الذكرى السنوية للشهيد : اليمنيون يقفون إجلالاً واحتراماً لسيد الشهداء زيد علي مصلح

الشعب والدولة يحيون ذكرى الشهداء باستذكار مآثرهم وبطولاتهم وعطائهم الخالد

الثورة / صنعاء
الشهداء هم الذين يسطّرون بدمائهم الطاهرة تاريخ بلدانهم وشعوبهم وأمتهم، ويبذلون أرواحهم في سبيل الدفاع عنها ، ضاربين أروع الأمثلة في التضحية والفداء والانتماء للأرض والوطن ، وللشعب وللدين وللأمة ، وتقديراً لعطاء الدم والأرواح وتكريما للشهداء ، تحيي اليمن الذكرى السنوية للشهيد في كل عام ، ويتم تخصيص الأيام من 13 جماد الأول حتى 25 من الشهر، تخليداً ووفاءً وعرفاناً بتضحيات وعطاء وبذل شهداء اليمن وأبنائه العظماء، الذين وهبوا أرواحهم ، ولا يقتصر شهداء اليمن فقط على الذين استشهدوا ضمن المقاتلين في جبهات القتال ضمن صفوف القوات المسلحة واللجان الشعبية والمتطوعين ، بل تشمل جميع الأشخاص الذين ضحو بأرواحهم في جميع المجالات سواءً العسكرية أو الأمنية أو الإعلامية وغيرها من مجالات الجهاد والاستشهاد.

أول شهيد وأول ذكرى للشهداء:
يوافق اليوم الاثنين الثالث عشر من جمادي الأول اليوم الأول في الذكرى السنوية الرابعة عشرة للشهيد.. ففي العام 1428هجرية الموافق 2008م ، وإثر تمكن المجاهدين من تحرير منطقة مران بالكامل من جحافل الجيش والبشمركة حدد سماحة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي ، 13 جماد الأول بداية الذكرى سنوية للشهيد ويوم 19 لنفس الشهر تاريخا لاختتامها ، اختيار التاريخ للمناسبة ارتبط باستشهاد السيد المجاهد القائد زيد علي مصلح – القائد العسكري للمجاهدين في الحرب الأولى 2004م ، والذي استشهد وسط المجاهدين في جبال مران في 19 جمادى الأولى 1425 هجرية ، الموافق 7 يوليو 2004م ، في منطقة الخربان أسفل جبل مران من جهة الملاحيظ إلى الشرق ، والخربان هو أقصى المواقع الدفاعية للمجاهدين في الحرب الأولى التي شنها النظام الحاكم في صنعاء على الشهيد القائد ومجموعة قليلة من المجاهدين ، استشهد الشهيد مصلح الموصوف بسيد شهداء المسيرة وهو يطبق رؤيته “سأجعل من مترسي هذا سلما للنصر أو معراجا للشهادة” لتحقيق معادلة الشرف والنصر على جحافل الظلام والعدوان الذي شنه نظام علي عبدالله صالح على الشهيد القائد والمجاهدين.
وذكرى الشهيد السنوية تؤكد على حقيقة لا جدال فيها هي ذلك العشق الذى يربط اليمني بوطنه وشعبه ودينه وقادته من أعلام الهدى ، واندفاعه وتضحيته بالنفس والولد لتظل اليمن دائمًا مرفوعة راياتها خفاقة هاماتها بين الأمم ، ففي العام «2008م ، 1428 هجرية» ، توقفت الحرب الخامسة التي شنها نظام عفاش على محافظة صعدة وقد تمكن المجاهدون بقيادة قائد الثورة سماحة السيد عبدالملك الحوثي من تحرير منطقة مران بالكامل ، إثر ذلك وجه من السيد القائد بإحياء أسبوع الشهيد يبدأ من 13 جمادى الأولى وينتهي في 19 نفس الشهر ، ليجعل منها مناسبة عظيمة تليق بعظمة الشهداء ، واليوم باتت الذكرى السنوية للشهيد تبدأ من اليوم 13 جمادى الأولى ، حتى نهاية الشهر ، ويسبق ذلك فعاليات تحضيرية مكثفة.
تحرص الجمهورية اليمنية على إحياء هذه الذكرى بكل الإجلال والإكبار ، والعرفان للشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فكانوا أوفياء لدين الله وللمسيرة ولأعلام الهدى وللوطن ، مضحين بأرواحهم ودمائهم الزكية فداءً لهذا الوطن وصونًا لقدسية ترابه ودفاعا عن دين الله والمستضعفين.

