سيد مصطفى سالم أحب اليمن وأقام فيها ومنح الجنسية اليمنية وصار أستاذ اليمنيين جميعا
رحيل البروفيسور المصري اليمني سيد مصطفى سالم أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء
الثورة/
تـوفي يوم أمس أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر البروفيسور اليمني المصري سيد مصطفى سالم في القاهرة، بعد حياة علمية حافلة بالعطاء العلمي والمعرفي الغزير ، إذ عمل في جامعة صنعاء أستاذا في التاريخ لأكثر من 40 عامًا
سيد مصطفى سالم الذي أحب اليمن وأحب تاريخها وعاش تفاصيله الدقيقة على أرض الواقع، اعتبرها بلده الثاني بعد بلده الأصل مصر الكنانة، وله عدد من المؤلفات المشهورة في تاريخ اليمن الحديث، وأبرزها (تكوين اليمن الحديث – اليمن والإمام يحيى)، و(العلاقات اليمنية السعودية)، وغيرهما.
لقد أجبره العــدوان السعودي الأمريكي على مغادرة اليمن عند بداية العــدوان إلى أن وافته منـيته اليوم، وعلى الرغم من كتاباته المتحررة والتي كان يحاول أن يتجرد فيها لما يتوصل إليه في بحثه، ولا سيما في العلاقات اليمنية السعودية، إلا أن السعودية رأت فيه مؤرخا عصيا على الانضباط على إيقاعاتها المغرية؛ لهذا فقد ظلت تمنعه من أبسط حقوقه الدينية، كالحج والعمرة، فضلا عن حضور المؤتمرات والندوات، وقد قال ملحقهم الثقافي في اليمن عنه: (سيد ملكي أكثر من الملكيين، ويمني أكثر من اليمنيين)..
ويعتبر مصطفى من أهم أساتذة التاريخ الذين تفتحت على يديهم العديد من المدارك لدى طلاب ودارسي التاريخ من خلال التفريق بين الحقائق والمغالطات عن طريق البحث العلمي الدقيق ، يعد أحد علماء التاريخ الذين عملوا بجهد كبير مشاركا في مناسبات وندوات أكاديمية وثقافية، كما تم تكريمه أكثر من مرة على جهوده.
وقد عمل في ظروف استثنائية بعد أن أصبح جزء من الواقع اليمني؛ فتح بيته للزوار من الطلاب وغيرهم بكل حب وود هو وزوجته التي وقفت معه كثيرا بحسب شهادات طلابه ، عمل مع كثير من المتخصصين وبنى علاقات واسعة مع العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية ، منهم. د. حسين العمري د. يوسف محمد د. عبدالله أحمد الصايدي د. محمود عامر علي أبو الرجال أحمد زبارة حسين الحبيشي أحمد قرحش محمد المنصور وآخرين.
وقد منح سالم الجنسية اليمنية تقديرا لدوره المخلص في خدمة اليمن، الذي احبه وعشقه، وأصل علميا لإرث البلد العريق كحلقة هامة من التاريخ الانساني ، عمل الدكتور سيد مصطفى سالم، استاذا للتاريخ في كليتي الآداب والتربية بجامعة صنعاء منذ أكثر من 40 عاما، قبل ان ينتقل مؤخرا الى مصر طلبا للعلاج.
الحياة العلمية
أوردت د. أمة الغفور عبد الرحمن حول القدوم الأول للدكتور سيد مصطفى سالم وتحت عنوان “قدومه المشرف لليمن”. يصف الشاعر (محمد الشرفي) قدوم الأستاذ سيد مصطفى سالم إلى اليمن بقوله:
“في عام 1971م عندما كنت عضوًا في السفارة اليمنية بالقاهرة كلفني السفير المرحوم (يحيى المتوكل) باصطحاب وزير التربية والتعليم المرحوم الأستاذ (أحمد جابر عفيف) إلى جامعة عين شمس للبحث عن دكاترة مدرسين في جامعة صنعاء أبان افتتاحها، وكان على رأس القائمة د. سيد مصطفى نظرًا لتخصصه في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر، وبعد أخذ ورد مع رئاسة جامعة عين شمس تمت الموافقة على إعارته لجامعة صنعاء في 1971-10-10م.(وسعدتْ به اليمن وتاريخها، وسعدَ باليمن أرضاً وشعباً.
