلها وللأسف الشديد عندما انتقلت من محافظة صنعاء تركت الوثائق التي جمعتها في وزارة الأشغال التي كنت أعمل فيها تم نقلها جميعا إلى الجامعة حيث تناثر معظمها وضاعت.. وقد حدث أثناء ما كنت مهتما بجمع أعداد من صحيفة الثورة كان هناك من نقل للمخابرات في عام 1965م أننا كنا نجمع عندنا في الأشغال أوراقاٍ ووثائق فإذا بنائب الوزير حضر إلى الوزارة وفتح الدولاب فإذا هو يجد مجموعة أعداد من صحيفة الثورة من أول عدد وكان هناك من الإخوان يساعدوني في جمع صحيفتي الثورة والجمهورية وكان من الأشخاص الذين ساعدوني الفقيد محمد الزرقة رحمه الله الذي كان يعتبر من أفضل المتعاونين معي في جمع الوثائق.. ولا أبالغ إذا قلت أن لدي العدد الأول الأصل لصحيفة «الثورة» كانت معي نسخة في البيت ونسخة في المكتب وأخذوها مع مجموعة وكالة الشرق الأوسط التي كانت معي مسلسلة من أول عدد حتى آخر عدد بعد خروج القوات المصرية فقد كان مبنى التوجيه المعنوي قريب من مبنى الوزارة وكنت على علاقة طيبة معهم وكانوا يعطونني الصحف وأقوم بأرشفتها عندي.
صحيفة الثورة
لقد توفرت لدينا صحيفة «الثورة» وصحيفة «الجمهورية» وبعض المجلات والنشرات التي كانت تصدر وفرناها في المركز إلى جانب أننا قمنا بتوفير ما هو عائد إلى فترة ما قبل الثورة من صحف كالصحيفة التركية جريدة «صنعاء» وبعض الصحف التي كانت تصدر في عدن كـ»صوت اليمن» والتي كانت مهتمة بالأوضاع في الشطر الشمالي في الوطن حتى قيام ثورة سبتمبر.
وقد استطعت أن أجمع من أحد الأشخاص كان موظفا في صحيفة الثورة وكانت لديه «غرفة» في منزله مليئة بالصحف وجاءت امرأته إلي وقالت أن زوجها مريض وهي بحاجة إلى المال.. ذهبت لرؤية ما لديها فإذا بخزانة في سطح البيت مليئة بالصحف خرجت من عندها وقد اتفقنا على «ستة آلاف ريال» خرجت منها ببعض الأعداد التي كانت مفقودة عندي وكذلك الأخ سفيان البرطي –الله يرحمه- جاء إليِ ومعه حقيبة فيها صحف ووجدت فيها بعض الأعداد الناقصة عندي وقمنا بجمع الأعداد الصادرة من جريدة «الثورة» حتى 1977 و1978م لأن هذه الفترة كان لدينا نقص في أعدادها حوالي 12 أو 14 عددا والبيانات والأحداث التي لم يحصل عليها الباحث في أعداد مفقودة يستطيع الحصول عليها من صحيفة الجمهورية.
أما بالنسبة للوثائق الرسمية والوثائق المكتوبة عن ثورة سبتمبر فللأسف الشديد ليس لدينا أي وثائق لا أحد قدم الوثائق الموجودة لديه وقد قيل أنه تم وضع مخطط تفجير الثورة في بيت الوالد عبد السلام صبرة – رحمه الله- والأخ محمد الفسيل – ما زال موجودا- قال أن هناك خطة عمل لقيام الثورة وأنه فوجئ أن البيان الذي كان مقرراٍ أن يقرأ في الإذاعة صبيحة الثورة ليس موجودا فاضطروا أن يعيدوا كتابته ارتجالاٍ وهذه الوثائق لم توثق.. وأعتقد أنهم لا يلامون في هذا لأنهم يقولون أن رسائلهم سلمت لبعض الإخوة المشاركين معهم في تفجير الثورة وقد ضاعت عليهم.. بالإضافة إلى أنهم كانوا خائفين من أن تصل هذه الوثائق إلى أيدي أحد قد ينقلها إلى الإمام وهذا للتاريخ.