الذكرى السنوية للشهيد
تحرص اليمن كل عام بإقامة فعاليات واحتفالات ومعارض وأنشطة وزيارات واحتفالات تكرم فيها أسر الشهداء ، بما يتناسب مع التضحيات التي قدموها فداء لتراب الوطن والدفاع عن الشعب اليمني ، وتقوم مؤسسة الشهداء والحكومة على التطوير الدائم والمستمر لأوجه التكريم والاهتمام والرعاية لأسر الشهداء العظماء في جميع محافظات الجمهورية.
ويقوم كبار قادة الجيش والمحافظون والوزراء ورئيس المجلس السياسي الأعلى ورؤساء السلطات الثلاث بوضع أكاليل الزهور وقراءة الفاتحة على أراوح الشهداء ، وزيارة روضات الشهداء وزيارة ضريح الشهيد الرئيس صالح علي الصماد ، بجانب إقامة الندوات التثقيفية التي تتناول معاني التضحية والفداء والدور البطولي للشهداء وتقديمهم لأرواحهم فداء للوطن ودفاعا عن الدين والعرض.
وتنطلق اليوم رسميا فعاليات الذكرى السنوية للشهيد 1442هجرية، في شهر جمادي الأول حيث يتم افتتاح معارض لصور الشهداء ، وزيارات روضات الشهداء ومعاهدة أهاليهم وتفقد أحوالهم وصرف مرتبات وإعانات لهم ، وتقام مأدبات ضيافة وغداء لأسر الشهداء ، وتنظم رحلات ترفيهية لأولاد الشهداء وأسرهم ، يتم أخذ أولاد الشهداء في رحلات ترفيهية إلى مناطق سياحية للترفيه عنهم وإدخال البهجة والسرور إلى أنفسهم، ويتم استقبال الذكرى بتزيين الشوارع والحارات والطرقات بصور الشهداء، وإقامة معارض رئيسية تحوي صور كل الشهداء من كل المحافظات ، ويتم نشر الأفلام والوثائقيات والقصص التي تحكي مآثر الشهداء ووصاياهم كما تقام الفعاليات الثقافية والندوات والمحاضرات تزامنا مع المناسبة.
وفي المؤسسات الرسمية تحيي الوزارات والمؤسسات والمصالح الحكومية والخاصة فعاليات المناسبة بتكريم أسر الشهداء من موظفيها ومنتسبيها ، فلا توجد مؤسسة إلا ومنها شهداء بذلوا أرواحهم في سبيل الله ، وهو ما يعكس تجذر قيم الشهادة التي باتت حية لدى جميع اليمنيين.

شهداء الوطن وسام على جبين اليمن
منذ فجر التاريخ يقدم اليمنيون الشهداء قوافل متصلة فداء للوطن ودفاعا عن الدين في مواجهة الأعداء ، فاليمن دائما وأبدا كانت مقبرة للغزاة على اختلاف أجناسهم ، وكان اليمنيون في مقدمة المجاهدين في فلسطين في حرب 48 وما بعدها ، كما تجلت بطولات أبنائها أثناء العدوان التحالفي الغاشم الذي يشن على اليمن منذ ستة أعوام متواصلة حتى اليوم ، وخلال الحرب الأولى التي شنها النظام البائد على الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي ومجموعات قليلة من المجاهدين في مران صيف 2004م ، قدمت المسيرة القرآنية ما يقارب الـ 500 شهيد على رأسهم الشهيد القائد المؤسس السيد حسين بدرالدين الحوثي ، والسيد المجاهد العالم الشهيد زيد علي مصلح وشهداء أبرار من الشباب والمسنين والعلماء والأعيان والنساء ، ومن هنا بدأت مسيرة العطاء الدافقة دما والنازفة أرواحا ، واستمرت حتى اليوم.
وفى الوقت الراهن يقدم الشعب اليمني وبواسل الجيش واللجان الشعبية والأمن أروع صور التضحية والفداء في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي الغاشم ، في أكثر من 50 جبهة ومعركة يستشهد على ترابها أنبل وأشرف الرجال دفاعا عن اليمن التي لا مكان فيها للغزاة والعملاء.

