ثورة سبتمبر كانت نافذة حضارية تلبي طموحات الجماهيراليمنية بالشكل الأمثل


اعداد/عبدالرحمن مراد –
حين عزمت على تحرير هذا الملف كنت أتصور أن العمل وفق المنهج القديم الذي درج عليه الإعلام الرسمي في المناسبات الوطنية هو الطريق الأمثل للوصول إلى مادة صحفية تتناسب والمناسبة الوطنية لكنني تفاجئت كثيراٍ من روح الانتقال التي حملها صوت رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير الأستاذ/عبدالرحمن بجاش وهو يقول لي أريد أن تقرأ المكان والإنسان في حجة بعيداٍ عن المسئولين والحالات الرسمية فهمت حينها أنه يريد نفاذاٍ إلى جوهر الحقيقة ويريد قراءة واعية لظلال الثورة وأثرها وما أحدثته من متغير..
وها نحن في المحك وقد اجتهدنا ما وسعنا الجهد وحاولنا الاتصال بأولئك الذين تفاعلوا مع الثورة وتجاوزهم تاريخها فلم يكن حظنا منهم إلا الاعتذار بل إن المناضل العميد/عبدالفتاح الشوافي أرسل إلي برسالة قال فيها إن النضال واجب وطني..
ويكفي أن توجد لنا دعوة حضور إلى احتفالية المناسبة كجانب معنوي.. وقال: وظني أن هذه التقاليد الحضارية غائبة..?
لذلك ملت إلى خيار الرؤية التقييمية لمسار خمسين عاماٍ من عمر الثورة السبتمبرية في بعدين مهمين هما الإنسان والمكان واضعاٍ نصب عيني الجدلية التاريخية وتجددها وتشظي البعد الحضاري وتعثره.
لم تكن أحداث 2011م إلا تعبيراٍ عن حالة الانسداد التي وصلت إليها المسيرة النورية ويتطلب تجددها وتجدد جذوتها قراءة واعية وناقدة لأثر خمسين عاماٍ من عمر الثورة لأن التضليل لا يصنع وطناٍ.. الحقيقة وحدها من تجعلنا نقف أمام لحظتنا الحضارية بقدر من الإصرار الثوري لنصنع يمناٍ يتوازى ومكانته التاريخية إن لم يتجاوزها..

< من الثابت تاريخياٍ أن هجر ومعاقل العلم انتشرت في حجة وأمها الطلاب من كل حدب وصوب وشكلت مدينة ?شهارة? التابعة حينها.
-أي قبل الثورة وظلت إلى ما قبل استحداث محافظة عمران- حجة منارة علمية ساطعة تخرج منها معظم قادة الفكر الزيدي بالاضافة إلى ?الظفير? التي اتخذها الإمام العالم المفكر أحمد بن يحيى المرتضي مقراٍ له وأصبحت منارة علمية وفكرية بالغة الأهمية وتوقفت عن القيام برسالتها سنه 1340هـ حين وقعت جفوة بين السلطة حينها وبعض أعلام الدين وتحولت تلك الهجرة إلى مدينة حجة وكانت هناك هجرات علمية متفرقة في المحابشة والشاهل وبعض النواحي لكنها لم تبلغ مكانة تلك الهجر التي كانت محط أنظار الكثير من أعلام ذلك العصر.

ما يزال الماضي يلقي بظلاله على الواقع ونتمنى تصحيح المسار بما يحقق عدالة التوزيع وحقوق المواطنة المتساوية
لعل السؤال الوطني يلح في التمهيد لنفسه ويلح على لحظة المراجعة والتقييم ويلح على التأسيس لعملية الانتقال وبما يكفل تحقيق ?اليمن الجديد? اليمن المغاير.. وأمام هذه الأسئلة الوطنية الملحة التي يطرحها المواطن والسياسي والمثقف أمام اليوبيل الذهبي للثوره اليمنية ?? ستبمبر ??م آملاٍ في تجاوز عثراتنا وصناعة الغد الذي يلبي الطموحات بإشعال جذوة الثورة التي تبني ولاتهدم تصنع لحظتها ولا تجتر ماضيها تتغاير ولكنها تمتد وتضيف وتحاول رسم هويتها في مسارها التاريخي الدال عليها لا الدال على غيرها.