والحقيقة فلقد بحثنا في كثير من الأماكن للحصول على الأوراق والوثائق الخاصة بالثورة والمركز الآن بدأ عمله وبدأنا بجمع عدد من الوثائق كنت أعتقد أننا سنجد وثائق لرئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية ولكن لم نجدها وبالنسبة لرئاسة الجمهورية لفترة الثورة فقد حصلت مشكلة لوثائقها ولا أدري كيف راحت أو ذهبت حتى أن أصول القوانين من أول الثورة غير متوفرة.. ولكن كان معي ملف أقوم بجمعه من خلال التصوير من الجريدة الرسمية وعندما حصلت على الجريدة الرسمية حصلت عليها بطريقة طريفة حيث كنت مارا في الشارع وإذا بشخص يقول لي هذا (قلاب) مليء بالأوراق التي سيتم حرقها وعندما تفحصت القلاب فإذا بالجريدة الرسمية والمجموعة الأولى «13» إصدار والعدد الأول الذي صدر بعد الثورة وفيها البيانات والقرارات وقد جمعت أشياء كثيرة جدا لكن للأسف الشديد كان بعضها مهترئاٍ وبعضها ممزق إلى جانب أنه بالإمكان الحصول على هذه الوثائق من خلال أرشيف وكالة الأنباء العراقية التي كانت من أفضل الوكالات التي كانت تنقل ما كان يدور في الشمال والجنوب وهذه قرأتها لكاتب مصري كتب عن الثورة في الجنوب وقال أنني وجدت بغيتي من البيانات والقرارات في وكالة الأنباء العراقية وقد كان لدينا خطة للاستفادة من الوكالة غير أن أحداث العراق أضاعت الكثير.
ونحن أيضا بعد الوحدة المباركة جمعنا الجريدة الرسمية وحصلنا على بعض الصحف وهذه كلها متوفرة عندنا في المركز وهذه حصيلتنا من الثورة بالإضافة إلى أني لا زلت أتابع بعض الأشخاص ممن لديهم أوراق لمحاضر وقرارات كثيرة كانت تصدر في غرف العمليات كنت أحاول الحصول عليها وقد تحدثت مع كثير من الذين عملوا في غرف العمليات وهناك صعوبة.
ولحسن الحظ أنه بدأ الاهتمام بعملية الأرشفة وتمكنا من وضع خطة لأرشفة القوات المسلحة ونجمع كل ما يخص الوحدات الإدارية للقوات المسلحة في المحافظات وقد جمع الكثير جدا وبدأ تنظيمها الآن وهذه لو تم فحصها فحصا جيدا ستوفر صوراٍ واضحة.. فالأرشيف الموجود لدى القوات المسلحة والأمن يحتوي على أشياء ممتازة ونحن في بداية تنظيمه وقد توفرت له المخازن الجيدة.
الوضع الراهن للوثائق
< ما هو وضع الوثائق الموجودة لديكم في الوقت الراهن¿
– والله أني أخاف عليها مثل ما أخاف على أولادي لكنها في الحقيقة في وضع لا أستطيع القول أنه آمن لأنها في مخازن لا تتوفر فيها كل شروط الحفظ المطلوبة نحن وفرنا جهاز إنذار وأغلقنا الغرف وعملنا الأبواب المحصنة لكنها لم تكن المخازن المطلوبة فقد جمعنا وثائق كثيرة جدا من تركيا ووثائق من العراق إلى جانب أننا جمعنا كل ما استطعنا من الموظفين في الحكومة أمثال القاضي أحمد الجرافي الذي يعتبر أول من استلم العمل بعد دخول الإمام يحيى إلى صنعاء وابنه القاضي محمد «مفتي الديار اليمنية» -رحمه الله- أعطاني حوالي (500) وثيقة يستطيع الباحثون من خلالها كتابة كيف كانت تدار العمليات الإدارية في النواحي والقضوات والمحافظات بطريقة مضبوطة وموثقة وهذه موجودة.. كذلك الأخ محمد الأكوع –رحمه الله- حصل على وثائق عندما تعين في لجنة الوثائق بتعزحيث حصل على وثائق كثيرة وقد أعطاها لنا وهذه الأوراق كان يتحدث دائما في خطاباته بأنه سلم وثائقه للمركز الوطني للوثائق وقد قمت بتصويرها كلها وعملنا لها فهرس ووضعناها في مجلد تم تسليمها له وسلمت صورة لمكتبة الجامعة ومن هذه الوثائق كيف تم محاكمة الثوار في 48 و55 وأشياء من هذا القبيل وغير هذا لا يوجد وبالنسبة لسنة 48 جاءت ومعها ميثاق ودستور وأشياء عملية موضحة لكن ثورة 62 مختلفة وتم إعداد كل شيء بعد الثورة.. وكثير من الأشخاص قالوا أنه كان هناك مخطط لكننا لا نستطيع أن نسلم بهذا الشيء إلا بوثائق لكننا لم نحصل عليها حتى الآن.