سيد شهداء المسيرة ونبراسها الشهيد السيد زيد علي مصلح
قدم الشهيد زيد علي مصلح أروع ملاحم البطولة والفداء في مواجهة جحافل العدوان على صعدة ، مسجلاً رغبة أُمة جهاد تعشق الشهادة وترفض الهزيمة رافعاً راية النصر أو الشهادة ، فقد مكث مدافعا عن الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي وعن المجاهدين أمام حشود الجيش والبشمركة في عقبة الخربان أسفل مران ، وقاتل حتى تمكنت الجيوش من الوصول إليه وحين طلب منه أحد الضباط تسليم نفسه أجاب: لقد سلمتها لله ، وقبيل استشهاده بلحظات إشتد القصف على موقعه وتساقط الشهداء من حوله فقال مقولته المشهورة خلال دفاعه المستميت عن مران في موقع الخربان (سأجعل من مقامي هذا سلماً للنصر أو معراجاً للشهادة ) قال قولا وفعلاً واستشهد في مكانه ودفن فيه وما يزال قبره مزورا مشهورا إلى يومنا هذا.
وقد كان لاختيار تاريخ الذكرى السنوية للشهيد في شهر جماد الأول من كل عام دلالات وأبعاد ارتبطت باستشهاد سيد شهداء المسيرة القرآنية الشهيد زيد علي مصلح رضوان الله عليه ، الذي استشهد في الـ 19 من جماد الأول 1425هجرية ، فاختير هذا التوقيت ليكون مناسبة سنوية للشهيد كل عام تعظيما للشهيد زيد علي مصلح ، الذي كان من أهم قادة المسيرة والمجاهدين ، ومن أهم قادتها الذين قضوا نحبهم في العشرين يوم الأولى من شن الحرب الغاشمة على الشهيد القائد المؤسس السيد حسين بدرالدين الحوثي.
والشهيد زيد علي مصلح من مواليد 1384هجرية في أحد وديان مران بمحافظة صعدة ، يتصل نسبه الشريف إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين حفيد الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ،تربى وترعرع في أحضان أسرة كريمة، عرفت بالصلاح والتقوى وشمائل الأخلاق الكريمة في أحد وديان مران الخضراء الجميلة التي يصفها في شعره بقوله:
أطلُّ على مران فاق جمالها
كأني في الجنات إذ أتنسم
هواء كعطر المسك إذ هو ثائر
وأرض كجنات بها المرء ينعم
بساتينها الخضراء تنطق آية
كلوحة فنان بها الرمز يفهم
هذه الأجواء الجميلة أكسبت الشاعر فناً بديعاً وجمالاً أخاذاً وذوقاً أدبياً رفيعا إضافة إلى ما ورثه عن أبائه من روح أبيِّة ونفس زكية وفصاحة وبلاغة فهم من سلالة أفصح العرب وأبلغها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأبوهم أمير المؤمنين وأمير البيان والفصاحة علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه).
يعتبر واحدًا من أشهر قادة المسيرة القرآنية إلى جانب الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ، حيث شارك في العمل الدعوي والثقافي والتحرك التربوي قبيل الحرب الأولى 2004م ، وفي الحرب الأولى التي شنت على مران عام 2004م ، كان أشهر وأهم القادة العسكريين للمجاهدين إلى جانب الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي ، وقد تصدى للجحافل والجيوش التي زحفت على مران حتى سقط شهيدا ، وكان لاستشهاده أثر معنوي كبير على نفسيات المجاهدين ومعنوياتهم وعلى الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ، لكن شهادته لم تكن النهاية بل بداية طريق طويل وشاق ومعمد بالدم والأرواح وألوف الشهداء والجرحى وتضحيات متواصلة إلى اليوم.
تلقى تعليمه على يد السيد الجليل قدوة المجاهدين ووارث علوم أهل البيت السيد المجاهد بدرالدين بن أميرالدين الحوثي رحمة الله ، ومنه أخذ العلم والفقه ومكارم الأخلاق ومحاسن الخصال كما أخذ منه الشجاعة والجهاد في سبيل الله والشعور بالمسؤولية والعمل لما فيه مصلحة العباد والبلاد.
ولقد كان كما أراد له معلمه فلا تجد عملا في منطقة مران الأبية وغيرها من المناطق فيه مصلحة الأمة وعزتها ونجاتها إلا والسيد زيد أحد أبرز القائمين به ومن له قصب السبق فيه.
