حجية صور المحررات وتطوير قانون الإثبات

 

القاضي بما له من مهارة وبحسب إحاطته بوقائع القضية يستطيع الوقوف على حقيقة صورة المحرر العرفي ومدى سلامته
قانون الإثبات اليمني قديم وحتى لا تهدر الحقوق يجب على قانون الإثبات ان يتضمن وسائل الإثبات الالكترونية
لا ينبغي أن تترك حجية الوسائل الحديثة للاجتهادات الشخصية

أ.د. عبد المؤمن شجاع الدين

حجية صورة المحرر العرفي في قانون الإثبات اليمني : نظم قانون الإثبات أحكام المحررات العرفية في المواد من (103) إلى المادة (121) ولم يتعرض القانون فيها لحجية صورة المُحَرر العرفي ولذلك فإن هناك اتجاهاً قوياً في القضاء اليمني يتعامل مع صورة المحرر العرفي كقرينة تتساند مع غيرها من الأدلة في إثبات الحقوق التي عصمها الله تعالى ثم القانون فهذا الاتجاه لا يهدر صور المحررات العرفية ؛ فالقاضي بما له من خبرة ومهارة ودراية وبحسب إحاطته بظروف ووقائع القضية والقرائن المحيطة بها يستطيع الوقوف على حقيقة صورة المحرر العرفي ومدى سلامتها.
الوجه الثاني : حجية صور المحررات في الشريعة الإسلامية :
منهج الشريعة الإسلامية في هذه المسألة سهل وواضح, حيث تشددت الشريعة الإسلامية في وسائل وشروط الإثبات في قضايا الحدود والقصاص لعظم هذه الجرائم وجسامة عقوباتها ولذلك ضيقت الشريعة من نطاق الإثبات في هذا المجال من حيث وسائل الإثبات ذاتها ومن حيث الشروط الواجب توفرها في هذه الوسائل, وبناء على ذلك فلا مجال للإثبات في قضايا الحدود والقصاص بصور المحررات لأن الشبهات تعتريها ؛ والحدود والقصاص تدرأ بالشبهات ولا تثبت بها, أما في مسائل الأموال فإن الشريعة الإسلامية قد أخذت بمبدأ حرية الإثبات وشجعت عليه لإحقاق الحقوق وأبطال الباطل فحرية الإثبات بالنسبة للأموال مبدأ أصيل في الشريعة الإسلامية حتى تكفل الشريعة الإسلامية وتحمي الأموال التي نهى الله تبارك وتعالى عن أكلها بالباطل. وذلك في أكثر من ست آيات في القران الكريم أكد فيها الله تبارك وتعالى هذا التحريم حيث قال تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) . ولا شك أن العزوف والإعراض عن صور المحررات المثبتة للحقوق مع وجود قرائن على سلامتها تمكين للظلمة والمفسدين في الأرض من أكل أموال الناس بالباطل.
الوجه الثالث : حجية صور المحررات في قوانين الإثبات العربية :
صور المحررات الرسمية لها حجيتها في قوانين الإثبات العربية, فلأنها صور وليست أصولاً فإنها تسقط عنها فقط الصفة الرسمية فلا تكون محررات رسمية حيث تكون لهذه الصور الحجية ذاتها المقررة للمحررات العرفية ؛ وقد استقر قضاء محاكم النقض والتعقيب والتمييز العربية على اعتبار صور المحررات الرسمية بمثابة محررات عرفية من حيث حجيتها .
الوجه الرابع : أهمية الإثبات بصور المحررات :
تصدى الفقه العربي لا سيما في مصر والجزائر، لبيان ضرورة وأهمية الإثبات بصور المحررات إذا دلت قرائن الحال على صحتها ؛ لأن إهدار حجيتها كلية يعني إهدار الحقوق التي تثبتها تلك الصور لذلك ينبغي النظر والتعامل معها كدليل مساند للأدلة والقرائن الأخرى ؛ فلا تكون صور المحررات دليلا واحدا مثبتا للحق, وهذا هو الفرق بين حجية أصل المحرر الذي تكون حجيته واحدة كافة لثبوت الحق أما صورته فلا تكون لها وحدها الحجية الكاملة وإنما ينبغي أن تساندها أدلة أخرى على النحو الوارد في الحكم محل تعليقنا؛ كما ينبغي الاستفادة من أعمال الخبرة التقنية العصرية المتقدمة في معرفة صحة صورة المحرر لأن هناك خبرة وخبراء في مجال تصوير المستندات تستطيع بيان ما إذا كانت صورة المحرر سليمة أم لا .
الوجه الخامس : توصية لتطوير قانون الإثبات اليمني :
قانون الإثبات اليمني قديم جدا أصله يرجع إلى عام (1976م) بل انه عبارة عن نقول من كتب الفقه الإسلامي, وهذه مسألة معلومة ومفهومة عند القضاة والباحثين, ولذلك نجد نظرته الشديدة المتشددة للإثبات بصور المحررات, وحتى لا تهدر الحقوق ويتجرأ الظلمة والمفسدون في الأرض فيستغلون هذه الثغرة؛ فأقول براءة للذمة : انه يجب على قانون الإثبات أن يتضمن وسائل الإثبات الالكترونية وان يبين حجيتها باعتباره القانون الخاص بالإثبات وليس غيره, وبالصريح يجب عدم الركون على ما ورد في قانون الدفع الالكتروني وأنا كنت واحدا ممن راجعوا مشروع ذلك القانون ؛ أقول : إن ذلك القانون له هدفه وغاياته ونطاقه فهو أصلا قانون للبنوك والمصارف والشركات والمؤسسات وليس فيه إلا مادة واحدة تناولت حجية المراسلات الالكترونية المتعلقة بنظم الدفع الالكتروني.
أقول الكلام هذا لأنه كلما ارتفعت الأصوات منادية بتطوير قانون الإثبات قال المعيقون لتطوير قانون الإثبات” لقد نظم ذلك قانون الدفع الالكتروني” فقانون الإثبات يحمي أموال وحقوق أكثر من ثلاثين مليون يمني في حين ان قانون الدفع الالكتروني لا يحمي إلا حقوق بضع شركات ومؤسسات مالية عملاقة اجنبية وغير أجنبية, فلا ينبغي بعد الآن أن يسكت قانون الإثبات عن حجية المكالمات الهاتفية المسجلة والرسائل النصية ورسائل الواتس والتصوير الفيلمي والفوتوغرافي واليوتيوب والتيليغرام وغيرها, فلا ينبغي أن تترك حجية هذه الوسائل الحديثة للاجتهادات الشخصية ؛ والله أعلم؛
الأستاذ بكلية الشريعة والقانون-جامعة صنعاء

قد يعجبك ايضا