جهود على طريق التوثيق
< إلى أين وصلت جهود المركز في جمع الوثائق اليمنية¿
– الأمر الذي من الصعب الحديث عن هذا الموضوع وما يوجد في المركز هو بجهود لأشخاص يمكن أن يعدوا بأصابع اليد وكانت البداية عندما تشكلت لجنة الوثائق في عام 1984م عندما كانت الدولة بحاجة إليها بخصوص قضايا الحدود وغيرها حيث بدأنا بجمع الوثائق .. ولا أدري من أخبر الرئيس أن علي أبو الرجال من المهتمين بالوثائق ويحافظ عليها وطلبني إليه وسألني عنها فأجبت عليه فوجه في هذا الموضوع وكنت حينها أعمل في مكتب رئاسة الجمهورية وقال لي اجمعوا هذه الوثائق وكان هناك وثائق أخذت بعد الثورة موجودة في الإدارة المحلية كان الفضل في جمعها أولا للقاضي عبدالله الإرياني –رحمه الله- وفضل تسجيلها يعود للقاضي عبد الكريم العرشي وهذه جميعها موجودة لدينا.. وفي بعضها مراجع وبعضها صوِر كيف كانت تدار اليمن.. بعضها قرارات وبعضها تعيينات للحكام وفيها في الجانب المالي حيث توفرت لنا دفاتر.
لدينا الآن أكثر من ثمانية آلاف مجلد مختلفة موجودة لدينا بعضها في الشئون المالية وبعضها تخص الديوان بعد ثورة 48م موجود فيها تسهيلات ورسائل ومذكرات وأشياء كثيرة.. وقد بدأنا بتصنيفها في غرف صغيرة ولكن لا بد أن يكون التصنيف في أماكن أكثر تخصصيه وقد جمعنا أشياء كثيرة وما زلنا محافظين عليها حتى ينجز المبنى الجديد للمركز وتخطيط المبنى موجود والتكلفة كانت في البداية خمسة ملايين الآن أصبحت حوالي 25 مليون دولار والسبب أننا تأخرنا في العمل بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالأرضية.
الأرشيفات العربية
< ماذا عن التعاون المشترك بينكم والأرشيفات العربية¿
– لدينا اتفاقيات مع كل البلدان العربية التي لديها أرشيفات أو التي لم تكن قد بدأت بتنظيم ذلك مثلا لدينا اتفاقيات مع دولتي تونس والجزائر وهما الدولتان الرائدتان في الأرشيف حيث لديهم المباني المتخصصة ولديهما فنيين ممتازين جدا ونحن متعاونون معهم فقد بادر الأشقاء التونسيون لتدريب عدد من كوادر المركز وقدموا لنا عدداٍ من الخدمات في مجال الارشيف.. والأخوة الأتراك أيضاٍ تعاونوا معنا كزملاء وما زالوا يتعاونون معنا إلى اليوم ولديهم وثائق كثيرة جدا تتعلق ببلادنا حيث يصل مجموع الوثائق الموجودة في الأرشيف العثماني التركي إلى 150 مليون وثيقة وقد صنفوا منها تقريبا حوالي 60 أو 70% وما يخص اليمن يصل إلى حوالي 25 ألف وثيقة موجودة ومخزنة إلكترونياٍ كلها تخص اليمن والآن الطلاب والباحثون اليمنيون يستطيعون الاطلاع عليها.. وهذه الوثائق تخص أشياء كثيرة كالقوانين والحسابات وغيرها أي أنه يمكن دراسة أوضاع اليمن في الفترة العثمانية بكل سهولة.
بالنسبة لوثائقنا في بعض البلدان العربية حتى الآن لا نستطيع الجزم بشيء ما لم نستطع الاطلاع على مؤسسات أرشيفية بالمعنى الصحيح والوثائق تأتي لظروف أحيانا مرتبطة برئيس الدولة وبعضها مرتبطة برئيس الوزراء وبعضها مرتبطة بأماكن أخرى ولهذا يقولون أن اليمن تعتبر الدولة الثالثة في الوطن العربي هي التي بدأت تفكر في الأرشيف والاهتمام بجمع الوثائق على أساس علمي ومضبوط كما هو متبع علميا ودوليا.