كان مديراً لمدرسة الإمام الهادي (عليه السلام) في مران منذ أن أنشأها السيد / حسين بدر الدين سلام الله عليه عام [ 1412هـ] ومنها كان ينطلق لنشر الهدى والنور إلى أغلب مناطق صعدة وغيرها وفيها كان يستقبل طلاب العلم والفضيلة الذين يأتون من مناطق كثيرة من صعدة وصنعاء وحجة وذمار وعمران وغيرها من المحافظات حيث كانوا يجدون عنده ضالتهم المنشودة من العلم والفقه والدين ومكارم الأخلاق.
كان الشهيد من الرجال القلائل الذين حملوا هم بناء الأمة والدفاع عنها ، ولم يدخر جهداً في العمل بما يمكن لإنقاذ الأمة من وضعية الإذلال والخنوع ، فعمل على نشر العلم والمعرفة والوعي والدين والفضيلة وإصلاح ذات البين وإصلاح ما يفسده الأشرار وسلطة الضلال ؛ يقول متمثلا:
أمسى الخلي شجي القلب حيرانا
منغص الطبع باكي العين سهرانا
يرى الزمان وقد دارت دوائره
حتى غدا الجور للقسطاس ميزانا
بل أصبح الحر من ظلم الطغاة يرى
في الموت حلا وفي الأجداث أوطانا
ضاقت به الأرض بل مادت بساكنها
تشكو الولاة إلى الرحمن طغيانا
واستفحل الشر واستشرى الظلام بها
واستبدل الناس بالمعبود شيطانا
عادت ثمود على فيل لأبرهة
تقوده حامياً بيتا وأركانا
ألقى إلى العرب نمرودا بمعوله
وعاد قارون يدعو اليوم هامانا
وشيد الصرح للفرعون قادتنا
وزُجَّ في السجن موسى إذ تحدانا
قف ساخرا واقلب الكفين في عجب
من أمة فاخرت بالذل عنوانا
وكان طوال حياته عاشقاً للجهاد والتضحية والشهادة في سبيل الله تلمس هذه الروحية العالية من خلال كتاباته وخطاباته وشعره فهاهو يعبر عن شعوره ذلك بقوله:
لفجر الشهادة قلنا نعم
وللذات لا, لا, ولا للصنم
نعم للكتاب نعم للقتال
ولا للسُّهاد ولا للعدم
نعم للجهاد نعم للنضال
ولا للحياة بحُلْك الظُلَم
نعم للرصاص بصدر العداء
ولا للإهانة لا للألم
ورب البرية لن نستكين
ولن نعلن الذل بعد القسم
نفجر في الأرض أفكارنا
لنشفي بالنور جرح الأمم
ونعلي القران وأحكامه
لكي يترك الظلم من قد ظلم
عُرف الشهيد بقوَّته في ذات الله وبغضه الشديد للمنافقين الذين كانت ترتعد فرائصهم خوفا عندما يرونه فقد كان معروفا بين الجميع بأنه لا يخشى في الله لومة لائم ؛كان الشهيد خطيباً بارعا يمتلك قدرة بيانية كبيرة وموهبة خطابية عالية وأسلوباً فريدا في النفاذ إلى القلوب فكانت تهتز لخطاباته المنابر والقلوب وبقدر ما لديه من قدرة على بعث الحماس والشجاعة في القلوب بقدر ما لديه من قدرة على إثارة المشاعر والعواطف في النفوس، ولقدرته الخطابية فقد كان يجلس لفترات طويلة قد تصل إلى ثلاث ساعات أو أكثر دون أن يشعر الحاضرون بملل وذلك لتنوع أسلوبه وحسن أدائه وطرحه.
أما في الشعر فقد كان شاعر المسيرة منذ نشأتها وانطلاقتها من مران فكان شعره انعكاسا لما يحمله بين جوانحه من الشعور بالمسؤولية تجاه دينه وأمته ووطنه، أما مران فإنها باستشهاده تكون قد فقدت الأب الحنون والمربي الحريص فقد كان لها المرشد والمعلم والناصح والمصلح فلا تجد أفراحا هنا إلا وتراه يوزع بسماته على الحاضرين ولا حزنا هناك إلا وتجده من يضمد الجراح ولا محتاجاً إلا وهو من يعمل على قضاء حاجاته ولا مغموما إلا ويسارع لكشف أسباب غمه ولا يتيما ولا أرملة ولا مظلوما إلا وتجد فيه المعين والناصر ولا مشكلة إلا ويسارع في حلها.
ولما انطلق الشهيد القائد السيد / حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه بدعوته وتحركه في إطار القرآن ، معلنا شعار الصرخة في وجه المستكبرين وتصديه للمشروع الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة ، تمثل الشهيد مصلح بقوله:
عهداً سأبقى مخلصاً متفانياً
لله جندياً بكل مكان
ولكل من يسعى بكل جهوده
مستبسلاً في نصرة الديان
في دفع كيد الفاسقين وبغيهم
في نصرة المظلوم والولهان
أنا ملك ربي إن دعاني دينه
سلمت نفسي وامتطيت حصاني
رباه فاجعلني لدينك مخلصاً