إذن ماذا حققت الثورة السبتمبرية ونحن نحتفل بيوبيلها الذهبي وما هو وجهها الحضاري وكيف ينظر إليها سياسيو حجة.. ذلك ما يمكننا استبصاره من خلال إجابات هذه النخبة التي تضمنها هذا الاستطلاع..
في البداية تحدث الينا حسن محمد أبو علي – عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي وأحد القيادات السياسية والاجتماعية في حجة قائلاٍ أن ما تحقق في محافظة حجة على مدى خمسين عاماٍ من عمر الثورة اليمنية لا يكاد يذكر مقارنة بغيرها من محافظات الجمهورية وقال أن حجة لم تصل إلى مستويات الحدود الدنيا لمتطلبات وتطلعات وآمال أبنائها التي تعول على الثورة الكثير فالمحافظة تمتلك الموارد المتعددة وبرغم ذلك فإن الكثير من القرى والعزل النائية والبعيدة عن مراكز المديريات ما تزال حتى الآن تفتقد للعديد من الخدمات أبرزها التعليمية والصحية وغيرها من الاحتياجات الهامة للمواطنين كتوفير مياه الشرب النقية والكهرباء والهاتف.
ويضيف أبو علي قائلاٍ: للأسف أهداف الثورة لم تتحقق في حجة بالشكل المطلوب لأسباب عديدة منها ما يرتبط بطريقة وطبيعة تعامل النظام المركزي السابق مع المحافظة القائمة على تقوية مراكز نفوذ قبلية وسياسية للحفاظ على بقائه وإضعاف غيرها وهناك أسباب أخرى تتعلق بغياب الاستراتيجيات المناسبة لتفعيل عمليات النهوض والتطور بأوضاع المحافظة في كافة الجوانب التنموية والاجتماعية والسياسية والثقافية من قبل السلطات المحلية المتعاقبة التي أنتجت واقعاٍ تتخلله جوانب قصور متعددة في شتى مجالات الحياة منها تعزيز مكانة ودور القبيلة والعرف في أوساط المجتمع على حساب العمل المؤسسي والأنظمة واللوائح القانونية الأمر الذي الذي أسهم في تقوية السلطة القبلية في عقول وأذهان الأفراد والمجتمع وأفقدهم ثقتهم بدور الدولة ومؤسساتها كما أن تردي الأوضاع التعليمية وارتفاع نسبة الأمية ساعد بشكل أو باخر في خلق واقع متخلف وأرض خصبة لنمو وتفشي الفساد وسيادة الفوضى والاختلالات من جهة مع تغييب متعمد لسلطات الدولة ودورها في إرساء دعائم النظام والقانون وتحقيق مبدأ الثواب والعقاب وكافة حقوق المواطنة.
ويقول أبو علي أن الإنسان اليمني بشكل عام لم ينل حقه الكامل من الإنصاف فهناك الكثير من الثوار والأحرار طمست أدوارهم وتضحياتهم ومن بينهم ثوار حجة وذلك لأسباب تعود في اعتقاده لعدم وجود اهتمام رسمي بتدوين التاريخ أو مراكز بحثية متخصصة ويرى أبو علي أن اللائمة تعود على مراكز القوى التي أفرزتها الأنظمة وكذا أصحاب النفوذ ممن أعطاهم الزمن خلال سني الثورة فرصة السيادة في اتخاذ القرار والتحكم في إدارة وتسيير مقومات الحياة ومقدرات الوطن ومن أجل ذلك طالبت جماهير الشعب بالتغيير وخرجوا إلى الساحات والميادين العامة ينشدون وطناٍ جديداٍ ودولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون وتلبي طموحات الناس وآمالهم في الحياة الكريمة والمواطنة .. وما حدث كان فرصة للثورة السبتمبرية كي تستعيد وهجها وتألقها.
