أبدعنا عسكرياً.. فهل نفشل اقتصادياً؟!

محارب علي أبو غانم

نحن بحاجة إلى سياسة عقلانية تراعي في الأساس الظروف الصعبة للاقتصاد اليمني وتستهدف تحقيق التنمية ورفع مستوى معيشة المواطن اليمني .
عندما دخلت مصر عقد السبعينيات كانت محملة بخسائر جسيمة نتيجة حرب 5 يونيو 1967م، وهذه الخسائر أثرت أيما تأثير على الاقتصاد المصري وأوضاعه الداخلية، فمن ناحية كانت مصر قد فقدت كل شبه جزيرة سيناء وما فيها من ثروات طبيعية خصوصاً البترول الذي كان ينتج في سيناء بما يعادل نصف إنتاج البلاد فضلاً عن مناجم المنجنيز والفحم وغير ذلك , كما أغلقت قناة السويس وخسرت مصر كل ما كانت تأتي به من حصيلة هامة من النقد الأجنبي كما تأثرت حركة السياحة وضاعت ما كانت تأتي به من حصيلة هامة من النقد الأجنبي، وتعرضت مواردها للنضوب نتيجة تعرض المنطقة لحالة اللا سلم التي سادت خلال تلك الفترة , ناهيك عن الخسائر التي فقدتها مصر في مواردها البشرية وما كانت تمثله من قوى عاملة وخبرة عالية الكفاءة وتدمير جانب مهم من الطاقات الإنتاجية في منطقة قناة السويس وتوقف النشاط الاقتصادي في مدن القناة الثلاث وعلى الشاطئ الغربي وتهجير سكان هذه المناطق إلى داخل البلاد ما جعل مصر تقع بين فكي الانهيار الاقتصادي الذي تمثل في كيفية تخصيص الموارد الاقتصادية المتاحة والمتبقية في تلك الفترة بين الأغراض المدنية وإشباع الاحتياجات الإنسانية وبين الأغراض الحربية والعسكرية الضخمة استعداداً لحرب أكتوبر 1973م التي كانت تتطلب تمويلاً ضخما فكانت من ظواهر تلك الفترة – أي بعد حرب 67م التي شنها الهجوم الضاري بقيادة الاستعمار الصهيوني لتحطيم التجربة الناصرية – ضياع موارد مصر الاقتصادية، فمثلاً في ما يتعلق بالعجز الخارجي للاقتصاد المصري كان يتسع على نحو متزايد نتيجة لفجوة العملات الأجنبية وكان سبب هذا الاتساع المتزايد لهذه الفجوة يرجع إلى أسباب عدة منها العجز المتزايد في ميزانها التجاري نتيجة تقاعس الصادرات عن اللحاق بالتزايد المستمر في الواردات وعدم إمكانية مواجهة الزيادة في الطلب عن طريق نمو الإنتاج المحلي، وسبب آخر تمثل في اتساع فجوة العملات الأجنبية الذي تمثل في المتاعب المالية التي واجهتها مصر في ما يخص الديون الخارجية التي حصلت عليها في الماضي أو خلال نفس الفترة، حيث جاءت آجال الاستحقاق للكثير من القروض المتوسطة والطويلة الأجل التي كانت قد عقدتها في الستينيات وآجال القروض القصيرة التي عقدتها بعد حرب يونيو 67م مما جعل مجموع العجز الخارجي للاقتصاد المصري خلال الفترة 67 -1973م يصل إلى حوالي 3.7 مليار دولار أمريكي .
فالسؤال الذي يطرحه الكثير من الباحثين والدارسين للأزمات الاقتصادية، هو: كيف استطاعت مصر الخروج من الانهيار الاقتصادي الذي كان قاب قوسين أو أدنى؟
والإجابة على هذا السؤال تتمثل في التالي :
1 – الدعم العربي الذي تقرر في مؤتمر القمة بالخرطوم غداة حرب 1967م .
2 – القروض والمساعدات والمنح والودائع التي حصلت عليها من الدول العربية .
3 – القروض والمساعدات التي عقدتها مع بعض هيئات التمويل الدولية والإقليمية والدول الرأسمالية .
4 – القروض القصيرة الأجل الخارجية “لكن هذا الإجراء حل مشكلة مصر مؤقتاً” وأظهر مشكلة جديدة في سنة 1976 -1977م تمثلت في أزمة السيولة النقدية الخارجية للاقتصاد المصري .