حتى تواري جثتي أكفاني
وكان السيد زيد الساعد الأيمن للسيد القائد حسين بدر الدين (سلام الله عليه) ، فانطلق بجد ونشاط ومثابرة وعزيمة للعمل ليلا ونهارا بلسانه وقلمه وبكل ما يملك متفرغا من كل ما يمكن أن يشغله حتى أنه كان قليل اللقاء بأهله فقد استغرق العمل جل وقته ولقدرته الخطابية وفهمه ووعيه بالعمل فقد كان السيد كثيرا ما يكلفه بالتحدث في المناسبات أو زيارة المناطق بديلا عنه.
فعندما شاهد تكالب الحشود والجيوش تزحف على موقعه وبجواره ومجموعة قليلة من أصحابه المجاهدين المخلصين تمثل بقول أبي طالب لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله):
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسَّد في التراب دفينا
وبعث بها في رسالة إلى السيد الشهيد حسين بدر الدين الحوثي أبلغه سلامه ، وأكد له أنه لن يبرح مكانه إلا شهيدا.
وفي ساحة المعركة أطلق مقولته التاريخية:( سأجعل من مقامي هذا سُلَّما للنصر أو معراجا للشهادة) ولقد وفى بوعده وبرَّ بعهده ففي يوم حزين من أيام مران الحزينة الخميس 19 جماد الأول 1425هـ كان الشهيد على موعد مع ما كان يتمناه طوال حياته ، فهو الذي تمنى الشهادة في سبيل الله وحلم بها ، فقد حلقت روحه مرفرفة في سماء المجد والشموخ بعد أن ضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والصمود والاستبسال مع مجموعة قليلة من العدد والعدة أمام الآلاف من جحافل الطغيان والبغي تساندهم كافة أنواع الأسلحة بما فيها طائرات الميج والمروحيات التي نفذت في نفس اليوم أكثر من خمسين طلعة جوية ، قدم الشهيد مصلح خلال تلك المعركة مواقف عظيمة أعادت للأذهان تاريخ أجداده وصولاتهم في خيبر وبدر وحنين وأحد ، صلوات الله عليهم أجمعين.
ولما كان يمثله الشهيد زيد علي مصلح من أهمية في موقعه وموقفه ، قام الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي حين وصله نبأ استشهاد مصلح بالنزول إلى مكان الشهيد لتدارك الموقف فهو يعرف ماذا يعني استشهاد عملاق وقائد أمثال زيد علي مصلح ، ونزل إلى الموقع رغم الأخطار التي كانت قائمة وبمجموعة لا تتجاوز ثمانية مجاهدين ، وحرر الموقع ودحر جحافل الطغاة والعدوان ، وتمكن من إعادة المعنويات إلى نفوس المجاهدين بعد أن تأثرت بفقدان قائدهم السيد الشهيد زيد علي مصلح.
ثم وجه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي أن يدفن الشهيد زيد مصلح في مكان قريب من الموقع وودعه ببضع كلمات قائلاً: ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون, رحم الله أخي الشهيد زيد فقد نال ما تمنى وتُوَّج وساما رفيعا بالشهادة وصار في مصاف الأولياء ورفض الخنوع في زمن الذل) ، ثم لم يلبث الشهيد القائد بعده طويلا حتى استشهد في سبتمبر 2004م ، ليكون بذلك فاتح مسار طويل من العطاء وقوافل الفداء.

روضات الشهداء.. عامرة بالحياة ومثمرة بأنوار الشهداء
تضم روضات شهداء الدفاع المقدس الآلاف من الشهداء اليمنيين الذين بذلوا أرواحهم فداء لوطنهم وأهلهم ودينهم ، وقدموا أروع صور البطولة والتضحية والفداء ، وتخليدا لذكرى هؤلاء الأبطال ، يقوم الشعب اليمني بزيارتهم في الذكرى السنوية للشهيد في مختلف المحافظات اليمنية.
يأتي احتفال الشعب اليمني بالذكرى السنوية للشهيد في الـ13 من جمادي الأولى وحتى نهاية الشهر من كل عام ، ليعكس مدى اعتزاز الوطن بأبنائه ويجسد أسمى معاني العطاء والروح الوطنية المخلصة للمجاهدين الأوفياء المدافعين عن اليمن وسلامتها عبر تاريخها الجهادي الطويل ، وليضيف إلى سجل الشعب اليمني صفحات من المجد والكرامة يعتز بها أبناء اليمن جيلا بعد جيل، وكما أكد قائد الثورة سماحة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي ستظل أرواح الشهداء باعثة للعزة والكرامة تعلم الأجيال وتلهمهم.

 

قد يعجبك ايضا