من جانبه تحدث الدكتور إبراهيم الشامي – رئيس الدائرة السياسية بالتجمع اليمني للإصلاح بحجة – وكيل حجة حيث قال: بعد خمسين عاماٍ من عمر ثورة سبتمبر ??م الخالدة من وجهة نظري لم يتحقق لمحافظة حجة وأبنائها ما يحلمون به من آمال .. وما تحقق لمحافظة حجة لايتوازى مع ما قدمته المحافظة وأبناؤها من تضحيات ومع ذلك فقد تحققت بعض الإنجازات وآمالنا معقودة على أن يتحقق لهذه المحافظة وأبنائها طموحاتهم بما يتناسب مع حجم التضحيات وذلك في المستقبل بعد أن دارت عجلة التغيير وعلى المدى القريب نأمل أن تأخذ المحافظة حقها من الاهتمام في ظل قيادة رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي وحكومة الوفاق وعلى المدى البعيد نرجو أن يتغير واقع المحافظة إلى الأفضل وأن يتحقق لأبنائها ما يحلمون به من آمال وطموحات.
وفي معرض رده على أوجه القصور قال الوكيل الشامي:
أوجه القصور لاشك تكمن في عدم تحقيق الحكم الشوروي العادل المرتكز على التداول السلمي للسلطة وكذا تأخر قيام الجيش الوطني القوي وثمة ضعف في المجالات التنموية والاقتصادية وهي بحاجة لأن تكون ضمن أولويات الحكومة في المرحلة الراهنة.
وقال في معرض رده على سؤال الحركة الوطنية وتاريخها ومدى انصاف التاريخ لبعض الأدوار الوطنية:
أعتقد أن تاريخ الحركة الوطنية لم يكن منصفاٍ للإنسان والمكان في حجة حيث تم التركيز إلى حد كبير على تضخيم بعض السلبيات ولم توثق التضحيات الكبيرة والإيجابية المحافظة أرضاٍ وإنساناٍ.
ويقول الشامي:
لاشك أن هناك بعض الممارسات الخاطئة التي لازالت قائمة وتعد امتداداٍ لعصر ما قبل الثورة لكنها محدودة فالحرية والعدالة والمساواة والمواطنة المتساوية أصبحت ثقافة الجميع اليوم.
أما الشاعر عادل شلي – رئيس منتدى الغد للثقافة بحجة فقد تحدث قائلاٍ: لقد كشفت ثورة 26 سبتمبر ضرورة وحتمية التغيير في حياة اليمنيين ومن خلال الفجوة التي أحدثتها الثورة نفذت رياح التغيير في اليمن وحصلت كل مناطق اليمن على نسبة ما من التغيير وارتبط ذلك بمدى مشاركتها في الثورة ومن تأخر عن اللحاق بقطار التغيير نال حصة أقل من السابقين لذا كان نصيب محافظة حجة هو الأقل على مستوى الجمهورية إذ ليس لها إلى اليوم أي نسبة تذكر في المناصب العليا للدولة ولا في التمثيل الدبلوماسي ولا في القيادات الأمنية والعسكرية ولايوجد بها أي منشأة صناعية كغيرها من المحافظات بل هناك من يرى أن النظام يتجاهلها ويهملها لتصبح الحاضنة التي يغذي منها النظام صراعاته ونزاعاته وحروبه ولذا فإن اتساع دائرة الأمية والتجهيل كان فعلاٍ مقصوداٍ ومخططاٍ وتدمير أسواق المحافظة وضرب العمق الاقتصادي لها أيضاٍ كان مقصوداٍ صحيح تحققت لحجة بعض المشاريع الإنمائية بفضل ثورة ?? سبتمبر ولكننا ننشد المزيد هناك ضعف وتدنُ في مستوى الخدمات وهذا ما قاد الثورة السلمية الشبابية إلى مربعات الاشتعال وإذا لم تعمل حكومة الوفاق على إصلاح الأوضاع المختلة بمحافظة حجة وتحول دون انزلاق المحافظة إلى بوتقة الصراع فإن المخاطر والعواقب ستكون وخيمه وإذا لم تعمل على تحريك عجلة التنمية بالمحافظة فإن محرقة الصراع لاتبقي ولاتذر وأتمنى على الاطراف المتصارعة والقوى التي تغذيها احترام خصوصية محافظة حجة.