تضيف د. أمة الغفور عبد الرحمن بأن بداية نشاطه العلمي في جامعة صنعاء قام بعملية التدريس بقسم التاريخ وتحمل أعباء تدريسية فدرّس التاريخ القديم والإسلامي والحديث ، كما ساهم في إنشاء قسم التاريخ، وكان له دور كبير في فتح باب التسجيل في الدراسات العليا بالقسم، حتى تجاوز عدد الرسائل العلمية التي أشرف عليها أكثر من خمسين رسالة.
بالإضافة إلى ذلك لم يكن عطاء الدكتور سيد مقصوراً على الجانب العلمي التدريسي بل شارك مع القيادات الإدارية في الجامعة في الأعمال الإدارية، وتولى منصب رئاسة قسم التاريخ ثم وكيلا لكلية الآداب، ثم عضواً في المجلس الأكاديمي من خلالها أسهم في إعداد اللوائح الجامعية.
ويشير الأستاذ محمد زكريا إلى أن الدكتور سيد مصطفي سالم شاهد جامعة صنعاء وهي لم تبلغ من العمر عام واحد تنمو وتترعرع وتكبر أمام عينيه حتى بلغت من العمر أربعون عاماً، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن الدكتور سيد يعد من أساطين وأعمدة جامعة صنعاء، بل وعلم من إعلامها الكبار.
وبالرغم من الإغراءات المادية من جامعات خليجية ومن النظام السعودي التي عرضت عليه لاستقطابه إليها، لكن حبه لليمن آثر البقاء فيها مكتفيا بحب اليمنيين له وفضل الرصيد المعنوي على المادي.
نشاطاته خارج إطار الجامعة
تعدت تطلعاته العلمية خارج أسوار الجامعة فمن خلال اختلاطه برجالات الدولة في المناسبات والمقايل، تدارس معهم ضرورة إنشاء مراكز بحثيه ووثائقية كان له الشرف في المساهمة في إنشاء “مركز الدراسات والبحوث اليمني” ،أيضاً مساهمته في مشروع توثيق المخطوطات القرآنية في الجامع الكبير بصنعاء مع القاضي علي أبو الرجال رئيس المركز الوطني للوثائق، ويدل ذلك على حب الدكتور وإخلاصه لليمن وتاريخها، ويعزز ذلك ما ذكره الأخ الأستاذ /محمد زكريا بقوله” الحقيقة بأن الأستاذ الدكتور سيد مصطفى منذ أن تخرج من كلية الآداب في جامعة القاهرة، وسحر وجمال آزال يداعب مخيلته في بياض النهار وسواد الليل، كان وما يزال ينبض قلبه بحبها العميق.
فلقد وقع في شباك هواها قبل أن يراها، وما أن هبط إلى أرض اليمن السعيدة رأى حلمه يتحقق، ويخرج إلى حيز النور، فانكب الدكتور سيد مصطفى سالم يكتب عن تاريخ اليمن الحديث والمعاصر الذي كان ضربا من ضروب المجهول فألف الكثير عنه، علاوة على تحقيقاته لمخطوطات اليمن وأعاد لها الحياة بعد أن كانت في يوم من الأيام نسيا منسيا.
الغربي عمران شهادة مختلفة.
تحدث عنه في وقت سابق أحد طلابه وهو الكتاب (محمد الغربي عمران) يقول:أنا ممن تتلمذ على يدي هذا الإنسان واسع الثقافة والمعرفة شامل التخصص في التاريخ المعاصر والحديث.
يضيف. لا أعني بالتتلمذ ما سمعته وما قرأته عنه، بل ما أكتسبته من طباع وأسلوب تعامل، وطريقة تفكير وأبجدية نظرته للوجود، إن الإنسان سيد مصطفى سالم ذو روح خلاقة، ومزاج إنساني سام، ولذلك يحضر معي، بوجودي وسط أسرتي أصدقائي زملائي، يحضر كقيمة أستشف مما تعلمته منه في فن الحياة وطلب العلم والخلق الإبداعي، وهو القائل ” لا تدع المادة تسيطر عليك.. سيطر عليها” والقائل ” حين تكتب لا تنقل واسأل نفسك أين بصمتك وما تضيفه إلى ما كتبت؟”.