مساعدة الباحثين
< ما دور المركز في مساعدة الباحثين ورفدهم بالوثائق في مجال أبحاثهم ¿
– بالإمكان سؤال الباحثين الذين قدموا رسائل جامعية ستجدون الثناء لما قدمه المركز لهم من معلومات ووثائق متوفرة لديه نحن هنا رغم ضيق المكان وعدم توفر الإمكانيات نتعاون بشكل كبير حيث نتيح للباحث ما هو موجود لدينا للإطلاع عليه ونصور ما يحتاجه الباحثون على حساب المركز وعملية رفد الباحثين بما يريدونه من معلومات لا تحتاج إلى تأكيد ولا زلنا نعتقد أننا مقصرون في هذا الدور لكن هذه قدراتنا وإمكانياتنا المتاحة.
ذكريات عاشق الوثائق
< ماذا عن ذكرياتكم المتعلقة بقيام الثورة الثورة¿
– لقد تشرفت بالعمل العام والخدمي منذ فجر يوم الثورة حيث
كنا جالسين في استديو الإذاعة مع عدد من قيادات الثورة منهم عبد الكريم الغسال والمرحوم صالح الأشول الذي قال لي أنتم المدنيين رغم أن لبعضكم نشاطات كثيرة جدا خلال الفترة السابقة لكن في الوقت الراهن يمكن أن يتم التعاون بيننا وبينكم.. قلت له المدنيون خلوهم جانبا المدنيين يقومون بالمطالعة والقراءة وبالنسبة لي إذا كنتم ترون أني أنفع أنا أضمن لكم أني من يوم فجر الثورة سأكون في المكتب أشتغل حيث كنت في الأشغال حينها.
والحقيقة أن الأشغال لعبت دوراٍ كبيراٍ جداٍ مع البلدية من خلال دعم المواقع العسكرية وتزويدها بالسيارات وقد عملنا كل شيء كان موظفو الأشغال يشاركون في كل العمليات العسكرية حتى أننا أصدرنا نشرة كنا نوزعها على السفارات والهيئات الديبلوماسية حول النشاطات الحكومية فالجميع كانوا مشغولين بمعارك الثورة .
أشياء كثيرة في الحقيقة يصعب على الإنسان التحدث عنها في وقت قصير…
ذكرياتي الشخصية كثيرة منها في بداية الثورة مع صالح الأرحبي أخ وزميل وهو في الحقيقة قام بدور كبير منذ 48 لا ينكره أحد لكنه لم يلتفت إليه في ما بعد ورغم أنني لم أكن مشاركاٍ مع الثوار فقد كانت هناك ثقة متبادلة بيننا فمثلا كانوا يتحدثون أن البدر سيصل المطار وسيفعلون كذا وكذا.. وحينها لقيت الأخ صالح الأرحبي ليلة الثورة وأنا كنت مع الأخ عبدالله الجبري –لا زال حيا- ونحن منصرفون من العمل فقال لي «الليلة سنقوم بالثورة» قلت له : يا صالح قد تكلمتم كثيرا جدا هل هذا صحيح.. قال «الليلة» وقد تم الترتيب لذلك.. وفي المساء كالعادة كنا جالسين في «مقهى» أمام بيت القرماني بشارع الزبيري حالياٍ وكان الضباط الأحرار يرتادون ذلك المقهى وكنا نتحدث حول كثير من المواضيع.. بعدها رجعت البيت وفي الساعة العاشرة ليلاٍ وأنا أتأهب للنوم فإذا بالتلفون «يرن» فإذا المتصل عبد الله الجبري يقول لي (الظاهر ان الذي قال لك صالح عنه طلع صدق) سألته :ما بتبسر¿ قال الجدار الذي عند العرضي تم خرقه وظهرت منه دبابة والضوء يلمع وما هي إلا ربع ساعة حتى سمعت أول طلقة باتجاه قصر البشاير حيث يوجد الإمام البدر بعدها اتصلت بالوالد المرحوم أحمد حسن غالب وقال لي أنا يا ابني في القاع ولا أعلم ما يفعلوا بعدها اتصلت بالأخ هاشم طالب كان في بيت العجمي وقال لي هناك دبابة متجهة إلى الإذاعة بقيت في قلق أريد معرفة ما يجري