وتحدث سكرتير أول منظمة الحزب الاشتراكي بحجة الاستاذ/ علي محمد الظياني قائلاٍ:
إن حجة وأبناءها كان لهم دور بارز في احتضان ثورة ?? سبتمبر والثوار قدموا تضحيات كبيرة في سبيلها مشيراٍ إلى دورهم في خذلان الإمام البدر أثناء فترة فراره إليها ومحاولته الاحتماء بجبالها مع عدد من مناصريه في المحافظة أملاٍ في العودة إلى صنعاء كما فعل أبوه لكن ثوار ومناضلي حجة تمكنوا من إفشال مخطط البدر وقاموا بمنعه من دخول حجة كما قام الثوار في مدينة حجة برفد خزينة الدولة من خلال تسليمها خزائن الإمام بالمحافظة وقد شكلت تلك الأموال عاملاٍ مهماٍ لصمود الثورة.
وقال الظياني: وعلى الرغم من حجم التضحيات لدعم وانجاح الثورة إلا أنه للأسف الشديد لم يلمس الإنسان في حجة الكثير من خيرات الثورة فالأمية ما تزال مرتفعة نسبتها بشكل مخيف وعمالة الأطفال تزداد يوماٍ بعد يوم والحروب القبلية ما تزال مستمرة والثارات تشتعل في أكثر من منطقة.
ويرى الظياني أن النظام السابق حال دون تحقيق أهداف الثورة وذلك باتباعه لأساليب حولت شكل الحكم من جمهوري إلى عائلي سخر كل إمكانية البلاد لخدمة مصالح عائلة وأسرة وقبيلة واحدة كما سخرها أيضاٍ لشراء الولاءات وبث الفرقة والتناحر بين القبائل ونشر الفساد والمحسوبية بين فئات المجتمع.
أما المحامي أحمد الصيف المحامي بالنقض في محكمة حجة فكاد يتوافق مع كثير من الأفكار التقييمية التي وردت في السياق ويرى أن الثورة لم تعمل على تحديث بنية المجتمع وما استطاعت تطوير مكونها الثقافي فمازالت الفوارق الطبقية قائمة وما تزال الوظيفة والمناصب العليا من حق أبناء المشائخ إلى درجة التوارث لها والحديث عن المواطنة المتساوية والفرص المتكافئة لم يكن إلا عبثا تتشدق به وسائل الإعلام ولكنه في الحقيقة غير ملموس في الواقع المعيش .. ويرى الصيف أن تصحيح مسار الثورة أصبح ضرورة من أجل التحديث والتطوير والوصول إلى دولة المواطنة المتساوية والفرص المتكافئة وسيادة القانون لا الأفراد والمشائخ ومراكز القوى..
هكذا تحدث إنسان ومواطن محافظة حجة وهو يشارك أبناء وطنه الاحتفال باليوبيل الذهبي للثورة اليمنية ??سبتمبر ??م فقضيته لم تعد تجنح إلى التضليل بقدر ما هي قادرة على مكاشفة واقعها من أجل أن تصنع لحظة تحول وانتقال بعد أن دارت عجلة التحول والتغيير إلى الأمام.

قد يعجبك ايضا