5 – تحويلات المغتربين المصريين في الخارج .
6 – القروض التي حصلت عليها مصر من الدول الاشتراكية وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي .
7 – اضطرت مصر لاستخدام جانب كبير من احتياطاتها النقدية الدولية لمواجهة جانب من هذا العجز، لكن هذا الحل أدى إلى إضعاف موقف السيولة النقدية الدولية للاقتصاد المصري في السنوات التالية .
8 – اتخاذ سياسات مالية جديدة استمرت حتى بعد حرب 73 وعلى قدر النجاح الذي حققته تلك الفترة لكنها أثبتت فشلها مستقبلاً .
فهل من الممكن حصول ذلك في اليمن خاصة ونحن نمر بظروف شبيهة نوعاً ما بما مرت به جمهورية مصر لأننا أكثر تضرراً والاعتداء علينا ليس من ثلاث دول بل أكثر بكثير ولم تضرب ثلاث مدن يمنية بل البلاد بأكملها .
“طبعاً لا” فلن تقيم الجامعة العربية مؤتمراً لدعم اليمن كما حصل في مصر غداة حرب 67م ولن تفي الدول المانحة بما التزمت به تجاه اليمن سابقاً ولن تقوم حتى الدول الرافضة للعدوان على اليمن بتقديم المساعدات المالية حالياً ولن…ولن…إلخ..
إذاً لا يوجد لدينا سوى الحل الأخير وهو اتخاذ سياسات مالية جديدة بإدارة جديدة تمتلك أفكارا جديدة لطرح حلول جديدة، فمعروف أنه عندما تمر أي دولة بظروف اقتصادية صعبة نتيجة حروب أو غيرها من الأسباب يقوم المسؤولون فيها بالظهور على وسائل الإعلام المختلفة “فضائيات إذاعات , صحف” لتفسير تلك الظروف ومن ثم تبريرها “أسبابها” ثم تقديم الحلول لها، أما نحن في يمننا العزيز فيكتفي أصحاب القلم بالتفسير وأصحاب القرار بالتبرير دون طرح الحلول لها، فالمواطن لا يريد أي تفسيرات أو تبريرات بل حلولا واقعية يلمسها في الخدمة المقدمة له من قبل الحكومة , فيجب علينا أولاً أن نعرف ما هو التشخيص الأصح لجوهر المشكلة الاقتصادية في اليمن في الوقت الراهن ؟ وما هي المظاهر المختلفة التي تعبِّر بها هذه المشكلة “الأزمة” عن نفسها ؟ وما هي الحلول الاقتصادية العلمية الصحيحة لهذه المشكلة ؟ من أجل الوصول إلى حلول جذرية لها عبر رؤية واضحة للظروف الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، والحرص على تحقيق الاستقلال والاستقرار الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية للشعب اليمني، لذا فإنا بحاجة إلى القيام بتشخيص المشكلة الاقتصادية في اليمن، والتي تتمثل في الآتي : “مشكلة اختلال التوازن الاقتصادي العام , مشكلة الدَين العام بشقيه الخارجي والداخلي , مشكلة التضخم “ارتفاع الأسعار” , مشكلة التزايد السكاني “النازحين” , مشكلة الدعم والأجور “الرواتب” , مشكلة السيولة , العجز المستمر في الموازنة العامة للدولة , مشكلة ترشيد الإنفاق العام , مشكلة سعر الصرف للريال اليمني، وعلى رأس كل ما سبق يأتي الفساد “العدو الأخطر والأشد فتكاً”.
إذاً نحن بحاجة إلى استراتيجية واضحة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي لليمن ذات أهداف جوهرية وخطوط تحرك واضحة من أجل نقل الاقتصاد اليمني إلى وضع أفضل باستمرار في هذه الفترة والفترة المقبلة وصولاً إلى تحقيق الاستقلال والاستقرار الاقتصادي لليمن وتحقيق الارتقاء المستمر في مستوى معيشة المواطن اليمني , فكما أبدعنا عسكرياً سننجح إن شاء الله اقتصادياً إذا صدقت النوايا .

قد يعجبك ايضا