فاتصلت بكثير من الأخوان الذين كان لديهم خبر بترتيبات الثورة والجميع يقول «الأمر في أيدي أرحم الراحمين» حتى أذان الفجر خرجت للصلاة وتوجهت للشارع لأرى ما يحصل ورأيت عسكريين وسيارات مدرعة وعادية سألتهم ماذا تم هل قتلتم البدر¿ قالوا قد خلصنا عليه قلت لهم : متأكدين من الموضوع ¿ قالوا نعم متأكدين وكان الناس يتجمهرون ويطوفون الشوارع فرحين مستبشرين بالثورة وكان حينها موسم «العنب» وكانوا يوزعون للعسكر العنب بعدها طلعت وزارة الأشغال واتصلت بالموظفين وطلبت منهم الحضور لاستلام مرتباتهم وأنا في الطريق لقيت الأخ علي الشامي –لا زال حيا- وهو في الدبابة وقلت له ماذا تعمل هنا عاد باب القصر «قصر السلاح» مغلق¿ قال لي منتضر لفتح البوابة دخلنا أنا وأحد زملائي واتصلنا بالزملاء وسلمناهم المرتبات لكن فوجئنا بالشامي عندما خرجنا لتناول الغداء يقول لنا هناك حظر تجول اتصلت بأحد الاخوان وقلت له هل نستطيع أن نلتقي قال أيش نلتقي قد بينهبوا بيت البدر وهذا النهب أثر في نفوس الناس كثيرا جدا وفي هذه الحادثة نهبوا وثائق كانت يمكن أن تستفيد منها الدولة كانت موجوده حينها مثل محاضر اجتماعات وقرارات وأشياء أخرى.
دور السلال
< كيف استقرت الأوضاع بعدها ¿
– أقولها وبصدق لو أن الرئيس السلال لم يتحمل مسؤولية البلد في تلك الفترة لكانت البلاد دخلت في صعوبات كبيرة أسوأ مما حصل ثم الاخوان المصريين دورهم كان دوراٍ مشرفاٍ ودور الجندي في تأمين النقاط التي بين المناطق ينبغي أن يحترم وتحترم تلك الذكريات لأنهم في الحقيقة بذلوا دورا إلى جانب أن اليمنيين استفادوا من خلال التدريب وأشياء كثيرة لأنه كان هناك نقاش لبعض الاخوان قال لو يخرج المصريون مدري أيش يحصل قلت بعد أربع سنوات ما يحصل شيء لأن العملية تكاملية وأن هناك يمنيين يقاتلون قد تدربوا وخاضوا الحرب.
كان هناك مشروع قدمته الهند على أساس أن القرى المجاورة للمدينة يجب أن يربطوا سكان القرى المجاورة بالمدينة لشراء حاجاتهم وغيرها وقد وزعناها في المناطق التي فيها آبار مثل سنحان وغيرها وهناك قام الخبراء بإجراء دراسة جدوى لوفر الغاز في المنطقة لأنه كان هناك بعض الآبار فيها غاز وحينها جاء إلينا الشيخ وقال لي غدا لنطلع للعمل قلت لماذا¿ قال لأن قاسم منصر أرسل بإنذار أنه سيأتي ويعتقلنا مع الخبراء الروس وفي اليوم التالي خرجت مبكراٍ أنا وعبد الله الشرفي كالعادة بعد الفجر وصلنا إلى الخبراء وأخبرناهم بموضوع التهديد وكان برفقتهم شخص يدعى محمد بن عبدالقادر من الشباب المتحمسين وقال لنا من رأسي إذا وقع بهم شيء أنا المسئول وصل قاسم منصر ونزل إليهم ودعاهم وقال لهم ماذا تفعلوا هنا قالوا نحفر قال : كيف تحفروا قبل ما تستأذنوا قالوا لماذا نستأذن نحن موقعين اتفاقية مع اليمن قال :أقول لكم ارحلوا من هنا عندها قاموا بجمع معداتهم وعدنا بسهولة ولم يحدث شيء وكان هناك بعض المناطق نقول له جمهر أو اعمل ما تريد اتركنا نعمل لك المشروع وهذه اعطت ثمارها وهذا كان رأي «أبا بنس» السفير الهندي في مصر سفير غير مقيم في اليمن الذي نصحنا بقوله : اربطوا القرى بكم.
وقد تولت وزارة الأشغال العامة في تلك الفترة تقريبا كل ما يخص القوات المسلحة مثلا كانت تأتي طائرات شحن من مصر وكان المطار في الجراف لم يكن كافيا لاستقبال الطائرات فأنجزنا مطار الجراف وكنا نشتغل فيه حتى نهاية النهار حيث نقوم بمسح المطار وتجهيزه حتى تأتي الطائرة لتهبط في الظلام لكي لا يحصل عليها ضرب وقد تم سفلتته في العام التالي للثورة.
كان الكل يسعى لإنجاح الثورة ولم يكن لمصطلحات التفرقة والعنصرية مكان سمعت مرة مثل هذا الحديث ورفعت يدي حينها وقلت لا يوجد مثل هذه الأشياء لدينا ومن كان ثوري فهو موجود بيننا ومن هو ملكي فقد ذهب مع الملكيين.. وبلدنا في أمس الحاجة إلى التكاتف.
مقاومة الملكيين
< ماذا عن مقاومة الملكيين في الأيام الأولى للثورة ..ولماذا في اعتقادك سقط نظامهم بتلك السرعة القياسية ¿
– عندما وصل البدر إلى عمران قال له أنصاره من القبائل ارجع ندخل معك صنعاء.. قال لم تعد صنعاء كالعادة اليوم هناك دبابات والطائرات لم تعد مثل 48 تدخلوها بسهولة.. وسمعت حينها أن أمريكا قد دعت فيصل بن عبد العزيز آل سعود – لم يكن ملكاٍ حينها – للاعتراف بالثورة اليمنية واحتوائها من الداخل.. هو طار من لندن ووصل إلى السعودية وفوجئ أن أخاه الملك سعود قد استقبل البدر وكان رأي كثيرين أن السعودية إذا لم تبدأ بالإصلاح والتطوير فإنها ستواجه متاعب بسبب الثورة اليمنية.
وبالنسبة للإخوة من جنوب الوطن فقد وقفوا معنا في تلك الفترة مواقف مشرفة ودافعوا عن الجمهورية وقاتلوا..والحقيقة كل الناس تدافعوا لدعم الثورة رغم اختلاف اتجاهاتهم وأقولها بصدق نحن لم نقرأ التاريخ قراءة جيدة كما أننا لا نملك لغة الحوار والتأني فلا بد أن نسمع ونفهم ونربط ونحكم على الأشياء بمعرفة.
كلمة أخيرة ودعوة للمؤرخين
< ماذا عن تعاون المركز مع المؤرخين وكبار الضباط المشاركين في الثورة¿
– الحقيقة بعضهم إخوان وبعضهم أصدقاء وجميعهم كانوا متعاونين ولا أستطيع أن أقول أن أحداٍ بخل علينا في هذا المجال ومن كان لديه شيء قد قاله في كتبه التي اطلع الناس عليها وطالما أنه قد كتب لم يعد من الصعب أن تقول له يعطيك الوثائق لكن أنا أعتقد أن هناك وثائق وأوراق كثيرة ما زالت موجودة وأعتقد أنه من اللازم لو تم تشكيل لجنة تحت إشراف المركز لجمع جميع الوثائق من الكتاب والمؤرخين وكبار الضباط المشاركين في الثورة في مكان واحد تحت إشراف المركز لتكون مرجعا لكل المؤخرين القادمين.. فمثلاٍ مركز الوثائق بالجزائر يحتوي على وثائق الثورة الجزائرية بالكامل حتى كشوفات المعونات التي كانت تسلم للثوار.. أما عندنا فقد كانت القضية بالتفكير في كيفية تثبيت الجمهورية.
والشيء الذي أحب التأكيد عليه هنا أن الثورة خدمت الشباب آنذاك من مختلف الشرائح خدمة كبيرة جدا بما فيهم أسرة حميد الدين فمنهم الآن الدكاترة والمؤرخين والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال وبفضل الثورة حصلوا على مناصب وأموال.. والبعض بدأ يكتب ويعمل له مواقع مفتوحة وهذه فرصة للتفاهم معه في حوار خاص لتسجيل أحداث الثورة.