جملا كثيرة أحفظها وتحضرني أثناء كتاباتي للقصة أو عند إعداد وصياغة بحث، أو كتابة رواية. أتمثله حين أسرد تجربتي الأدبية أو قراءة ملخص لمقال أو ورقة نقدية، بذلك الصوت الهادئ والحنون، وبالنظر إلى عيون من في القاعة.
يواصل الغربي حديثه فيقول. يتم هكذا كان يأسرنا في محاضراته بكلية الآداب جامعة صنعاء قسم التاريخ، وفي مرحلة تمهيدي ماجستير تاريخ معاصر.
ولذلك نستحضر ذلك الهرم العظيم من الأخلاق والسمو، نستحضره مقلدين أسلوبه الراقي في التعامل مع الأصغر سنا ومع الأقران، أنا لا أتحدث عن غزارة علمه واتساع معارفه ولا عن أثر كتبه التي كانت مقرره علينا ولا زالت ضمن أهم الكتب في مكتبتي حتى اليوم. أنا أتحدث عن سمات جمال أخلاق اكتسبناها عنه، ولا أتحدث عن يمنيته وهو الذي لا يؤمن إلا بالإنسانية وطنا وهكذا العظماء، متمثلا بقول الرسول الكريم”كلكم لآدم وأدم من تراب”.
الدكتور حمود الأهنومي قال في رثاء الفقيد :
تـوفي اليوم أستاذنا وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر البروفيسور سيد مصطفى سالم في القاهرة، الذي أحب اليمن وأحب تاريخها وعاش تفاصيله الدقيقة على أرض الواقع، وقد اعتبر اليمن بلده الثاني بعد بلده الأصل مصر الكنانة، وله عدد من المؤلفات المشهورة في تاريخ اليمن الحديث، وأبرزها (تكوين اليمن الحديث – اليمن والإمام يحيى)، و(العلاقات اليمنية السعودية)، وغيرهما..
لقد أجبره العــدوان السعودي الأمريكي على مغادرة اليمن عند بداية العــدوان إلى أن وافته منـيته اليوم، وعلى الرغم من كتاباته المتحررة والتي كان يحاول أن يتجرد فيها لما يتوصل إليه في بحثه، ولا سيما في العلاقات اليمنية السعودية، إلا أن السعودية رأت فيه مؤرخا عصيا على الانضباط على إيقاعاتها المغرية؛ لهذا فقد ظلت تمنعه من أبسط حقوقه الدينية، كالحج والعمرة، فضلا عن حضور المؤتمرات والندوات، وقد قال ملحقهم الثقافي في اليمن عنه: (سيد ملكي أكثر من الملكيين، ويمني أكثر من اليمنيين)..
باعتباري أحد طلابه في كلية الآداب في التسعينات أرفع خالص العزاء لأسرته وجميع طلابه والوسط التاريخي الذي أفاد منه، وأسأل الله له المغفرة والرحمة، وإنا لله وإنا إليه راجعون..
مؤلفاته
كتاب تكوين اليمن الحديث، الفتح العثماني الأول لليمن 1538-1635م، المؤرخون اليمنيون في العهد العثماني الأول، كتاب مجلة الحكمة اليمنية، كتاب نصوص يمنية عن الحملة الفرنسية على مصر، كتاب العمليات البحرية البريطانية ضد اليمن أبان الحكم التركي (1914-1918م)، كتاب وثائق يمنية (دراسة وثائقية تاريخية) نشر وتعليق، كتاب البريد الأدبي اليمني حلقة مفقودة من حركة التنوير في اليمن، كتاب مراحل العلاقات اليمنية السعودية حتى 1934م، كتاب البحر الأحمر والجزر اليمنية – تاريخ وقضية.
هذا إلى جانب الكثير من الأبحاث القيمة التي نشرت في مجلات يمنية وعربية ودولية لا يتسع المجال لذكرها.
منح الجنسية اليمنية بقرار رئيس الجمهورية بتاريخ 1980م، و اختير من قبل الحكومة اليمنية عضوا في اللجنة الوطنية لحل نزاعات اليمن مع ارتيريا في جزيرة حنيش ، ويعتبر كتابه “البحر الأحمر والجزر اليمنية، تاريخ وقضية”، أحد أهم المرجعيات المهمة في التحكيم الدولي والنزاع الذي كان بين الجمهورية اليمنية وارتريا حول جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى.